تساؤلات في تونس عن مصداقية نشاط شركات سبر الآراء وتطابقها مع الواقع

انتقادات متواصلة لحقيقة الأرقام واتهامات بخدمة توجهات الأحزاب ومصالحها.
الأحد 2022/05/01
تعبير عن إرادة الشارع أو توجيه له

شركات سبر الآراء تثير الجدل في تونس منذ انتخابات 2011، والكلّ يتهمها بأنها تخدم خصومه. فهل تحوّلت شركات استطلاعات الرأي إلى طرف في اللعبة السياسية وأداة للرفع من شعبية هذا والحط من شعبية ذاك.. تساؤلات يمكن أن تقود إلى معرفة الحقيقة في بلد تتداخل فيه القضايا والملفات والمواقف بشكل يجعل من الصعب تفكيكها.

تونس - طرح نشاط شركات سبر الآراء بعد ثورة يناير 2011 العديد من التساؤلات لدى الخبراء والمراقبين للشأن السياسي في تونس، وتتعلّق أساسا بمصداقية الأرقام المقدّمة، وسط اتهامات وانتقادات موجهة إلى هذه الشركات وفق المصالح السياسية لبعض الأحزاب والشخصيات.

وباتت نتائج الاستطلاعات التي تجريها وكالات سبر الآراء تحظى بثقة شريحة واسعة من التونسيين بسبب مصداقيتها وقربها من النتائج الانتخابية النهائية، على الرغم من تحذيرات الأحزاب والسياسيين منها، لكن أصبح من السهل أن يسارع من تتراجع شعبيتهم لانتقاد النشاط والتشكيك فيه، بعد المقارنات بين الشعبية الحزبية في الشارع السياسي وحقيقة تلك الأرقام.

ويتزايد منسوب ثقة التونسيين في وكالات استطلاع الرأي من محطة انتخابية إلى أخرى بعد 2011، وكان هامش الخطأ ضئيلاً بين النتائج التي تقدمها هذه المؤسسات منذ إغلاق صناديق الاقتراع، والنتائج الأولية التي تصدر عن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بعد مقارنة الحساب الآلي مع الحساب اليدوي.

شيراز الشابي: الحيادية غير موجودة، والحقيقة تملكها صناديق الاقتراع

ويوجد في تونس أكثر من 25 وكالة سبر آراء؛ منها مؤسسات تونسية خاصة وأخرى تتبع معاهد ومنظمات أجنبية تعمل باستمرار على دراسة الواقع السياسي والاجتماعي التونسي، عبر متابعة متواصلة ودقيقة لآراء التونسيين، من خلال استطلاعات رأي دورية تكاد تكون أسبوعية.

وأثبتت انتخابات المجلس الوطني التأسيسي خلال عام 2011، والانتخابات التشريعية والرئاسية في عام 2014، والانتخابات البلدية في 2018، وحتى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المبكرة، في الخامس عشر من سبتمبر 2019، مصداقية لافتة لهذه المؤسسات والوكالات.

وأظهرت نتائج سبر آراء نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية والرئاسية لمؤسسة “سيغما كونساي” الصادرة الأربعاء تواصل تقدم الحزب الدستوري الحر في نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية وعودته لتعميق الفارق عن ملاحقه المباشر حزب قيس سعيد الافتراضي ليبلغ 7 نقاط كاملة وخسارة الرئيس التونسي أربع نقاط في نوايا التصويت في الرئاسية رغم مواصلة تحليقه بعيدا عن بقية المنافسين في هذا السباق.

وأكدت النتائج التي نشرتها جريدة “المغرب” المحلية، أن الحزب الدستوري الحر عزز موقعه في صدارة نوايا التصويت للانتخابات التشريعية بحصوله على 33.1 في المئة ليحقق بذلك تقدما بـ3 نقاط كاملة مقارنة بنتائج الشهر الماضي ويعمق الفارق عن ملاحقه المباشر “حزب قيس سعيد “غير الموجود قانونيا والذي خسر 3 نقاط وتراجع إلى ما نسبته 26.2 في المئة.

