تسليم الخرطوم المطلوبين للمحكمة الجنائية قرار "ثوري" لا يخلو من حسابات سياسية

الخرطوم - أعلنت الحكومة السودانية، الثلاثاء، التزامها وموافقتها على تسليم أشخاص صدرت بحقهم أوامر اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، بتهمة ارتكابهم “جرائم حرب” في إقليم دارفور غربي البلاد.
ويتصدر الرئيس المعزول عمر البشير قائمة المطلوبين لدى المحكمة الجنائية ومقرها لاهاي. ويوجد البشير حاليا في سجن كوبر حيث يواجه اتهامات عدة بينها الفساد وإصدار أوامر بقتل متظاهرين في الحراك الاحتجاجي الذي أطاح به، وفي حال تم تسليمه وباقي المطلوبين للجنائية الدولية فإنها ستكون سابقة من نوعها لبلد عربي.
وقال المتحدث باسم وفد التفاوض للحكومة السودانية محمد الحسن التعايشي، عقب جلسة مباحثات مع حركات مسلحة في دارفور، في إطار “مسار دارفور” الذي يجري بحثه في عاصمة جنوب السودان جوبا إن “قناعة الحكومة التي جعلتها توافق على مثول الذين صدرت بحقهم أوامر قبض أمام المحكمة الجنائية الدولية، ناتجة عن مبدأ أساسي مرتبط بالعدالة وعدم الإفلات من العقاب، ولا نستطيع مداواة الحرب وآثارها المدمرة إلا إذا حققنا العدالة”.
وأضاف التعايشي “التزمنا واتفقنا خلال الجلسة على مثول الذين صدرت بحقهم أوامر قبض أمام المحكمة الجنائية الدولية، ثم اتفقنا على المحكمة الخاصة بجرائم دارفور، وهي محكمة منوط بها التحقيق وإجراء المحاكمات في القضايا بما في ذلك القضايا الجنائية الدولية”، دون تفاصيل أكثر حول فحوى الاتفاق.
وتسليم البشير وباقي المطلوبين إلى المحكمة الدولية هو مطلب شعبي رفعه المتضررون من الصراع الذي أودى بحياة الآلاف وشرد الملايين. وهناك شعور عام بوجود أطراف في السلطة رافضة للأمر خاصة المنتمين للشق العسكري.
ولا يعرف بعد ما إذا كان إعلان الحكومة موافقتها على تسليم المطلوبين للجنائية الدولية تم بالتنسيق مع مجلس السيادة الذي يقوده الفريق أول عبدالفتاح البرهان أم أنها خطوة انفرادية، خاصة وأن العلاقة بين الجسمين المدني (تمثله الحكومة) والعسكري في السلطة الانتقالية تشهد اهتزازات في الفترة الأخيرة، في إطار حرب الصلاحيات التي بدأت تطفو على السطح.
وقال المتحدث باسم وفد التفاوض للحكومة “لا نستطيع أن نحقق العدالة إلا إذا أشفينا الجراح بالعدالة نفسها، ولا نستطيع أن نهرب مطلقا من مواجهة أن هناك جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ارتكبت بحق أبرياء في دارفور ومناطق أخرى، دون مثول هؤلاء الذين صدرت بحقهم أوامر قبض أمام المحكمة الجنائية الدولية”.
ومضى قائلا “نريد تحقيق السلام الشامل في السودان ونريد معالجة جذور الحرب فيه، ولكن لا بد أن ننتبه إلى أن إفرازات الحرب الطويلة في دارفور وفي مناطق أخرى من السودان، خلّفت ضحايا تحت طائلة كل التجاوزات الإنسانية، ومهما اجتهدنا لمعالجة جذور الأزمة في السودان لعدم تكرار نفسها، لا نستطيع أن ننتقل إلى الأمام دون تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا”.
ويتناقض هذا الموقف المستجد مع مواقف سابقة لرئيس الوزراء عبدالله حمدوك الذي سبق وقال في سبتمبر الماضي إن “القضاء هو مَن سَيحسم تَسليم البشير إلى الجنائية الدولية من عدمه”، وحاول حمدوك خلال زيارة أداها إلى دارفور في نوفمبر الماضي تجنب إعطاء موقف حاسم حيال المسألة أمام ضغط الحضور الذي كان في جله من النازحين.
ويعزو البعض هذا التغير في الموقف إلى أن حمدوك يسعى للإمساك بزمام الأمور، بعد أن بدا الحلقة الأضعف في معادلة السلطة الانتقالية، ويدرك رئيس الوزراء الذي يقود قاطرة المدنيين في السلطة أن الاختبار الأهم هو ملف السلام وهذا يحتاج منه لقرارات “ثورية” يعيد من خلالها شد العصب إليه مجددا بعد أن بدا ضعيفا أمام سلطة الشق العسكري.
ويشهد إقليم دارفور منذ 2003 نزاعا مسلحا بين القوات الحكومية وحركات متمردة، أودى بحياة حوالي 300 ألف شخص، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين.
وأصدرت المحكمة الجنائية أمرين باعتقال البشير، عامي 2009 و2010، بتهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية بدارفور، فيما ينفي الرئيس المعزول صحة الاتهامات، ويتهم المحكمة بأنها مُسيسة.
وتتهم المحكمة الجنائية أيضا، وزير الدفاع السوداني الأسبق عبدالرحيم محمد حسين، ووالي جنوب كردفان الأسبق أحمد هارون، والزعيم القبلي، قائد إحدى الميليشيات في دارفور علي كوشيب، بارتكاب جرائم حرب.