تركيا لا تغمر بـ"إنسانيتها" كل الحلفاء

"إللي يعوزه بيتك.. يحرم على الجامع"، حسم المثل المصري ترتيب الأولويات، فماذا إذا كان بديل الجامع كيان تتشدق بالهجوم عليه؟ حينها تنفضح قائمة أولوياتك، كما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وينكشف تمييزك لإسرائيل عن بيتك.. وحلفائك، الذين تستنجد بهم لإنقاذك من ورطة إدلب.
حتى الخميس الماضي، 23 أبريل، كانت شحنة مستلزمات طبية تعاقدت شركات في أنقرة على توريدها للهيئة الوطنية للخدمات الصحية البريطانية، معلقة، في تجربة ابتزاز/ تسويف هي الخامسة مع حلفاء الناتو الذي تستظل تركيا بحمايته.
الخميس، 16 أبريل، كان تنفيذ الصفقة السادسة لشركات أنقرة مع دول المنظومة الغربية لكن صاحبها جدل مختلف. هذه المرة ليس اتهامات بالسرقة والابتزاز كما المرة السابقة، بل “إنسانية” أردوغان تجاه إسرائيل وفق توصيف وكالة أنباء بلومبرغ الأميركية.
الخميس، 9 أبريل، كُشف عن شحنة “إنسانية” من المستلزمات الطبية التركية إلى إسرائيل لمساعدتها على مواجهة كورونا، بالتزامن مع تفشى الوباء في الأولى ليتجاوز معدله في الثانية بسبعة أضعاف الإصابات وبـ12 مثل الوفيات.
بعنوان “تركيا ترسل معدات مكافحة الفايروسات إلى إسرائيل في خطوة ‘إنسانية'”، نشرت بلومبرغ تقريرها عن تزويد أنقرة لتل أبيب بشحنة طبية، تشمل كمامات وقفازات معقمة وملابس واقية وأجهزة تنفس. وتحدثت الوكالة الأميركية عن “عرض تضامن تركي”.
وعلى الهامش، نشطت الاستثمارات الصينية في أنقرة مبكرا للاستفادة من اتفاقات تمكنها من الوصول بسهولة للأسواق الأوروبية، خاصة في صناعة المستلزمات الطبية، ما منح حكومة أردوغان فرصة ذهبية وسط تفشي الوباء، لتصبح ثاني مصدر لها بعد بكين.
وضعية تركيا لا تقارن بنظيرتها في إسرائيل أمام كورونا. إسرائيل، حسب تقييم بي.بي.سي، ثالث دول العالم كفاءة في مواجهة الوباء، وهي أصلا الـ11 عالميا في جودة خدماتها الصحية.
تسارع تفشي الفايروس في أنقرة كان سريعا، رغم ادعاء أردوغان السيطرة عليه. ودفع الوضع منظمة الصحة العالمية لتعلن قلقها من أن تركيا شهدت “زيادة كبيرة في انتشار كورونا”، إذ تضاعفت الحالات المؤكدة كل ستة أيام، مقارنة بالمعدل العالمي لدول الانتشار الواسع وهو تسعة أيام.
قبلها، أصر أردوغان لأسابيع على رفض تقييد الحركة في بلده، خاصة في مدينة إسطنبول حيث 60 في المئة من الإصابات، رغم انتقاد رئيس بلديتها المعارض له، أكرم إمام أوغلو، من بطء إجراءات الرئيس التركي في مواجهة الوباء.
وأمام التفشي المتفاقم، فاجأ أردوغان إسطنبول مساء السبت 11 أبريل بفرض حظر تجول يطبق خلال ساعتين فقط من إعلانه، فتدافعت الحشود للحصول على احتياجاتها، مفجرة حالة فوضى ومشاجرات وصلت إلى تبادل إطلاق النار، أعقبها إعلان وزير الداخلية، سليمان صويلو، استقالته.. وتبيّن أنها “مسرحية” بعد رفض أردوغان لها.
