تركيا تشرع أبوابها للصحافيين المصريين لترسيخ التطبيع السياسي

يظهر لقاء السفير التركي في القاهرة مع الصحافيين المصريين في نقابتهم مدى الاهتمام الذي توليه أنقرة لمد جسور التعاون مع الإعلام إذ تنتظر موافقة السلطات على توقيع اتفاقية للتعاون مع الجهات الإعلامية المصرية، ليكون التطبيع الإعلامي ترسيخا للتطبيع السياسي بعد سنوات من القطيعة.
القاهرة - استضافت نقابة الصحافيين المصريين مساء الخميس السفير التركي صالح موطلو في حوار مفتوح حول العلاقات الثنائية والموقف التركي من تداعيات الصراع في المنطقة، وأبدى السفير اهتماما لافتا بفتح الأبواب مباشرة مع الصحافيين في مسعى إلى نقل التطبيع السياسي الذي جرى بين البلدين إلى مستوى التطبيع الإعلامي والشعبي، من وجهة النظر التركية.
وأشار حسين الزناتي وكيل نقابة الصحافيين في مصر ورئيس لجنة الشؤون العربية والخارجية إلى الحشد الكبير من الحضور مقارنة بلقاءات سابقة عقدتها اللجنة، ما اعتبره يأتي في إطار التقدير للسفير التركي في القاهرة، مؤكدا أن العلاقات المصرية – التركية تاريخية وعميقة، ولم تتوقف بين الشعبين، رغم الخلافات السياسية التي شهدتها أحيانا.
وجاءت كلمات السفير التركي لتؤكد اهتمامه بدعوته إلى نقابة الصحافيين، قائلا “أعرف كثيرين من الأخوة الصحافيين الموجودين هنا (في القاعة) وأشكرهم، وفي بداية كلامي أريد أن أدعوهم جميعا بالإضافة إلى الصحافيين غير الموجودين اليوم إلى احتفالية عيد الجمهورية التركية في 29 أكتوبر المقبل في مقر السفارة، وأتشرف بوجودهم في هذه الاحتفالية، كما أدعوكم جميعا إلى إفطار تركي جماعي”.
ونوه موطلو في كلمته باهتمامه بالتواصل الشخصي مع الصحافيين مباشرة، حيث مدهم برقم هاتفه الخاص، قائلا “لست معزولا عن الناس وجاهز للتواصل المباشر، ولا أنسى المحبة التي وجدتها من الشعب المصري في أولى زياراتي للمساجد والمعالم الإسلامية، وعناق أحد المواطنين لي”.
وبدا لافتا أن السفير التركي تجنب الحديث في الملف الإعلامي بين البلدين الذي اتسم بالسخونة لسنوات طويلة، واشتكت القاهرة مرارا من سماح تركيا لقنوات إخوانية معادية لمصر بالبث من أراضيها، دون حسم كامل للملف حتى اليوم رغم حالة الوئام التي عكستها تصريحات موطلو في مختلف الملفات، بل إنه ألقى بكرة التعاون الإعلامي في الملعب المصري.
وردا على سؤال حول توقيع اتفاقية للتعاون مع الجهات الإعلامية المصرية، أكد أن تركيا أرسلت اقتراحاتها إلى مصر، معبرا عن ثقته في أن يكون هناك رد إيجابي من الجانب المصري في هذا الشأن، وتعاون مثمر بين الجانبين في مجال الإعلام.
وقال “في ما يتعلق بالبرامج التدريبية أو تبادل الخبرات والتعاون الإعلامي فنحن جاهزون للاستجابة، لو طلب منا المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أو أي جهة في مصر ذلك، ولدينا مؤسستان هما إدارة الاتصالات في رئاسة الجمهورية التركية وووكالة الأناضول الرسمية، كذلك بالنسبة إلى التعاون بين مؤسسات الإعلام المرئي في البلدين، فلدينا قناة ‘تي.آر.تي’ وهناك قنوات تلفزيونية مصرية، ونحن جاهزون لتقييم الطلبات وإقامة البرامج التدريبية بين الجانبين”.
وقام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في الرابع من سبتمبر الجاري بأول زيارة رسمية له إلى تركيا، وشهد مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان التوقيع على عدد من اتفاقيات التعاون ومذكرات التفاهم المشتركة، في الاجتماع الأول لمجلس التعاون الإستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين، وذلك بعد زيارة أردوغان للقاهرة في فبراير الماضي، بعد عقد كامل من التوتر الشديد في علاقات البلدين.
وانعكس التحول الواضح في العلاقات على كلمة سفير أنقرة في نقابة الصحافيين، ليؤكد أن الأواصر القوية بين الشعبين لا تنسى ولا تقطع، في إطار “المحبة المتبادلة”، وأن تركيا تدرك جيدا مكانة مصر في المنطقة، والتعاون بينهما ستكون له تأثيرات قوية إيجابية، موضحا أن زيارتي الرئيسين فتحت “صفحة جديدة في العلاقات تسهم في الاستقرار بالمنطقة”.
