تسريب الامتحانات وتسرب الأمل.. مصر تغرق بسياسات تعليمية عاجزة

القاهرة - تحول كفاح مصر للغش في امتحانات الثانوية العامة إلى إجراءات تصحيحية، يقول كثيرون إنها انتصار هزيل لمسربي الامتحانات في معركة “لي الذراع” الطويلة مع الحكومة.
وبعد أن ألغت أحدها لتسريبه قبل دخول الطلاب فصول الامتحان، أقرت الحكومة تعديلات جوهرية على نظام القبول في الجامعات، في خطوة من المتوقع أن تصطدم بعراقيل البيروقراطية وغياب الإرادة السياسية لخلق نقلة في نظام التعليم المتهالك.
ووضع “شاومينغ”، وهو اسم مستعار لجأ إليه مسربو الامتحانات على فيسبوك، شروطا أمام الحكومة لوقف وضع إجابات الامتحانات على صفحة تحمل اسم المجموعة.
وانصاع مجلس الوزراء المصري على الفور لمطالب المسربين، إذ أقر تعديل نظام امتحانات الثانوية العامة، من حيث طريقة الأسئلة والإجابات، مع إلغاء نظام “التنسيق” عند التقدم لدخول الجامعات.
و”التنسيق” هو نظام يعتمد على إجمالي درجات الطالب في السنة النهائية من مرحلة الثانوية العامة، لتوزيعه على الكليات والجامعات، كما يقر نظاما خاصا يعتمد على الموقع الجغرافي، الذي يجبر الطالب على الالتحاق بالجامعة الأقرب إليه.
كما أقرت الحكومة المصرية نظاما جديدا يمكن الطالب من خوض اختبار قدرات يؤهله للكلية التي يأمل الالتحاق بها. ويعني هذا أن مجموع درجاته في الثانوية العامة لن يكون العامل الوحيد الذي سيحدد أي الجامعات سيلتحق بها.
ورغم ذلك مازال الكثيرون يعتقدون أن الحكومة غير جادة في تطوير منظومة التعليم، إذ توجه كامل طاقتها لتنفيذ مشاريع قومية تهدف إلى رفع كفاءة الاقتصاد كأولوية قصوى.
|
ويقول محب الرافعي، وزير التربية والتعليم السابق، إن “إصلاح المنظومة برمتها يحتاج إلى جرأة في اقتحام المشكلات، وإرادة حقيقية لوضع خطة واحدة لا تتغير بتغير المسؤولين، ويكون هناك إطار زمني محدد للارتقاء بأداء الإدارة المدرسية وتطوير المناهج، وتغيير الكتاب المدرسي، ونظم الامتحانات والتقويم، وتوفير فرص التنمية المهنية المستديمة للمعلمين”.
وأضاف لـ”العرب” أنه “لا إصلاح للتعليم دون قيم تربية النشء، وهذه غائبة في أكثرية المدارس، لذلك ينتشر العنف وتضيع قيمة التعليم بين الطلاب والمعلمين، وتهدر كرامة المدرسة”.
وكان الرافعي على رأس وزارة التعليم عندما تم تسريب امتحانات الثانوية العامة أيضا قبل عامين.
ويقول خبراء إن تكرار تسريب الامتحانات خلال إدارة 7 وزراء متعاقبين منذ عام 2011 يعكس أن التغيير لم يطل العقلية التي تدير ملف التعليم في مصر.
ولا تتعدى مخصصات التعليم في الموازنة المصرية 4 بالمئة فقط من إجمالي الإنفاق. وتخصص نحو 72 بالمئة من ميزانية وزارة التربية والتعليم لسداد أجور الموظفين والمعلمين.
وتسبب عجز الميزانية المزمن في تراجع غير مسبوق في جودة الخدمات التي يتلقاها الطالب في المدرسة.
