تزايد الضغوط الداخلية في مصر لوقف استقبال اللاجئين

لا تخفي شريحة واسعة من المصريين تذمرها حيال تزايد أعداد اللاجئين في بلادهم، في المقابل لا تبدو الحكومة في وارد تغيير سياساتها في التعاطي مع الملف بالنظر إلى التزامات دولية قطعتها، فضلا عن كونها ترى بأن استقبال المزيد منهم لا يشكل معضلة فعلية بالنسبة إليها.
القاهرة - أثارت أوضاع اللاجئين جدلا مجتمعيا وسياسيا وأمنيا واسعا في مصر الفترة الماضية، مع استمرار توافد أعداد جديدة لاسيما من السودان، وسط أوضاع اقتصادية صعبة تعاني منها شريحة كبيرة من المصريين بسبب ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وهو ما تحاول الحكومة التعامل معه بقدر من المرونة، إذ ترسل إشارات طمأنة للمواطنين بأن الوضع تحت السيطرة دون أن تخل بالتزاماتها الدولية تجاه التعامل مع توافد اللاجئين.
وأطلقت الحكومة أخيرا حملة بعنوان “سارع بتصحيح أوضاعك بمصر” لتشجيع الأجانب المقيمين في البلاد، خاصة الفئات المُعفاة من سداد رسوم الإقامة، بالتوجه للإدارة العامة للجوازات والهجرة والجنسية لتسجيل بياناتهم والحصول على بطاقة الإقامة الذكية لضمان استمرارية استفادتهم من الخدمات المقدمة إليهم بكافة القطاعات الحكومية، ومنحتهم مهلة جديدة حتى نهاية يونيو المقبل.
وقال مصدر مطلع لـ”العرب” إن الأجهزة الأمنية شنت حملات مكثفة على المناطق التي يتواجد فيها عدد كبير من اللاجئين للتأكد من أوضاعهم القانونية وأقدمت على ترحيل بعض المخالفين، بهدف ضبط الحالة الأمنية في التكتلات السكانية التي تتواجد فيها جنسيات مختلفة بجانب المصريين، ولاحظت تزايد وتيرة المشكلات التي تنشب بين مواطنين ومقيمين ما دفع للتعامل بحسم مع أي خروج عن القانون.
وأوضح المصدر ذاته أن الدولة لم تغير رؤيتها تجاه التعامل مع اللاجئين، لكنها تريد تقنين أوضاعهم، بما يسهل مهمة التعامل مع أي جرائم قد ترتكب، وتريد أن تقوم الجهات المهتمة بحقوق اللاجئين وأوضاعهم بدورها تجاه من لم يقوموا بتوفيق أوضاعهم ودخلوا البلاد بشكل غير شرعي وبلا أوراق ثبوتية، وسط توقعات أن تستمر عملية النزوح لمصر من السودان مع عدم وجود أفق للحل السياسي.
ويشير مراقبون إلى أن مصر تواجه ضغوطًا داخلية لوقف استقبال اللاجئين، مع حالة التكدس التي أصابت العديد من المناطق الشعبية التي يتواجد فيها عدد كبير من الأجانب في ظل ضعف الخدمات المقدمة إلى المواطنين هناك وتأثر البعض من موجات الغلاء التي بدأت تؤرق فئات كان تحتمي بتلك المناطق للحصول على الغذاء والسكن بأسعار زهيدة، وهؤلاء يرون أن الحكومة تركتهم يكتوون بنيران الأسعار التي تضاعفت مع زيادة الطلب على جميع الخدمات والسلع من دون تدخل للتخفيف عن المواطنين.
ولدى هؤلاء قناعة بأن وصول عدد المهاجرين في مصر إلى ما يقرب من 10 مليون شخص أي بنسبة تصل إلى 10 في المئة من إجمالي عدد المصريين في الداخل، يحمل تأثيرات اقتصادية واجتماعية سلبية عدة، لأن شح السلع والاكتفاء بتوزيع كميات محددة على المواطنين يبرهن على وجود مشكلات لا تجد الحكومة حلولا للتعامل معها دون أن يتأثر المواطنون، كما أن التركيبة السكانية سوف تتغير مستقبلا، ولدى هؤلاء رؤية أن ذلك قد يسفر عن تمزق اجتماعي.
وقال الحقوقي المتخصص في شؤون اللاجئين أشرف ميلاد إن الحكومة المصرية تشدد إجراءاتها الأمنية حاليا لدفع اللاجئين على تقنين أوضاعهم وليس لترحيلهم، وهي تدرك أن من دخلوا بطرق غير شرعية يخشون من عودتهم مرة أخرى إلى بلادهم عبر طرق الترحيل الرسمية، وتضغط القاهرة باتجاه الحصول على أكبر قدر من المعلومات عن الجنسيات التي دخلت مصر خلال الأشهر الماضي.
