تشريع ينظم عمل الأحزاب السياسية يثير جدلا في مصر

التشريع المزمع مناقشته في البرلمان يلزم رئيس كل حزب بتقديم إقرار الذمة المالية مع توليه منصبه وعند مغادرته منصبه مع انتهاء فترته الانتخابية.
الأربعاء 2023/03/01
التشريعات البرلمانية تفرغ الحوار الوطني من مضمونه

القاهرة - كشف تشريع جديد من المتوقع إقراره من البرلمان المصري قريبا يقضي بإعادة تنظيم عمل الأحزاب السياسية عن إشكالية بشأن الملفات التي كانت على رأس الحوار الوطني ولم تنطلق جلساته العامة فعليا بعد، فقد يتم إقرارها دون انتظار تدشين الحوار، ما يضاعف من مخاوف تأخره وتراجع زخمه السياسي مع دخول البرلمان مجددا لمناقشة التشريعات ذات الارتباط المباشر بالبيئة السياسية الراهنة.

تقدم أمين سر لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان المصري عبدالمنعم إمام، وهو أيضا رئيس حزب العدل (ليبرالي)، بمشروع قانون لنظام الأحزاب السياسية اعتبر التعديلات التي سيتم إدخالها على قانون عمل الأحزاب تخدم تطلعات المصريين والقوى المدنية نحو بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.

ويضم الحوار الوطني محورا للقضايا السياسية تنبثق منه لجنة لتنظيم عمل الأحزاب والقوانين الخاصة بقضايا عديدة، وتركز جلساته على منح الأحزاب حرية حركة من خلال المزيد من التشريعات التي تخدم استعادة تواصلها مع الشارع.

طلعت خليل: مساعدة الأحزاب ماليا لا يجب أن تتحول إلى التدخل فيها
طلعت خليل: مساعدة الأحزاب ماليا لا يجب أن تتحول إلى التدخل فيها

ويشير المقترح إلى وجود جهات حكومية تريد تأكيد أنها ماضية في اتجاه دعم الأحزاب المدنية، إذا لم ينطلق الحوار قريبا، أو في حال لم يكن معبرا عن التطلعات.

ويعيد التشريع المزمع مناقشته في البرلمان الأيام المقبلة الدعم المالي الذي تقدمه الدولة سنويا للأحزاب ويضع حدا أقصى لهذا الدعم بقيمة 2 مليون جنيه (66 ألف دولار) للأحزاب الممثلة بالبرلمان و100 ألف جنيه (ثلاثة آلاف دولار) للأحزاب غير الممثلة، ويفتح الباب أمام تلقي الأحزاب لتبرعات من الشخصيات الاعتبارية.

ويلزم التشريع رئيس كل حزب بتقديم إقرار الذمة المالية مع توليه منصبه وعند مغادرته منصبه مع انتهاء فترته الانتخابية، ويتضمن إنشاء مفوضية لشؤون الأحزاب بديلة للجنة شؤون الأحزاب الحالية، تُشكل من قضاة يصفهم القانون بأنهم مستقلون، وتنبثق عن المفوضية لجان فرعية تعمل على مراقبة الأحزاب في حال ارتكاب مخالفات مالية وتضم ممثلين من الرقابة المالية والبنك المركزي.

وتعد هذه المقترحات الأولى التي تقدم إلى البرلمان بشأن آلية عمل الأحزاب منذ تعديل القانون رقم “40” المنظم لعمل الأحزاب في مصر بعد ثورة يناير 2011، وتم اعتماد تأسيس الأحزاب بالإخطار وسحب تمويل الدولة لها، وهو ما فتح المجال أمام وجود مئة حزب غالبيتها تحمل صفة “أحزاب كرتونية” في إشارة إلى ضعفها.

وإذا كانت التعديلات تستجيب لبعض مطالب الأحزاب التي تمثلت في عودة الدعم الحكومي، إلا أنها تبعث بإشارات سلبية حول استمرار التلكؤ في انطلاق جلسات الحوار، وأن الاتجاه نحو تقديم امتيازات ضيقة للقوى السياسية لا تضمن انفتاحا في المجال العام لن يكون في صالحها على المدى البعيد، في حالة رغبتها تفعيل أدوارها السياسية داخل المجتمع.

التعديلات تبعث بإشارات سلبية حول استمرار التلكؤ في انطلاق جلسات الحوار

ويقود إقرار تشريعات تتعلق بالممارسة السياسية للأحزاب وإدخال تعديلات عليها حال التوافق على بنود أخرى في جلسات الحوار للمزيد من الارتباك، والأكثر من ذلك أن التقدم بالمقترح الآن يعزز مخاوف تنتاب قوى معارضة من الارتكان على تنظيم حوار مجتمعي لا يطال حل مشكلة الحريات العامة والممارسة السياسية، ووضع تعقيدات تقوض طموح أحزاب تستهدف تغيير قوانين إجراء الانتخابات التشريعية.

