تزايد الانتقادات للحكومة المصرية يمهد لإقالتها

القاهرة - تزايدت الانتقادات التي يتعرض لها رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي ومعه بعض وزراء المجموعة الاقتصادية في الأيام الماضية من جانب أعضاء في مجلس النواب وإعلاميين قريبين من النظام الحاكم بصورة لافتة للانتباه.
ولم يكن الخطاب العام الحاد مألوفا في مصر خلال الفترة الماضية، وهو ما جعل الحديث يتواتر حول إمكانية أن يكون ذلك مقدمة أو وسيلة تمهد الأجواء لإقالة رئيس الحكومة وتحميله مسؤولية جميع الأزمات المتراكمة التي أثارت غضبا في الشارع المصري.
ويفسر التحول الظاهر في الخطاب المعارض من خلال العلاقة الوطيدة بين القرارات التي تبنتها الحكومة وبين تداعياتها السلبية على شريحة كبيرة من المواطنين، واعتبار التحول وسيلة لامتصاص طاقة غضب بدأت تتزايد لدى مصريين.
دوائر سياسية صارت تتحدث عن انتهاء صلاحية حكومة مصطفى مدبولي بعد نحو خمس سنوات من توليها المسؤولية
واعترض أعضاء في البرلمان، من المؤيدين للحكومة والمعارضين لها، القرار الذي اتخذته الحكومة الأحد بشأن معايير منح المحلات التجارية تراخيص من الجهات التابعة لوزارة الحكم المحلي، واشترطت في أحد البنود الرئيسية الحصول على موافقة أمنية من مديرية الأمن التابع لها المحل أو مكان النشاط التجاري.
وأدى القرار إلى بروز تكهنات عديدة في الشارع، أبرزها الحديث عن توسع القبضة الأمنية وتحكمها في جميع الملفات البعيدة عن اختصاصها، ما أثار إزعاجا في صفوف الجهات التي وُجّه إليها القرار، لأنه يعني استغراق المزيد من الوقت والجهد، وربما المال.
ونفى المتحدث باسم اللجنة العليا لتراخيص المحال العامة محمد عطية الفيومي شرط الموافقة الأمنية الوارد في نص القرار المنشور بالجريدة الرسمية، في أحد البرامج التلفزيونية مساء الأحد، وهو ما رد عليه عضو البرلمان المصري فريدي البياضي بأن النص موجود وأبدى اعتراضه عليه بشكل واضح، ثم تحفظه على الطريقة الغريبة التي تم حشره بها في ثنايا قرار حكومي لا علاقة له بالأمن.
وشن الإعلامي إبراهيم عيسى هجوما نادرا على الحكومة في برنامجه “حديث القاهرة” على قناة “القاهرة والناس” قبل أيام، واتهمها بالتخبط والارتباك وعدم دراسة قراراتها قبل إصدارها وقلة الخبرة السياسية، وضرب العديد من الأمثلة على قرارات وإجراءات اضطرت الحكومة إلى التراجع عنها بعد أن سببت غضبا شعبيا.
وحمّل عيسى وزير المالية محمد معيط مسؤولية الغضب المتصاعد في أوساط المحامين والأطباء والمهندسين عقب قيامه بإصدار قرار “الفاتورة الإلكترونية” الذي تضمن فرض رسوم إضافية على العاملين في ما يسمى بـ”المهن الحرة” عموما، وطالبه بإلغاء القرار وليس تأجيل تطبيقه إلى أبريل المقبل.
ويبدو تزايد الانتقادات الموجهة إلى الجهاز الحكومي في مصر وسيلة لتهدئة غضب من تضرروا من القرارات العديدة التي أثارت لغطا والتنفيس عنهم، حيث كان البرلمان وغالبية وسائل الإعلام صامتين عن الكثير من الأخطاء التي وقعت في الفترة الماضية.
وتهدف هذه الطريقة إلى منع ارتفاع منسوب القلق في صفوف الناقمين ضمن فئات مختلفة ومحاولة احتواء المواطنين قبل خروج الموقف عن السيطرة، والإيحاء بأن الأخطاء التي حدثت بسبب القرارات الأخيرة تتحمل مسؤوليتها الحكومة وليس النظام الحاكم، وبالتالي يتلقى أعضاء الحكومة ورئيسها الصدمات نيابة عن رئيس الدولة.
