تزوير الرقم الوطني ملف شائك يؤرق السلطات الليبية ويؤثّر في الانتخابات

يتزايد الكشف عن حالات تزوير الرقم الوطني في ليبيا بشكل جماعي، لتتحول إلى ملف خطير يؤثر في البلاد اقتصاديا وسياسيا، بدءا من الخسائر الجسيمة بسبب الوظائف الوهمية وصولا إلى توطين أجانب، والأخطر تأثير هذا الملف في الانتخابات والتشكيك في نزاهتها.
عاد ملف الرقم الوطني ليستأثر بجدل واسع في الأوساط الليبية بالتزامن مع الكشف عن عمليات تزوير جديدة يشترك في تنفيذها موظفون محليون ووافدون من الخارج، إذ يرتبط هذا الملف بالانتخابات التي ينتظرها الليبيون منذ سنوات ويخشون تعرّض نزاهتها ومصداقيتها للخطر بسبب عمليات التزوير.
وتم الكشف عن حادثة تزوير جديدة شملت عشرات الأشخاص الأسبوع الماضي، وهي من بين حوادث كثيرة مؤخرا، أعادت بقوة الحديث عن قضية تزوير الوثائق الرسمية في بلاد لا تزال خاضعة لحالة الانقسام السياسي، وتجد فيها شبكات الفساد مجالا واسعا لاختراق مؤسسات الدولة في مختلف المناطق.
وأفاد بيان صادر عن مكتب النائب العام بأن “اثني عشر وافدا مصريا علموا أن مواطنا ليبيا توفي ولم يبق من عائلته أحد على قيد الحياة، فتآمر الجناة مع موظف خدمات مكتب السجل المدني بطبرق (شرق) على تزوير بيانات عائلته، فسجّلوا بيانات جديدة تفيد بأن له زوجة وتسعة أولاد، ثم زوّروا بيانات زواج ثمانية أولاد منهم، وحرّروا لهم أوراقا ثبوتية مكّنت أربعين شخصا (تم إدراج أسمائهم) من الحصول على أرقام وطنية استعملوها في التوظيف والحصول على رواتب ومنح أرباب الأسر واستخراج جوازات سفر ومزايا أخرى متولّدة عن المواطنة.”
ملف تزوير الرقم الوطني كاف للتشكيك في جدية أي مسار انتخابي قادم ونزاهته، مع تبادل الاتهامات بشأنه بين الفرقاء
وكانت النيابة العامة أمرت بحبس أمين مكتب إصدار السجل المدني في مدينة طبرق وثلاثة من موظفي قسم الاكتتاب في المكتب بسبب وقائع تزوير بيانات، وقالت في بيان إن المحامي العام لدى محكمة استئناف طبرق تلقى بلاغا انطوى على استدلال مأمور مباحث الأحوال المدنية حول وقائع تزوير بيانات الإقامة، والانتقال والاكتتاب لفائدة أربعة أجانب استعملوها في استحصال الحقوق المتولدة عن المواطنة.
وأشارت النيابة إلى أن “التحقيقات أثبتت أن الموظفين انصرفت إرادتهم إلى إدراج بيانات مخالفة للحقيقة على قاعدة معلومات المصلحة لغرض تحصيل غيرهم نفعا غير مشروع حيث أمر المحقق بحبسهم على ذمة التحقيق.”
والرقم الوطني هو رقم مرجعي ذو دلالة يستخدم للسماح بدخول قاعدة البيانات الخاصة بالمواطن داخل مؤسسات الدولة. تكمن أهميته في أنه وثيقة هامة للتعرف على هوية المواطن داخل مؤسسات الدولة، يتم استخراجه بمعرفة مصلحة الأحوال المدنية التابعة لوزارة الداخلية الليبية خلال مدة استخراج تتراوح بين 7 و14 يوم عمل بكلفة تبلغ 54 دولارا أو ما يعادلها بالعملة المحلية.
ويقول متابعون إن تزوير الرقم الوطني لفائدة مقيمين ووافدين أجانب ومهاجرين غير نظاميين بات من الملفات المهمة التي تؤرق السلطات الليبية، لاسيما أن هناك من يعتبره سببا كافيا للتشكيك في جدية أي مسار انتخابي قادم ونزاهته نظرا لإمكانية تبادل الاتهامات بين الفرقاء بخصوص المسؤولين عن عمليات التزوير.
