تركيا تسعى لخلافة الولايات المتحدة في أفغانستان اقتصاديا وأمنيا

أنقرة تستثمر المخاوف الأميركية في توسيع نفوذها في آسيا الوسطى.
الأربعاء 2021/06/09
أفغانستان منفذ حيوي للتمدد التركي

التقطت تركيا الساعية إلى التمدد في آسيا الوسطى المخاوف الأميركية من التدهور الأمني المحتمل في أفغانستان بعد سحب جنودها بالكامل في سبتمبر القادم لتعرض خدماتها الأمنية على واشنطن. لكن ذلك ليس سعيا منها لإحلال السلام وإنما بمقابل اقتصادي.

أنقرة - وجدت تركيا في المخاوف الأميركية على استقرار أفغانستان بعد سحب جنودها وقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالكامل في سبتمبر القادم، فرصة مواتية لخدمة أجنداتها وتعزيز نفوذها في منطقة آسيا الوسطى الحيوية.

ويرى المسؤولون الأتراك في أزمة أفغانستان الأمنية والتوجس الأميركي من ذلك أحد الملفات التي يمكن استخدامها لبسط المزيد من النفوذ، ما يخدم سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المبنية على الهيمنة.

و في هذا الإطار عرضت أنقرة على الولايات المتحدة مؤخرا القيام بحراسة وتشغيل مطار كابول الدولي بعد انسحاب قواتها وقوات الناتو وذلك بمقابل، لكن مسؤولين أميركيين قالوا إن تركيا تضع شروطا ينبغي تسويتها مع استعداد زعيمي البلدين للاجتماع الأسبوع المقبل.

وقال مسؤولون أتراك إن تركيا قدمت العرض في اجتماع لحلف الأطلسي في مايو عندما اتفقت الولايات المتحدة وشركاؤها على خطة لسحب القوات بحلول 11 سبتمبر بعد 20 عاما على بدء الحرب.

وذكر مسؤول تركي أن مسؤولين أتراكا وأميركيين بحثوا المتطلبات المحتملة للمهمة والتي وافقت واشنطن على معالجة بعضها.

وأضاف “في أعقاب قرار الولايات المتحدة الانسحاب من أفغانستان، عرضت تركيا توفير التأمين لمطار كابول. تجري محادثات في هذا الإطار مع حلف الأطلسي والولايات المتحدة”.

ويرى مراقبون في العرض التركي “استعدادا لخوض حرب بالوكالة” في أفغانستان، في ظل حكم طالبان التي تؤكد الاستخبارات الأميركية أنها لم تتغير وستفرض طريقة حكمها المتشدد على الأفغان بمجرد انسحاب القوات الأميركية والأطلسية.

وفي المقابل رجح هؤلاء أن أنقرة قد تكون طلبت مقابلا اقتصاديا نظير خدماتها الأمنية بالوكالة في كابول، إذ أن توسيع نشاطها الاقتصادي في منطقة آسيا الوسطى رهان فشلت أجندات أنقرة إلى حد الآن في بلوغه بسبب تشابك مصالحها الاقتصادية مع كل من واشنطن وموسكو.

خلوصي أكار: عرضُنا مشروط بالدعم السياسي والمالي واللوجستي
خلوصي أكار: عرضُنا مشروط بالدعم السياسي والمالي واللوجستي

وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار الاثنين إن عرض أنقرة مشروط بالدعم. ونقلت وزارة الدفاع عن أكار قوله “نعتزم البقاء في أفغانستان حسب الشروط. ما هي شروطنا؟ الدعم السياسي والمالي واللوجستي. إذا تم الوفاء بذلك يمكننا البقاء في مطار حامد كرزاي الدولي”.

وعلّق مسؤولون أميركيون طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم أنهم يرحبون بالعرض التركي، لكن أنقرة تطلب دعما أميركيا كبيرا جدا للمهمة.

وأشار المسؤولون كذلك إلى بعض المخاوف الأميركية بشأن مدى الاعتماد على تركيا لكنهم قالوا إن واشنطن ستجد سبيلا لإتمام الأمر.

وليس خافياً أن سياسات أنقرة ترتكز على ركنين في ما يتعلق بالعلاقات الآسيوية، الأول هو المصالح الاقتصادية والتجارية، لاسيما مع الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به تركيا. والركن الثاني هو المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة ومحاولة الضغط على الولايات المتحدة لتطبيع علاقتها معها.

وتطمع تركيا في التوسع أكثر في منطقة آسيا الوسطى الغنية بالمحروقات في محاولة لبسط نفوذها وإنقاذ اقتصادها المتأزم عبر الاستثمار في النزاعات الدامية التي تعيشها تلك المناطق، متبعة إستراتيجية توسعية تقوم على مرتكزين هامين هما التدخلات العسكرية والقوى الناعمة.

وتتمتع دول آسيا الوسطى بثروات طاقية هائلة، إذ يبلغ حجم الغاز الطبيعي فيها 34 في المئة من الاحتياطي العالمي، أمّا النّفط فتبلغ احتياطياته 27 في المئة من الاحتياطي العالمي، بالإضافة إلى ثروات ضخمة من المياه العذبة والباطنية، واحتياطيات هائلة من المعادن والقطن والفحم ما يجعلها إحدى أغنى مناطق العالم بامتياز.

كما تملك قاعدة صناعية ثقيلة وإستراتيجية ضخمة، خاصةّ أنّ هذه الأرض كانت قطبا زراعيا وصناعيا هامّا أيام الاتحاد السوفييتي، مع وجود قاعدة علمية جد هامّة، حيث كانت هذه المنطقة ملتحمة في الصناعات مع الأيادي والعقول الصناعية والتقنية السوفييتية، ولا تزال تتوفر على كتلة هائلة من العلماء في مختلف المجالات ممن استقروا فيها بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، مع تميزها أيضا بمعدل عمر شبابي عالٍ.

ولم يكن لتركيا بعد إستراتيجي قبل مجيء حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم، ما أسهم في غياب تركيا عن آسيا الوسطى وغيرها. ويرجع الدكتور معروف البخيت سبب ذلك إلى “تشتت عناصر القوة في الدولة، فقد كانت السياسات التركية في تلك المرحلة في مواجهة القضايا الداخلية والإقليمية والدولية، حيث تشتّتت بين سياسة إدارة التنوع أو سياسة إدارة المتناقضات”، وهذا ما يفسر تأخر ظهور إستراتيجية تركية في دول آسيا الوسطى التي شكلت عبر التاريخ العمق الإستراتيجي لها.

وتشكل المخاوف التي تبديها دول آسيا الوسطى من الدور التركي أبرز العوائق في تعزيز نفوذ أنقرة، إذ تعتقد أن تركيا تحاول ممارسة الوصاية عليها باسم الأخ الكبير، خاصة في ظل حزب العدالة والتنمية.

وقد يفتح الدعم الأميركي لأنقرة في آسيا الوسطى، إذا ما تم قبول عرضها بخلافة الأميركيين في أفغانستان، منافذ أخرى أمام التغلغل التركي الاقتصادي والأمني أيضا.

5