كما أظهرت النتائج تراجعا طفيفا في نوايا التصويت لحركة النهضة التي ظلت في المرتبة الثالثة بحصولها على 9.7 في المئة تليها حركة الشعب في المرتبة الرابعة بـ6.2 في المئة فالتيار الديمقراطي في المرتبة الخامسة بـ4.6 في المئة.

وبخصوص نوايا التصويت للانتخابات الرئاسية فقد أبرزت النتائج حفاظ الرئيس قيس سعيد على المرتبة الأولى بنسبة 84.2 في المئة رغم خسارته 4 نقاط مقارنة بنتائج الشهر الماضي.

واحتلت عبير موسي المرتبة الثانية بـ5.2 في المئة من نوايا التصويت مسجلة بذلك تحسنا طفيفا مقارنة بنتائج الشهر الماضي يليها الصافي سعيد في المرتبة الثانية بـ1.7 في المئة فنبيل القروي رئيس حزب قلب تونس بـ1.6 في المئة فالمنصف المرزوقي الرئيس المؤقت السابق بـ1.3 في المئة.

من جهة أخرى اعتبر 56 في المئة من التونسيين أن تونس تسير في الطريق الخطأ، وفق آخر نتائج سبر آراء أجرته مؤسسة “سيغما كونساي” في الفترة ما بين الخامس عشر والثامن عشر من أبريل الماضي. وعبّر 61.3 في المئة من التونسيين المستجوبين عن عدم رضاهم عن الطريقة التي تسير بها الأمور.

ووفق هذا البارومتر السياسي لشهر أبريل، فإن أهم أولويات التونسيين تحسين المقدرة الشرائية والحد من الفقر ومكافحة البطالة، وذلك بنسبة 51 في المئة.

منسوب ثقة التونسيين في وكالات استطلاع الرأي يتزايد من محطة انتخابية إلى أخرى بعد 2011
منسوب ثقة التونسيين في وكالات استطلاع الرأي يتزايد من محطة انتخابية إلى أخرى بعد 2011

ودعا مراقبون إلى ضرورة إعطاء ذلك النشاط بعدا تشريعيا جديدا عبر سنّ قانون ينظّم العينات المعتمدة في سبر الآراء، معتبرة أن تلك الشركات ليست في مأمن من الأطماع السياسية الساعية إلى توظيفها واستغلالها بما يتماشى ومصالحها وأجنداتها.

وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي أن “هناك مطالب منذ 2011 من المنظمات ونشطاء المجتمع المدني تنادي بضرورة سنّ قانون يحدّد العيّنة المعتمدة في سبر الآراء، مثلما ما هو موجود في الدول الديمقراطية على غرار فرنسا، تجنّبا للفوارق الكبيرة بين الشركات”.

وقال لـ”العرب”، “مع الأسف لم يتم سنّ هذا القانون، وكل الأحزاب التي لا ترضيها نتائج سبر الآراء، تحتج على نشاط الشركات (هناك نتائج مدفوعة الأجر)، وهناك أرقام ودراسات لا تنشر”.

وتابع الرابحي “شركات سبر الآراء أصبحت لعبة من الألعاب السياسية وتوجّه الرأي العام بطريقة أو بأخرى، لكن هذا لا ينفي أن البعض يعمل بكل جدية”، لافتا إلى أنه “في 2017، لم يظهر الرئيس قيس سعيّد ولا رئيس حزب قلب تونس، لكن هناك دراسات بيّنت أن الرجلين سيظهران في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية 2019”.

وأكّد أن “غياب القانون يفتح الباب للتأويل، حيث تشكّك اليوم، عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر في نتائج سبر الآراء وتعتبر أنها تتصدر الأرقام حسب الانتظارات في الشارع السياسي”، موضّحا أن “هناك ما بين 65 في المئة من المستجوبين يصرّحون من سينتخبون في الانتخابات الرئاسية، لكن في التشريعية هناك قرابة 30 في المئة من يكشفون عن آرائهم لأن الاختيار أصعب ويحتاج إلى وقت معيّن”.