وذكر ميلاد في تصريح لـ”العرب” أن الجهات الرسمية لا تولي اهتماماً بالانتقادات، فهي تدرك أن غالبية الخدمات الأساسية غير مدعمة فيما يدفع اللاجئون قيمة ما يتلقونه من تعليم وخدمات صحية، وقد يكون التأثير في جودة الخدمات المقدمة للمواطنين أو الضغط على البنية التحتية للكهرباء والمياه وغيرهما، لكن ذلك يصعب أن يكون سببَا في تغيير رؤية الدولة المصرية تجاه اللاجئين، ولا توجد معلومات لدفعهم نحو ترك البلاد، بل إن الواقع يشير إلى استقبال أعداد جديدة.
10
مليون شخص عدد المهاجرين في مصر أي بنسبة تصل إلى 10 في المئة من إجمالي عدد المصريين في الداخل
وأشار إلى أن التشديدات الأمنية تدفع بعض اللاجئين للتفكير في الهجرة إلى أوروبا، ما يساهم في نشاط حركة اللاجئين من مصر إلى ليبيا مع ضبط الحدود البحرية في مصر منذ العام 2016، وقد تحدث عودة طوعية لمن لا يتمكنون من التعايش مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة في مصر مع زيادة تكاليف غالبية الخدمات، ونسبة هؤلاء لن تكون كبيرة مقارنة بأكثر من 9 ملايين مهاجر يتواجدون حاليًا في مصر.
وأعلنت السفارة السودانية في مصر عن مشروع للعودة الطوعية للاجئين السودانيين يبدأ تنفيذه في أبريل الجاري، يشمل تقديم التسهيلات اللازمة لمن يرغب وذلك بالتنسيق مع منظومة الصناعات الدفاعية التابعة للجيش السوداني.
اقرأ أيضا:
وتزايدت وتيرة الرحلات التي تنطلق من مناطق متفرقة من القاهرة إلى أسوان في جنوب مصر، تميهداً للعودة إلى مناطق في شمال السودان لم تطلها الحرب، وواجه البعض من السودانيين مشكلات تتعلق بتوفير تكلفة رحلة العودة خاصة الأسر التي جاءت لمصر بأعداد كبيرة، ويجد هؤلاء صعوبة في تقنين أوضاعهم. وأصدر رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في أغسطس الماضي قراراً بإلزام الأجانب المقيمين في البلاد بصورة غير شرعية بتوفيق أوضاعهم وتقنين إقامتهم، شريطة وجود مستضيف مصري الجنسية، خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل بالقرار، مُقابل سداد مصروفات إدارية، بما يعادل ألف دولار، وطالبت وزارة الداخلية المصرية في يناير الماضي الأجانب المقيمين بصورة غير شرعية توفيق أوضاعهم.
وأشار رئيس مجلس أمناء المؤسسة المصرية لدعم اللاجئين (حقوقي) أحمد بدوي إلى أن مصر قد تضع مهلة جديدة لتقنين الأوضاع إذا لم تجد استجابة مع حلول يونيو المقبل، وفي كل الحالات لن تغير موقفها تجاه التعامل مع اللاجئين، وهناك قناعة بأن مصر تقدم وفقًا لإمكانياتها حداً معقولاً من الالتزامات الدولية بشأن توفير حقوق الفارين من الصراعات على أراضيها، ما يجعلها تلقى ترحيبا دوليا.
وأوضح بدوي في تصريح لـ”العرب” أن الدولة المصرية مطالبة بضبط مسألة الهجرة المباشرة من خلالها أو غير المباشرة عبر الأراضي الليبية بعد ميثاق الهجرة الأوروبي، لأنه سوف تترتب عليه إعادة المهاجرين إلى أماكن انطلاقهم الرئيسية وفي حال استمرت الحرب في السودان، فإن هؤلاء سيعودون إلى مصر.
وخففت مصر إجراءات منح الإقامة للأجانب على أراضيها، إذ أصدرت وزارة الداخلية في مايو الماضي قراراً تضمَّن تسهيلات على الإقامة المؤقتة للأجانب لغير السياحة، من بينها منح الإقامة لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد لمن يملك عقاراً أو أكثر لا تقل قيمته عن مائتي ألف دولار، أو إقامة لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد لمن يملك عقاراً تبلغ قيمته مئة ألف دولار، وكذا إمكانية حصول الأجانب في مصر على إقامة لمدة ثلاث سنوات، مقابل وديعة بنكية بقيمة ألف دولار.