تركيا تنقض تعهداتها شرق المتوسط

قادة الاتحاد الأوروبي سيبحثون مجددا منحى العلاقات مع تركيا على ضوء إعلان أنقرة استئناف عمليات الحفر في المياه المتنازع عليها مع اليونان.
الثلاثاء 2020/10/13
تصعيد يمتحن صلابة بروكسل

يضع استئناف تركيا لأنشطة التنقيب عن الغاز في المياه المتنازع عليها مع اليونان وقبرص بعد أن جمدتها لفترة وجيزة، الاتحاد الأوروبي أمام تحدي اتخاذ إجراءات ردعية لطالما كانت محل خلاف بين أعضائه. ويرى مراقبون أن ليونة التكتل الأوروبي في التعامل مع الاستفزازات التركية شجعت أنقرة على مواصلة مغامراتها في شرق المتوسط وتهديد استقراره دون حسيب.

أنقرة- يعكس إعلان تركيا الاثنين استئناف عمليات التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط صحة ما حذرت منه نيقوسيا من أن أنقرة جنحت إلى التهدئة وسحب سفن التنقيب في وقت سابق لتلافي العقوبات الأوروبية وستعيد الكرة بعد تفاديها.

وقالت قبرص، العضو في الاتحاد الأوروبي والتي تتنازع مع أنقرة بشأن حقوق التنقيب، وقتئذ إن تركيا “شريك” لا يمكن الوثوق به ولا بد من التعامل مع “تعهداته” بكثير من الحذر.

وقالت البحرية التركية في رسالة إلى نظام الإنذار البحري “نافتيكس” إنّ السفينة عروج ريس ستقوم بأنشطة في المنطقة، بما في ذلك جنوبي جزيرة كاستيلوريزو اليونانية، وذلك اعتبارا من الإثنين ولغاية 22 أكتوبر، في خطوة قالت أثينا إنها تشكّل “تهديدا مباشرا للأمن والسلم الإقليميين”.

وفي لهجة تحمل تحديا، كتب وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دونماز على تويتر أنّ تركيا “ستواصل البحث والحفر وحماية حقوقنا”، مضيفا “إذا كان هناك غاز طبيعي، سنعثر عليه بالتأكيد”.

ويرى متابعون أنه لا توجد مبررات واقعية لاستئناف أنقرة تصعيدها شرق المتوسط ونقض تعهداتها بحل الأزمة عبر المفاوضات السلمية عبر تجميد أنشطة الاستكشاف.

ويشير هؤلاء إلى أن انخراط أنقرة في مفاوضات مع اليونان وقبرص برعاية الاتحاد الأوروبي يندرج ضمن سياق المناورات لتلافي العقوبات الأوروبية، التي كانت قريبة منها، مؤكدين أنه بمجرد امتصاص أنقرة للغضب الأوروبي انتهت الحاجة للمضي قدما في التسوية.

فاتح دونماز: سنواصل عمليات البحث والحفر وحماية حقوقنا
فاتح دونماز: سنواصل عمليات البحث والحفر وحماية حقوقنا

وانخرطت تركيا واليونان، العضوان في حلف الأطلسي، في نزاع بشأن التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط في أغسطس إذ أجرى البلدان مناورات جوية وبحرية متوازية في المياه الاستراتيجية بين قبرص وجزيرة كريت اليونانية. وتطالب اليونان بالحقوق البحرية في المياه المحيطة بجزيرة كاستيلوريزو، لكنّ تركيا تقول إنّ ساحلها الطويل يجعل من المنطقة مساحة شرعية من حقها التنقيب فيها.

ونددت وزارة الخارجية اليونانية الاثنين بقرار تركيا إعادة سفينة تنقيب إلى شرق المتوسط، وقالت إنّ تركيا “غير جديرة بالثقة” وإنها “غير صادقة في رغبتها بالحوار”.

وردّ وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أن أعمال أنقرة “ليست تهديدا لأحد” وقال لصحافيين في أنقرة إن اليونانيين “يقومون بكل ما بوسعهم لزيادة التوتر. يحاولون القيام بأعمال استفزازية. نرغب في أن يبتعد جيراننا عن مثل هذه الأعمال”.