وأكد أمين عام حزب المحافظين (معارض) طلعت خليل، وهو أيضا أحد أعضاء لجان الحوار الوطني، أن البرلمان له الحق في مناقشة القوانين المختلفة والوضع كذلك للحوار الوطني الذي يناقش تفاصيل عمل الأحزاب السياسية، وأن الفترة الحالية تشهد ضغوطا تمارسها بعض الأحزاب لعدم إرجاء انطلاقه أكثر من ذلك.

وأبدى في تصريح لـ”العرب” موافقته على عودة تمويل الأحزاب مشترطا أن يكون ذلك للكيانات التي لها مقرات وهياكل مستقرة وضمان صرفها في الأغراض السياسية بما يجعل هدف التمويل الرئيسي مساعدة الحزب على ممارسة أنشطته بلا مساس بحرية عمل الأحزاب أو التدخل في عملها.

وتضغط أحزاب مصرية لعودة التمويل الحكومي مع عزوف المواطنين عن الانضمام إليها وتحولها إلى كيانات فارغة تفتقر لخطط العمل والارتباط الحقيقي بالشارع، في حين أن الحقب الزمنية التي قدمت فيها الحكومة الدعم لم تُفرز تجارب سياسية حقيقية، وإن كان هناك قدر من استقلال لأحزاب المعارضة ستكون أكثر تبعية للحكومة أسوة بالعلاقة التي كانت سائدة بين أحزاب المعارضة ونظام الرئيس الأسبق حسني مبارك.

حسن سلامة: التعديلات تمهد لتحويل الأحزاب إلى جمعيات أهلية
حسن سلامة: التعديلات تمهد لتحويل الأحزاب إلى جمعيات أهلية

وتتيح التعديلات المقترحة استمرار الأحزاب في ممارسة نشاطها ولو تراجعت أعداد عضويتها عن تلك التي تشترطها لجنة شؤون الأحزاب للتأسيس وتتمثل في وجود ثلاثة آلاف عضو من توزيع جغرافي يضمن وجود ثلاثمئة عضو على الأقل من عشر محافظات، واستحداث قوانين في لوائح الأحزاب تسهل إجراءات الاندماج.

وقال أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية حسن سلامة إن التعديلات تتضمن جوانب سلبية وتمهد لتتحول الأحزاب إلى جمعيات أهلية، بإتاحتها استقبال الأحزاب للتبرعات من الشخصيات الاعتبارية، ما يُعيد تكرار تجارب خضعت فيها أحزاب لسيطرة رجال الأعمال وتحولت إلى مؤسسات رأسمالية اعتمادها الأساسي على الموارد المالية.

ويسمح القانون المصري للأشخاص الاعتبارية بتمويل الأحزاب دون وضع سقف لاستقبال التبرعات، ويرى أن لديها مصالح مشروعة من الأفضل أن تدافع عنها من خلال الأحزاب بدلا من أن يصبح التعبير عنها عبر الرشاوى للمسؤولين التنفيذيين أو التشريعيين، وأن التعديل في جوهره يستهدف مواجهة للفساد ودعما للشفافية في المجال العام، كما أنه يقوي قاعدة الأحزاب السياسية وتمثيلها للمصالح.

وذكر سلامة في تصريح لـ”العرب” أن فتح المجال أمام استقبال التمويلات يخدم شخصيات وأحزابا على حساب أخرى، وقد تظلم أحزاب تملك كفاءات لكنها لا تحصل على تمويل يساعدها على الانتشار، وهو تعديل لا ينفصل عن الأوضاع الاقتصادية التي ترتبت على تراجع قدرة الأحزاب على تدبير أموالها، مشددا على أهمية دعم الدولة المرحلي لإتاحة الفرصة أمام الأحزاب الصغيرة للتعبير عن نفسها.

ومن المهم إعادة هيكلة البناء الحزبي، لأنه يصعب تقديم الدعم لأحزاب لها توجهات متشابهة، وفي ظل وجود أحزاب على أساس ديني بحاجة للنظر في أوضاعها والعودة للحديث عن وجود تكتلات واندماجات قبل فتح باب التبرعات والعودة للتمويل.

 

• اقرأ أيضا:

           الحكومة المصرية تستسلم لتمرد الشارع ضد خفض الإنجاب وتقر حوافز

2