تصعيد إيران في العراق يجبر أميركا على مراجعة خططها شرق سوريا

الولايات المتحدة تجد اليوم نفسها مجبرة على إعادة النظر في حضورها المتقلص في شرق سوريا وشمالها على ضوء التصعيد الخطير بينها وبين إيران على الأراضي العراقية، وهذا ما يفسر وفق البعض استئناف دعمها “السخي” لقوات سوريا الديمقراطية دون أن تكون لتركيا المنشغلة بليبيا القدرة على التحرك أو ممارسة أي ضغوط كتكرار سيناريو “نبع السلام”.
دمشق - رجح دبلوماسيون غربيون أن ينعكس التصعيد الجاري بين الولايات المتحدة وإيران في العراق على خطط واشنطن بشأن سوريا، بعد أن كانت الولايات المتحدة قد أعلنت انسحابها من عدة نقاط في شمال البلاد وشرقها، وحصرت تركيزها فقط على تأمين حقول النفط والغاز التي تقع تحت سيطرة حليفتها قوات سوريا الديمقراطية.
وأشار الدبلوماسيون إلى أن ما يحدث على خط واشنطن طهران في العراق سيؤثر حتما وبشكل إيجابي على وضع الأكراد في سوريا الذين يعيشون منذ الهجمة التركية في أكتوبر الماضي وما تلاها من انسحاب أميركي جزئي، حالة من عدم اليقين والتوجّس على مصيرهم ومستقبل منطقتهم الممتدة على جزء كبير من الحدود التركية وصولا إلى العراق، والتي أعلنوا فيها إدارة ذاتية في العام 2013 وعاصمتها القامشلي.
ويشهد العراق نذر حرب بالوكالة بين إيران والولايات المتحدة، بعد إقدام ميليشيات عراقية تنتمي إلى تحالف الحشد الشعبي المدعوم من طهران، على شن ضربات صاروخية على قواعد عسكرية تستضيف جنودا ودبلوماسيين أميركيين قتل خلال إحداها مقاول مدني أميركي قرب مدينة كركوك شمالي العراق.
وردت الولايات المتحدة على تلك الهجمات بغارات جوية استهدفت، الأحد، كتائب حزب الله العراقي، وهي أحد فصائل الحشد الشعبي، في محافظة الأنبار غربي العراق وداخل الأراضي السورية، ما أدى إلى مقتل 28 مقاتلا وإصابة 48 آخرين بجروح، فكان أن أقدم المئات من عناصر الحشد، الثلاثاء، على محاولة اقتحام السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء ببغداد وإعلان اعتصام في محيطها، قبل أن يتراجعوا ويعلنوا انسحابهم، الأربعاء.
أنقرة لا تستطيع تكرار سيناريو {نبع السلام} خاصة بعد توجيه المئات من العناصر الموالية لها في سوريا إلى ليبيا
وعلى خلفية هذه التطورات الخطيرة أعلنت وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” أنها سترسل نحو 750 جنديا على الفور إلى الشرق الأوسط.
ولا يستبعد الدبلوماسيون أن تقدم الولايات المتحدة على إعادة انتشار جديد في المنطقة الشرقية السورية المحاذية للحدود العراقية حيث تتمركز كتائب حزب الله العراقي مع ميليشيات أخرى موالية لإيران.
وكتائب حزب الله العراقي التي تولت كوادر إيرانية ولبنانية (حزب الله اللبناني) تدريب عناصرها والمعروف عنها ولاؤها الشديد لطهران، هي من أولى الميليشيات التي انضمت إلى الحرب السورية. ويتمركز وجود عناصرها في سوريا في الشرق وتحديدا في محافظة دير الزور.
وتسعى إيران إلى فرض موطئ قدم لها في تلك المحافظة الاستراتيجية المتصلة جغرافيا بغرب العراق (الأنبار) وجزءا من شماله (نينوى) في إطار مشروع الحزام الذي تسعى جاهدة لتنفيذه والذي تهدف من خلاله إلى وصلها بلبنان -حيث تتمركز ذراعها الأبرز، حزب الله اللبناني- والبحر المتوسط الذي تحول إلى ساحة صراع دولي وإقليمي خطير.