وكتب المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا عمر جيليك في تغريدة “المضايقات والإملاءات لا تجعل تركيا تتصرف بطريقة مختلفة”، مشددا على أن أنقرة كانت دائما “منفتحة على التفاوض والحوار”.

وغادرت سفينة التنقيب عروج ريس الشهر الماضي المنطقة المتنازع عليها وعادت إلى السواحل التركية، فيما اعتقد كثيرون أنه إشارة إلى أن الجانبين قد يحلان الأزمة عبر الحوار.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حينها إنّ القرار يرمي إلى “إعطاء فرصة للدبلوماسية”.  واقترح أردوغان عقد مؤتمر إقليمي لمناقشة “حقوق ومصالح” الدول المطلة على شرق المتوسط، بما فيها “جمهورية شمال قبرص التركية” التي لا تعترف بها إلا أنقرة.

وفي قمة في وقت سابق هذا الشهر، هدد الاتحاد الأوروبي في بيان بفرض عقوبات إذا فشلت تركيا في وقف ما وصفه الاتحاد بأنه أنشطة حفر واستكشاف غير قانونية في المياه التي تطالب بها قبرص واليونان.

وأضاف البيان “دعا المجلس الأوروبي في الأول من أكتوبر تركيا بوضوح إلى الامتناع عن الإجراءات الأحادية الجانب التي تتعارض مع مصالح الاتحاد الأوروبي وتنتهك القانون الدولي والحقوق السيادية للدول الأعضاء في الاتحاد”.

وتابع “نتوقع أن تمتثل تركيا لالتزاماتها وتمتنع عن القيام بمزيد من الاستفزازات وتقدم ضمانات ملموسة حول رغبتها في إجراء حوار حسن النية”. ووصفت تركيا التهديد بأنه “غير بناء”، لكن تحركها الأخير سيؤدي إلى مزيد من التوتر في علاقتها مع بروكسل.

وبدد الإعلان الآمال المعقودة منذ وافقت تركيا واليونان على إجراء محادثات استطلاعية الشهر الماضي بعد جهود دبلوماسية بقيادة ألمانيا لنزع فتيل الأزمة.

وكانت المحادثات متوقفة منذ 2016 وكان من المتوقع استئنافها في إسطنبول، لكن لم يتم تحديد موعد محدد. وعقد وزيرا خارجية تركيا واليونان الخميس في براتيسلافا أول اجتماع رفيع المستوى بين البلدين منذ بدء التوتر، واتفقا على تحديد موعد لبدء المحادثات الاستطلاعية.

وطالبت فرنسا الاثنين تركيا بضرورة الإحجام عن أي استفزازات جديدة وإظهار حسن النية، في وقت ينتقد فيه إيمانويل ماكرون باستمرار الأجندات التركية في أكثر من جهة بدءا بليبيا مرورا بسوريا ووصولا إلى إقليم قره باغ الانفصالي في أذربيجان.

نددت وزارة الخارجية اليونانية  بقرار تركيا إعادة سفينة تنقيب إلى شرق المتوسط، وقالت إنّها غير جديرة بالثقة وإنها غير صادقة في رغبتها بالحوار

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية أنييس فون دير مول في تصريح “نتوقع من تركيا أن تفي بالتزاماتها وتعهداتها وأن تمتنع عن أي استفزازات وأن تظهر دليلا ملموسا على حسن النية”.

وفي خطوة تحذيرية، أعلن الممثل الأعلى الأوروبي للشؤون الخارجية جوزيب بوريل الاثنين أن قادة الاتحاد الأوروبي الذين يجتمعون نهاية الأسبوع الجاري في بروكسل سيبحثون مجددا منحى العلاقات مع تركيا على ضوء إعلان أنقرة استئناف عمليات الحفر في المياه المتنازع عليها مع اليونان.

وقال بوريل في أعقاب اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين في لكسمبورغ “إن تركيا لم تتخذ الخطوات المطلوبة والمتوقعة منها لخفض التصعيد في شرق المتوسط”.

5