ويقول الرافعي “يبدأ الإصلاح عادة من تحسين جودة الحياة المدرسية بمراحل التعليم المختلفة، ودعم وتطوير الأنشطة التربوية، بحيث تمثل 30 بالمئة من المنهج الدراسي من الناحية الواقعية، وتنمية وتطوير آليات المشاركة المجتمعية كمرحلة أولى”.
وأكد لـ”العرب” أن المرحلة الثانية “يجب أن تستهدف دعم مدارس الدمج لذوي الإعاقة، والفائقين والموهوبين، وتطوير منظومة التعليم الفني بربطها باحتياجات سوق العمل، في جميع مراحلها، وإدخال المستثمرين والصنّاع طرفا في المعادلة، مع توسيع دائرة الاستثمار التعليمي والتشارك مع المجتمع المدني لدعم الأبنية والمنشآت التعليمية”.
وبمناسبة مرور عامين على توليه الحكم، قال الرئيس عبدالفتاح السيسي في الأول من يونيو الجاري إن “مصر تحتاج إلى 15 عامًا لتطوير منظومة التعليم”.
وتحتل مصر المركز قبل الأخير في التصنيف العالمي لجودة التعليم. واعترفت وزارة التربية والتعليم مؤخرا بأن نحو مليوني طالب وطالبة في مرحلة التعليم الأساسي يجهلون القراءة والكتابة.
|
كما أكدت وجود خريجين من مدارس التعليم الفني يعانون الأزمة ذاتها، واعتماد الكتب الدراسية على الحفظ والتلقين وغياب ثقافة الفكر والإبداع.
ويقول خبراء إن بعض المناهج الدراسية في مصر تعود إلى 50 عامًا، كما يتم تجاهل تدريب المعلمين بالشكل الأمثل، وتغيب الأنشطة التربوية في المدارس، وأي خطط لرعاية الموهوبين والمبتكرين، ويستمر الاعتماد على النظام الورقي وتجاهل التكنولوجيا في غالبية المدارس الحكومية.
ولا تتعدى المدارس التي حصلت على الجودة في مصر ألفي مدرسة، من إجمالي 52 ألف مدرسة. وحصل أيضا على شهادة الجودة 200 معهد تابع للجامع الأزهر فقط من إجمالي 18 ألف معهد.
وقبل ثمانية أعوام، أنشأت مصر “هيئة ضمان جودة التعليم”، لكنها على ما يبدو لم تحقق فرقا يذكر في رفع كفاءة العملية التعليمية. ويعتقد الكثيرون في مصر أن أحد أسباب ذلك يعود إلى غياب الرقابة الفعلية، وعدم ربط رواتب مديري المدارس والمعاهد بجودة الخدمات التعليمية التي يعكفون على تقديمها.
وفي فبراير الماضي، أعلن مسؤولون مصريون عن اتفاقات لتطبيق نظام التعليم الياباني في مصر، خلال زيارة السيسي إلى طوكيو.
لكن هذه الخطوة قد تكون بعيدة المنال في بلد تعاني فيه المدارس من كثافة مرتفعة للغاية، ولا تشكل التكنولوجيا أولوية.
ويعتقد خبراء كثر أن أزمة التعليم في مصر هي أزمة سياسات. ويقول الخبير التعليمي والتربوي طارق نور الدين إن إنشاء مجلس قومي مستقل للتعليم، يتمتع باستقلالية قراراته وسياساته بعيدا عن وزارات الحكومة، من شأنه ضبط المنظومة برمتها إذ ستكون مهمته تحديد المشكلات واتخاذ القرارات إلى حين الانتهاء من معايير التطوير المنشودة.
وأكد لـ”العرب” أن “سياسة الحكومة المتوقعة في التعليم قد لا تخرج عن نطاق تطوير الامتحانات وتغيير نظام القبول بالجامعات”.
وقال الرافعي “التطوير يتطلب إجراءات فعلية وفورية لتغيير المضمون، ومع ذلك الحكومة معنية فقط الآن باسترضاء الناس، لذلك مطلوب قبل تغيير المنظومة، أن تتغير العقليات التي تديرها”.