تشريك الشارع المصري في الحوار الوطني خطوة حكومية شعبوية

القاهرة - أخذ الحوار الوطني في مصر منحنى مختلفا عقب إدراج الشارع ضمن الأطراف المشاركة فيه، بعد أن أدركت القوى والأحزاب المشاركة فيه صعوبة الوصول إلى نتائج إيجابية في ظل وجود انفصال بين توجهات الحكومة والمواطنين.
وقررت تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، وهي كيان يضم العديد من الأحزاب وقريب الحكومة، القيام بجولات ميدانية في مختلف المحافظات للتعرف على رؤى ومطالب وأهداف الشارع، ونقلها إلى الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي في أبريل الماضي، وجرى تدشين فعالياته مؤخرا.
ولا يعير الناس في الشارع المصري اهتماما كبيرا للحوار الوطني، وأغلبهم لا يعرفون شيئا عن مجالاته، مع اقتصار المشاركة على النخب السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية وقيادات النقابات، ولم يتسع أفق الجهة المسؤولة عن التنظيم إلى وجود مشاركين من الفئات المجتمعية بأطيافها وطبقاتها لأسباب مختلفة.
ويستهدف إدراج الشارع ضمن مكونات الحوار الوطني إضفاء حالة من الشعبوية على توجه النظام الحاكم، وأنه يبحث عن حلول للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لأن التقارب مع القوى والأحزاب مقابل استمرار تباعد المسافات مع الناس في الشارع يفاقم الغضب ضد توجهات الحكومة.
المصريون في الشارع لا يعيرون اهتماما كبيرا للحوار الوطني، وأغلبهم لا يعرفون شيئا عن مجالاته وأهدافه سوى أشياء عامة
وتبدو الشريحة الكبيرة في الشارع المصري غير ممثلة عمليا في الأحزاب والقوى السياسية النشطة، ومن المهم الاستماع المباشر لوجهات نظرها والتعرف على طبيعة مشكلاتها مع تراجع الثقة في وسائل الإعلام الرسمية.
وتقدمت قوى وتيارات وأحزاب بمقترحات لتقريب المساحة بينها والشارع، غير أنها لا تزال بعيدة عن طموحات المواطن العادي، فهي إما مرتبطة بالحبس الاحتياطي وحرية الرأي والتعبير، وقوانين الانتخابات أو التمثيل النيابي، بينما مطالب الناس وثيقة الصلة بحل تداعيات الأزمة الاقتصادية.
وبدأت الحكومة تقتنع بضعف القواعد الشعبية للقوى المدنية النشطة والأحزاب، والتي لا تمثل سوى نفسها، مع أنها تهدف في المقام الأول إلى امتصاص غضب الشارع الذي تصعب السيطرة عليه حال وصلت الأوضاع إلى مستوى غير مسبوق من التذمر، ومن هنا رأت ضرورة وجود قنوات للحوار المباشر مع الناس.
وقال إكرام بدرالدين رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة لـ”العرب” إن إدخال الشارع طرفا في الحوار الوطني يجعله قريبا من الواقع، فالناس بحاجة إلى أن تصل مطالبهم وأفكارهم بدقة إلى صانع القرار، ولن يتحقق ذلك بدون نزول قوى سياسية إلى القرى والمدن والأحياء والمناطق الشعبية لمنع تهميش أي فئة مجتمعية.
وأضاف أن الخطوة إيجابية إذا قدر لها النجاح، لأن رؤى الشارع تغطي غالبية الملفات التي يناقشها الحوار الوطني، فالناس يتحدثون عن الأسعار والبطالة والضرائب والغلاء، وهذا محور اقتصادي، وهناك من يتحدث عن الحريات والانتخابات وهذا شق سياسي، ولا بد أن تكون مطالب الناس مركز الحوار، ويتم نقلها إلى الحكومة بشفافية تعميما للفائدة الوطنية.