ويقول مراقبون إن هذه الطريقة جاءت متأخرة زمنيا، حيث اعتاد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي التحدّث بوضوح إلى المواطنين في مؤتمراته العامة والتصدي لتفسير التحركات التي تقوم الحكومة بتنفيذها، ما جعله مسؤولا وحيدا أمام المواطنين.
وبدأ الرئيس السيسي يستشعر عواقب تصدره المشهد منفردا في مسألة تحمل المسؤولية بلا مشاركة من الجهاز الإداري في الدولة، وفي غياب الرقابة ومحاسبة البرلمان وتجاهل الإعلام للكثير من المشكلات وندرة أحاديث رئيس الحكومة والوزراء لم يعرف الناس عنوانا للشكوى سوى رئاسة الجمهورية.
وتسبب تغييب مؤسسات الدولة الأخرى، باستثناء مؤسسة الرئاسة، في وضع العبء كله على كاهل الرئيس، وعندما احتدّت الأزمات جرى تحميله مسؤوليتها وبات مطالبا وحده بالتصرف لتصحيح الأخطاء وتسوية الأوضاع.
وظهرت الانتقادات الموجهة إلى الحكومة كنوع من امتصاص الغضب المحتدم في الشارع، والتأكيد على أن النظام الحاكم لا يتستر على حكومة تبنت قرارات خاطئة واتخذت إجراءات لم تراع مصالح البسطاء، ومن الواجب محاسبتها من خلال الآليات السياسية والإعلامية الموجودة في الدولة.
الانتقادات الحادة لمدبولي ستقود في النهاية إلى إقالة حكومته وتحميلها ضمنيا مسؤولية أخطاء المرحلة الماضية، وإعفاء الرئيس السيسي سياسيا منها
ويضيف المراقبون أن الغرض من اتساع نطاق الانتقادات وتحولها إلى ما يشبه الاتهامات المباشرة للحكومة وأعضائها هو تحييد رئيس الدولة وإخراجه من معادلة الأزمة وما يكتنفها من تقديرات سياسية تستوجب محاسبة من تسببوا في وصولها إلى مستوى خطير.
وزادت التصريحات الإعلامية لرئيس الحكومة وبعض الوزراء على عكس ما كان سائدا ومعتادا في السنوات الماضية، والتي لم يكن فيها سوى الرئيس السيسي الذي يتحدث إلى الناس ويُعلمهم بتفاصيل ما يقوم به من مشروعات تنموية وأهميتها للدولة.
وتحدثت دوائر سياسية في القاهرة عن انتهاء صلاحية حكومة مدبولي بعد نحو خمس سنوات من توليه المسؤولية، حيث استنزف أغراضه الاقتصادية والسياسية، ومن الضروري البحث عن رئيس جديد ووزراء من التكنوقراط لإدارة الدفة في الفترة المقبلة.
وأشارت الدوائر نفسها لـ”العرب” إلى أن “الانتقادات الحادة لمدبولي ستقود في النهاية إلى إقالة حكومته وتحميلها ضمنيا مسؤولية أخطاء المرحلة الماضية، وإعفاء الرئيس السيسي سياسيا منها، وتصوير الأمر على أنه يبحث عن الكفاءات دائما لإزالة الرواسب السلبية التي خلفتها الحكومات السابقة”.
وتعد الحكومة في مصر جهة تنفيذية، ورئيس الجمهورية هو الجهة التي تخطط وتشرف على القرارات التي تسيّر دولاب الدولة، ورئيس الحكومة يتلقى أوامره منه.
وتزامنت الأزمة الاقتصادية الحادة مع الدعوة إلى إجراء حوار وطني شامل بين الحكومة والمعارضة، يهدف إلى تصحيح الأوضاع المختلة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا من خلال إيجاد قواسم مشتركة وتفاهمات بينهما والتوافق حول أجندة لتجاوز العقبات الراهنة.
وتفرض هذه الحالة قدرا كبيرا من فتح النوافذ والأبواب أمام أعضاء البرلمان والإعلام والأحزاب والقوى السياسية لاستنشاق هواء نقي كي لا يتحمل النظام الحاكم مسؤولية الأزمة وحصرها في سيطرته على الفضاء العام وتغييب الأصوات المعارضة له.