ويقول محللون إن إمكانية إعادة واشنطن النظر في وجودها في سوريا بالتأكيد لن يروق للعديد من القوى الإقليمية والدولية وعلى رأسها تركيا التي سعت جاهدة إلى دفع الولايات المتحدة لتقليص انتشارها خاصة في شمال شرق سوريا وتخفيض دعمها للوحدات الكردية التي تصنفها تنظيما إرهابيا يهدد أمنها القومي.
ويشير المحللون إلى أن الإدارة الأميركية التي اتسمت سياساتها في سوريا بالتذبذب الأمر الذي دفع الكثيرين إلى التشكيك في حقيقة ما إذا كانت تملك فعلا استراتيجية في التعاطي مع الوضع المعقّد في هذا البلد، هي اليوم مضطرة لتقييم موقفها المتردّد على وقع ما يجري في العراق.
ويلفت هؤلاء إلى أنه حتى وإن تم احتواء التصعيد الجاري على الأراضي العراقية فإن ما حصل خلال الأيام الأخيرة يشكل تطورا خطيرا وضربا “لحالة تعايش الضرورة” التي امتدت لسنوات بين واشنطن وطهران في العراق وإن كانت هناك هزات.
ومن النقاط المرجح تقييمها من قبل إدارة الرئيس دونالد ترامب هو شكل حضور القوات الأميركية في شمال سوريا وشرقها، ومسألة تعزيز قوة حليفتها وحدات حماية الشعب الكردي.
ويبدو أن واشنطن بدأت بالفعل التحرك على هذا المستوى لإدراكها بأن استسلامها للضغوط التركية بات يهدد مصالحها ومشروع تحجيم النفوذ الإيراني الذي يشكل خطرا مركزيا بالنسبة لها ولحلفائها في المنطقة وفي مقدمتهم إسرائيل.
وكشف المرصد السوري لحقوق الإنسان، مساء الثلاثاء، عن وصول قافلة للتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن تضم 130 شاحنة تحمل سيارات عسكرية وصهاريج ومعدات عسكرية ولوجستية إلى دير الزور حيث ستوزع على قوات سوريا الديمقراطية.
وكان المرصد أعلن في 21 ديسمبر الماضي عن دخول قافلة مساعدات عسكرية من “التحالف الدولي” تضم أكثر من 100 شاحنة منها عربات عسكرية رباعية الدفع وسيارات “هامر” دعما لقوات سوريا الديمقراطية، حيث أفرغ قسم من الرتل في قاعدة “هيمو” في القامشلي والقسم الآخر توجه نحو مناطق الحسكة ودير الزور.
وقبل ذلك رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان، في 15 ديسمبر، دورية تابعة للقوات الأميركية انطلقت من قاعدة “هيمو” في القامشلي إلى مدينة الحسكة، وانقسمت الدورية المؤلفة من 4 مدرعات إلى قسمين، حيث اتجهت مدرعتان إلى دوار الإطفائية ومثلها إلى دوار سينالكو، وسط تحليق مكثف لطائرات أميركية في سماء المنطقة.
ولا تستطيع تركيا المنشغلة في إدارة صراع مع عدة قوى إقليمية ودولية بشأن ليبيا وشرق المتوسط، أن تتحرك مجددا للضغط على واشنطن، في هذا الملف.
وعمدت تركيا إلى فرض أمر واقع على الولايات المتحدة في أكتوبر الماضي من خلال شن عملية عسكرية أطلقت عليها نبع السلام بهدف طرد الأكراد من شرق الفرات، وقد أجبرت حينها الولايات المتحدة على سحب جزء من قواتها من تلك المنطقة الجغرافية، ولكن أنقرة اليوم لا تستطيع تكرار هذا السيناريو خاصة بعد توجيه المئات من العناصر المقاتلة الموالية لها في سوريا إلى ليبيا، فضلا عن كونها لا تستطيع فتح أكثر من جبهة في آن واحد.