التقارب مع القوى والأحزاب مقابل استمرار تباعد المسافات مع الناس في الشارع يفاقم الغضب ضد توجهات الحكومة
ويرى مراقبون أن توكيل ائتلاف شباب تنسيقية الأحزاب بمهمة تشبه الوساطة بين الحكومة والشارع اختيار مناسب، لأن هذا الكيان معروف عنه التعامل بتوازن بين دعم النظام وتبني وجهات نظر الناس في قضايا عديدة، وسبق له رفض مشروعات قوانين كانت ستضيف الأعباء على المواطنين، ولديه اختلاط بالشارع.
ويمثل الائتلاف 48 عضوا في مجلسي النواب والشيوخ، لكن لديه أدوات أخرى قد تمكّنه من إظهار نفسه على أنه كيان سياسي متماسك بحكم علاقاته القوية بدوائر صناعة القرار، ويستطيع بسهولة أن يمرر رؤيته للأوضاع السياسية والاقتصادية، إذ أنه من النادر أن يُرفض له مقترح بقانون، ودائم التواصل مع رؤوس المنظومة الحكومية.
ولدى تنسيقية الأحزاب والسياسيين مقار في أنحاء مختلفة من محافظات الجمهورية، وأغلب أعضائها من الفئات الشبابية، وهذه ميزة للحكومة لأن قرابة 60 في المئة من التركيبة السكانية شباب، وكثير منهم على خلاف مع الحكومة لشعورهم بالتهميش والإقصاء والاستهداف والامتعاض من بعض تصوراتها التي تبدو منفصلة عن الواقع.
وتضمنت مطالب الشارع التي وصلت لها تقديرات القائمين على الحوار الوطني حتمية تحرك الحكومة لتحجيم الغلاء وتحسين الظروف المعيشية وإعادة النظر في بعض التشريعات التي ضاعفت الأعباء على المواطنين، وإصدار قانون الانتخابات المحلية، وعدم رفع أسعار السلع الموجهة للبسطاء، وزيادة رواتب المعاشات.
قوى وتيارات وأحزاب تقدمت بمقترحات لتقريب المساحة بينها والشارع، غير أنها لا تزال بعيدة عن طموحات المواطن العادي
ويُدرك الرئيس المصري أن دعوته إلى إجراء حوار وطني مع الأحزاب والقوى السياسية والمجتمعية لا يجب أن تكون بديلا عن الحوار مع الكتلة الأكبر، المتمثلة في الناس العاديين الذين يشكلون القاعدة الجماهيرية الأكبر في مصر.
ويقول متابعون إن الاعتماد على فصيل سياسي قريب من الحكومة لتوصيل مطالب الشارع إلى الحوار الوطني محاولة لإبعاد قوى المعارضة عن توظيف ذلك لحسابها مستقبلا، بحيث لا تظهر أمام الناس كأنها سعت لنقل صوتهم إلى النظام وضغطت على الحكومة لتحقيق مطالبها وتحقيق مكاسب سياسية.
ويُحسب على أحزاب المعارضة أنها بعدما أتاحت لها الحكومة فرصة المشاركة في الحوار الوطني لم تستثمر ذلك في المطالبة بالعودة إلى الاحتكاك بالشارع لتعيد ترميم شعبيتها التي تآكلت في السنوات الماضية، واستمر بعضها في تمثيل نفسه بمطالب بعيدة عن طموحات الناس، ولم تنزل هذه الأحزاب لتظهر كممثلة لهم، وهي الفرصة التي تستغلها تنسيقية شباب الأحزاب لملء الفراغ قبل اتساع نطاقه.
وسيكون من الصعب على الحكومة تلبية جميع مطالب المواطنين التي سوف تصل إلى الحوار الوطني، لكن إدراج الشارع ضمن أطره الشعبية فرصة ثمينة لإعادة النظر في بعض السياسات الخاطئة التي عمّقت الفجوة بين الناس والحكومة، لأن الأخيرة مقتنعة أنها تسير في الطريق الصحيح في حين ارتفع مستوى الغضب في الشارع.
وبغض النظر عن مدى قدرة الحكومة على تصويب مساراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وفق مطالب المعارضة، فالأهم أن يشعر المواطنون بوجود نوايا للإصلاح والتغيير عندما تكون هناك رغبة لطرح رؤى تعبر عن نبض الشارع الحقيقي.