وفي تصريحات دبلوماسية توحي بالتفاهم التام في مختلف الملفات الاقتصادية والسياسية المشتركة، أكد السفير التركي أنه تم اختيار تسمية مجلس التعاون بين البلدين بـ”مجلس التعاون الإستراتيجي رفيع المستوى”، لأن الاتفاقيات التي تم توقيعها “ليست مجرد أوراق”، إنما ستنعكس على مجالات الإنتاج والتنمية لمصلحة الدولتين، معتبرا أن المرحلة الحالية يمكن تسميتها بـ”فترة تعاون إستراتيجي” بين دولتين شقيقتين وقويتين في المنطقة، وأن توقيع 17 اتفاقية في مختلف المجالات بداية للبناء عليها وتعميق العلاقات بشكل أكبر في المستقبل.
في الملف الاقتصادي، أكد بدء العمل في منطقتين صناعيتين بالعاصمة الإدارية الجديدة، ومدينة 6 أكتوبر في غرب القاهرة، بمساحة إجمالية تبلغ خمسة ملايين متر مربع، قائلا “المعلومة التي حصلت عليها أن أكثر من ألف مصنع سوف يتم إنشاؤها، ما يوفر خمسين ألف فرصة عمل، فالمنطقتان الصناعيتان ليستا أرضا فضاء حاليا، إنما تم تجهيز المخططات وتوفير مبالغ التمويل لبدء إقامة البنى التحتية والفوقية، لينتهي العمل بهما خلال سنتين أو ثلاث سنوات”.
◙ السفير التركي يبدي اهتمامه بالتواصل الشخصي مع الصحافيين مباشرة عبر منحهم رقم هاتفه الخاص
واعتبر أن كلا من الرئيسين السيسي وأردوغان لهما هدف مشترك هو تنمية الدولة ورفاهية الشعب في بلديهما، وأن أردوغان عندما وصل إلى الحكم عام 2003 اهتم في البداية بإنشاء الطرق فتمت إقامة 15 ألف كيلومتر من الطرق المزدوجة لربط المدن، وانصب اهتمام السيسي في بداية حكمه على ذلك أيضا.
وسرت نفس الحالة من التفاهم السياسي المشترك في تصريحات موطلو، ففيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وجه الشكر لمصر على ما قامت به من دور مهم لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات إلى غزة بعد عملية السابع من أكتوبر، وحتى بالنسبة إلى الملف الليبي أكد تشابه الرؤى بين البلدين حول ضرورة وجود حكومة موحدة وإجراء انتخابات حرة “نتكلم بوضوح مع الإخوة المصريين وليس هناك خلاف من هذه الناحية بين الدولتين”.
وقال السفير التركي في تصريحات لـ”العرب” حول ما إذا كانت مصر لعبت دورا أو عرضت القيام بدور في جهود تطبيع العلاقات التركية – السورية، إن الأساس في سياسة بلاده أنها تريد أن يكون هناك استقرار وسيادة سورية على جميع أراضيها “ونحن مثل المصريين ضد تقسيم سوريا”.
وأضاف أن تركيا تستضيف ثلاثة أو أربعة ملايين سوري بشكل مؤقت، لكن خطر الإرهاب الموجود في شمال سوريا بالتحديد هو تهديد مباشر للدولة التركية، ما يؤثر في زيادة أفواج المهاجرين السوريين الجدد إلى الأراضي التركية، معتبرا أن هذا يمثل خطرا على الدول المجاورة.
وقال “نشترك مع مصر في السعي إلى الاستقرار والأمن في سوريا، والحفاظ على وحدتها واستقلالها، وفقا لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ونعرف جيدا أن مصر تشاركنا نفس الرؤية، وننتظر الآن أن يكون هناك اتفاق بين الدولة السورية والمعارضين".
وحول الصعوبات التي يواجهها بعض المصريين في مسألة السفر إلى تركيا والتأشيرات، أكد أنه لم يسمع عن مشكلات في هذا الصدد لكنها ستجد كل التيسيرات إن وجدت، مشيرا إلى اتباع القنصلية التركية حاليا سياسة إنهاء جميع الإجراءات في يوم واحد، وأي مصري يستطيع أن يتوجه إليها دون حجز موعد مسبق ليتم إنهاء طلبه في نفس اليوم.
واختتم السفير التركي في القاهرة صالح موطلو لقاءه، بما أوحى بأنه يزف بشرى أو يغازل الصحافيين المصريين، قائلا “بمناسبة وجودي اليوم هنا (في النقابة) أستطيع أن أقول إنكم لو طلبتم تأشيرات سفر إلى تركيا لأي غرض من الأغراض، أعدكم بأن يكون هناك إنهاء للإجراءات في أقصر وقت، وبأبسط الأوراق المطلوبة، مع دفع رسوم في حالات السفر للسياحة أو لأغراض شخصية، ودون رسوم عند طلب السفر لأسباب مهنية".