تزوير الرقم الوطني لفائدة مقيمين ووافدين أجانب ومهاجرين غير نظاميين بات من الملفات المهمة التي تؤرق السلطات الليبية
وبيّن المحامي العام بمكتب النائب العام خليفة عاشور أن مكتب النائب العام اكتشف حالات تزوير للأرقام الوطنية في طبرق منذ عام 2017، من خلال تحقيقات في بعض القضايا الجنائية العادية. وأضاف الأربعاء الماضي أن التحقيقات المبدئية أثبتت وجود تكرار للأرقام الوطنية وعدم دقتها، وارتكاب جرائم تزوير، لافتا إلى أنهم أجروا مطابقة ومراجعة شاملة لهذا الموضوع الذي يتعلق بالسيادة والهوية الوطنية، حيث يجري التعاون مع مصلحة الأحوال المدنية في مشروع “الانطلاقة”، تحت الإشراف المباشر للنائب العام، وتم تشكيل مكاتب فرعية في كل عموم ليبيا، لمطابقة جميع الأوراق الثبوتية لكل الأرقام الوطنية، وبدأ العمل فيه بتاريخ 9 يوليو 2024.
وأوضح عاشور أن اللجنة كشفت عن نحو 36 ألف قيد ثبوتي ورقم وطني، تتضمن حالة اشتباه بالتزوير، وقامت بتصحيح أخطاء في عدد كبير من القيود الثبوتية، من أسماء وتواريخ ميلاد، بما وصل إلى أكثر من مليون و970 ألف قيد ثبوتي.
وسبق للنائب العام الليبي المستشار الصدّيق الصور الإعلان عن تشكيل لجان برئاسة 160 عضو نيابة على مستوى ليبيا لفحص منظومة السجل المدني بمصلحة الأحوال المدنية، لافتا إلى وجود شواهد تثبت وجود عمليات تزوير في المنظومة.
وأكد الصور أن “هناك شواهد وأدلة كثيرة تدل على وجود تزوير” في منظومة الرقم الوطني، مشيرا إلى الكشف عن تزوير في الرقم الوطني والمنظومات التي استقت بياناتها من الرقم الوطني، سواء ما تعلق بمنظومات وزارة المالية والضمان الاجتماعي والجوازات أو منظومات المصرف المركزي مثل منح أرباب الأسر وغيرها.
وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي حذر من أن منظمات غير حكومية تسعى إلى توطين المهاجرين غير النظاميين في ليبيا
كما لفت إلى “شطب عشرات الآلاف من الأرقام الوطنية، وهو ما جنب الدولة خسائر مالية كبيرة حيث كانت تصرف لهم أموالًا ورواتب ومنحا وجوازات سفر، وتسببت في الإخلال بالثقة في الجهات العامة والدولة.”
وينص القانون رقم 8 المتعلق بالرقم الوطني والصادر في 2014 على أنه “يحظر منح أرقام وطنية مؤقتة لأي سبب من الأسباب، وفي حالة وجود مواطنين من أصول ليبية ممن سبق قيدهم بالسجلات المدنية ولم تصدر لهم أرقام وطنية تتم معالجة أوضاعهم المالية والإدارية بمقتضى إجراءات تنظيمية يقرها مجلس الوزراء، يتسنى بموجبها صرف رواتبهم، وذلك إلى حين تسوية أوضاعهم بصورة نهائية، مع التقيد بعدم الازدواجية أو التكرار.”
وبحسب الإحصائيات الرسمية بلغ عدد الموظفين الحكوميين في ليبيا 2.5 مليون شخص حتى نهاية يونيو الماضي، ما يمثل 31 في المئة من إجمالي السكان، ويبلغ الحد الأدنى للأجور 900 دينار، بينما سجلت مخصصات الرواتب خلال العام الماضي 67.6 مليار دينار، ما يشكل 56 في المئة من إجمالي الإنفاق العام.
وبحسب القانون “تلزم كافة الوزارات والوحدات الإدارية بالحكومة والهيئات والمؤسسات والأجهزة المدنية والعسكرية والشركات العامة وما في حكمها باستخدام الرقم الوطني المخصص لكل مواطن ليبي في صرف جميع الرواتب والمكافآت وكافة الإجراءات الإدارية والمالية والاقتصادية المتعلقة بالدولة الليبية، وعلى جميع الجهات المذكورة وقف الراتب أو المكافأة أو الاستحقاق المالي لأي مواطن ليبي في حال عدم تقديمه للرقم الوطني المخصص له، أو في حال ثبوت ازدواجية أو تكرار في صرف الراتب أو المكافأة أو الاستحقاق المالي من أكثر من جهة بدون وجه حق.”
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية عماد الطرابلسي حذر من أن منظمات غير حكومية تسعى إلى توطين المهاجرين غير النظاميين في ليبيا.
وقال إن “بعض المنظمات غير الحكومية تسعى إلى أن تكون ليبيا بلدا ثالثا، بمعنى بعدما يقصد المهاجر أوروبا ولا يستطيع الوصول إليها، يجري توطينه في ليبيا وتتحمل بلادنا المصاريف والتكاليف الاجتماعية والسياسية.”
وأردف أن معظم حالات التزوير الواقعة في ملف الرقم الوطني تعود إلى أشخاص يحملون جنسيات أفريقية وشرق آسيوية، معتبر أن “هذا الملف شائك جدا.”