وأشار إلى أنه “يوجد توظيف سياسي للرأي العام، لكن الناخب التونسي يعاقب هذه الشركات، ورأينا كيف عاقب منظومة الأحزاب السابقة وكلّ من طبّع مع ممارسات الفساد، واختار شخصيات من خارج المنظومة الحزبية”.

واستطرد الرابحي “هناك شركات فقدت المصداقية، وعقابها يكون بنتائج صندوق الاقتراع”.

ولئن ثمّنت أطراف سياسية نشاط تلك الشركات وجدّيتها في تقديم أرقام قريبة من نتائج صناديق الاقتراع، فإنها عبّرت عن قلقها بشأن حقيقة بعض الأرقام المقدمة والتي اعتبرتها مجانبة للصواب وبعيدة كل البعد عن حقائق المشهد السياسي.

نبيل الرابحي: يجب سنّ قانون يحدّد العيّنة المعتمدة في سبر الآراء

وأفادت شيراز الشابي الناشطة السياسية والنائبة السابقة بالبرلمان التونسي أن “نتائج شركات سبر الآراء بصفة عامة لم تكن بعيدة عن الواقع الانتخابي، لكن المشكلة أن الأسئلة المطروحة أحيانا تكون موجّهة”.

وقالت لـ”العرب”، “عند صعود حركة نداء تونس إلى السلطة في 2014، انتقدت حركة النهضة شركات سبر الآراء، وكرّرت ذلك في 2019، ويبقى هناك نوع من التوجيه أحيانا”، لافتة “لا أحد يقبل النقد، وهناك من يعتبر نفسه فوق النقد، لكن السياسي عليه أن يقوم بما يجب القيام به وما ينفع عامة الشعب”.

وتابعت الشابي “بعد قرارات الخامس والعشرين من يوليو تغيّر المشهد، وبمجرّد خروج حركة النهضة من الحكم وحلّ البرلمان، انقلبت المعادلة بالنسبة إلى رئيسة الدستوري الحر عبير موسي”، مؤكّدة أن “الحيادية المطلقة غير موجودة، وهذه الشركات تحاول الحفاظ على مصداقيتها والحقيقة لا تملكها إلا صناديق الاقتراع، لكن هناك أرقام تثير العديد من التساؤلات”.

ومثّل غياب الإرادة السياسية عائقاً أمام تنظيم عمل وكالات سبر الآراء، حيث بقيت مقترحات ومشاريع قوانين في رفوف البرلمان، من دون أن يتم النظر فيها أو عرضها على المصادقة.

وفي مايو 2016 اقترحت مجموعة من نواب “الكتلة الديمقراطية”، و”حركة الشعب”، و”الجبهة الشعبية”، قانوناً أساسياً يتعلق بتنظيم سبر الآراء في تونس، ولكن بقي المقترح من دون جدوى، نظراً إلى عدم امتلاك نواب المعارضة أغلبية لتمريره في البرلمان، كما قدّم نواب “كتلة الحرة” لحركة “مشروع تونس”، في فبراير2017 مقترح قانون آخر يتعلّق بتنظيم سبر الآراء والاستطلاعات.

بدورها قدمت الغرفة الوطنية لمكاتب استطلاع الرأي مسودة مشروع قانون ينظم عمل مؤسسات سبر الآراء، إلى الحكومة التونسية، منذ بداية عام 2019، ولم يتم النظر فيه.

ويقتصر دور الهيئة العليا المستقلة للانتخابات السابقة، على التنديد أو التنبيه الأدبي على أصحاب مؤسسات سبر الآراء، نظراً لعدم وجود قانون ينظم عملها.

وفي وقت سابق، قال رئيس الهيئة نبيل بفون، في تصريح صحافي، إنّه “لا يوجد قانون يسمح لهيئة الانتخابات بالتدخل في عمل هذه المؤسسات، ويقتصر دورها في تطبيق الفصل 70 من القانون الانتخابي الذي ينص على أنّه يمنع خلال الحملة الانتخابية أو حملة الاستفتاء وخلال فترة الصمت الانتخابي، بث ونشر نتائج سبر الآراء التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالانتخابات والاستفتاء والدراسات والتعاليق الصحافيّة المتعلقة بها عبر مختلف وسائل الإعلام”.

7