تفشي وفوضى لم يمنعا “الصفقة الإنسانية” لإسرائيل، ولا أيضا أولوية “البيت على الجامع”، ولا تحذير رئيس الرابطة الطبية التركية سنان أديامان من أن تجهيزات العناية المركزة في إسطنبول لن تستوعب الإصابات المتزايدة. موضحا أن “المدينة، التي يبلغ عدد سكانها 16 مليون نسمة، بها 4600 سرير عناية مركزة، 80 في المئة منها مشغولة… لسنا مستعدين للأسوأ”.
وصف “الإنسانية” نقلته بلومبرغ عن المتحدّث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، محاولا تمرير تجاوز حظر تصدير المستلزمات الطبية، مبررا صفقة إسرائيل بـ”أسباب إنسانية”. وقال إنها مرتبطة “بمساعدة طبية للفلسطينيين، وافق نتنياهو على تمريرها”. لكن صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، في نفس اليوم، نقلت نفي مصادر بتل أبيب وتأكيدها أن “المعدات مخصصة لإسرائيل، فقط”.
ادعاء الإنسانية استفز نتنياهو، وفق القناة 12 العبرية، التي نسبت لمكتبه “رفض المقايضة”، معتبرا أن “أردوغان عاد إلى المناكفة الإعلامية”. وجمدت إسرائيل الصفقة، مع التشديد على إمكانية تحويل مساعدات طبيّة للسلطة الفلسطينية “مباشرة دون عراقيل”، مستدركا “لكنّ أردوغان يحاول استغلال ذلك، ولن نسمح له”.
تراجعت تبريرات “إنسانية” الصفقة، ونفذت “بسلاسة إنسانية”، مقارنة بالصفقات الخمس السابقة، أشهرها حادثة القرصنة التي كشفتها وزيرة خارجية مدريد، غونزاليس لايا، لصحيفة ألموندو الإسبانية، 3 أبريل 2020، قائلة إن أنقرة استولت، السبت 28 مارس، على طائرة محملة بـ162 جهاز تنفس متوجهة إلى إسبانيا.
قبلها، ووفقا لصحيفة كوريرى ديلا سيرا الإيطالية، أوقفت تركيا تسليم 200 ألف قطعة ملابس واقية لمدة 17 يوما إلى روما، رغم دفع ثمنها كاملا، حينها كانت إيطاليا تتقدم العالم في ضحايا كورونا، حتى اتصل رئيس وزراء روما، جوزيبي كونتي، الأمر هاتفيا بأردوغان لإتمام الشحن.
وفي منتصف مارس شهدت بلجيكا أزمة سياسية، على خلفية تعطيل أنقرة تسليم خمسة ملايين كمامة، تعاقدت بروكسل عليها مع شركات تركية ودفعت ثمنها. ورغم موافقة حكومة أردوغان على التعاقد والتصدير، عادت وأوقفت شحنها، وفتح المدعي العام تحقيقا جنائيا في الصفقة، كما ذكر موقع “بلجيكا اليوم”، ما اضطر أنقرة للإفراج عنها بعد أسبوع.
حادثة ابتزاز أقل شهرة، فضحتها جريدة تايمز أوف المالطية، الأربعاء 8 أبريل 2020، طالت شحنة من 50 ألف بدلة طبية واقية كانت متجهة إلى فاليتا، وتعرضت لذات التسويف التركي طوال أسبوعين.
أحدث ابتزاز تركي، استتبع إرسال لندن الاثنين الماضي طائرة “ملكية”، حسب صحيفة الغارديان، كرسالة لحساسية الصفقة المتأخرة عن موعدها، و”للضغط دبلوماسيا على أنقرة لتسرع شحن المعدات الطبية من مطار إسطنبول”.
سلاسة و”إنسانية” تعامل أردوغان مع إسرائيل الأقل انتشارا لكورونا بمراحل، مقارنة بتجاهله لوضعية تفشي الوباء في بلده وابتزازه لحلفاء الناتو، يقلبان المثل إلى “إللي تعوزه إسرائيل يحرم على بلدي وعلى حلفائي”.