تركيا تسعى لإتمام صفقة مقايضة المياه بمكاسب عسكرية واقتصادية في العراق

أنقرة تستخدم ملف المياه في مساومة العراق على حرية حركة جيشها داخل أراضيه وفتح أسواقه أمام منتجاتها.
الخميس 2019/08/01
الجانب التركي يمسك بالورقة الأهم

بغداد - مثّلت قضيّة المياه البند الرئيسي على أجندة زيارة مبعوث الرئيس التركي ويسل أر أوغلو، الأربعاء، إلى العراق ومحادثاته في بغداد مع كبار المسؤولين في الدولة العراقية.

ويشكّل وقوع أهم منابع المياه في العراق خارج أراضيه، تحدّيا كبيرا لبغداد وعائقا أمام طموح حكومة عادل عبدالمهدي، لإدخال البلد في مرحلة جديدة يتمّ خلالها تنشيط الدورة الاقتصادية وتحسين الأوضاع الاجتماعية والارتقاء بمستوى الخدمات، وكلّها مسائل ذات ارتباط وثيق بحفظ الأمن والاستقرار في البلد الخارج حديثا من حرب مرهقة ضدّ تنظيم داعش.

وعلى الجانب الآخر يمثّل ملف المياه لتركيا التي ينبع من أراضيها نهرا دجلة والفرات المصدران الرئيسيان للماء في العراق، ورقة ثمينة لمساومة بغداد والضغط عليها في ملفات أخرى على رأسها ملف الأمن حيث تسعى أنقرة باستمرار، وخصوصا في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، للحصول على امتياز ملاحقة عناصر حزب العمّال الكردستاني المصنّف إرهابيا من قبل تركيا، بحرّية داخل الأراضي العراقية، وصولا إلى إقامة قواعد عسكرية داخل العراق، وهو ما تقوم به تركيا عمليا وتفرضه كأمر واقع ولكن دون موافقة رسمية معلنة من قبل السلطات العراقية.

كذلك تسعى أنقرة للحصول على امتيازات اقتصادية من العراق الغني بالنفط الذي تحصل تركيا على جزء منه عبر شرائه بشكل مباشر من سلطات إقليم كردستان العراق بأسعار أدنى من أسعار السوق العالمية.

كما تطمح حكومة أردوغان لجعل العراق متنفّسا لاقتصادها المتذبذب ولأزمتها المالية من خلال انتزاع عقود ضمن عملية إعادة إعمار العراق المقدّرة بعشرات المليارات من الدولارات وفتح السوق العراقية أمام المنتجات التركية.

واستُقبل مبعوث الرئيس التركي لشؤون المياه في بغداد من قبل الوكيل الأقدم لوزارة الموارد المائية العراقي طه درع والسفير التركي لدى العراق فاتح يلدز، فيما قالت وسائل إعلام تركية إنّ مسألة المياه هي محور محادثات أر أوغلو مع المسؤولين العراقيين.

وورد في بيان لمكتب الرئيس العراقي برهم صالح تأكيده لدى اجتماعه بمبعوث نظيره التركي على أهمية تطوير العلاقات الثنائية مع تركيا والارتقاء بسبل التعاون المشترك.

ودعا صالح إلى “ضرورة التوصل إلى تفاهمات مرضية وطويلة الأمد لحل الإشكاليات العالقة بين العراق وتركيا في ملف المياه وبما يضمن حقوق البلدين”، مشدّدا على أن “قضية المياه تشكل أولوية في مسار العلاقة مع الجارة تركيا”.

ورغم عبور نهري دجلة والفرات بالأراضي العراقية، فإنّ المياه بدأت خلال السنوات الماضية تتحوّل إلى معضلة تتضافر كلّ صيف مع معضلة الكهرباء لتوقد الاحتجاجات في الشارع العراقي.

كما بدأ تأثير شح المياه يظهر في تراجع القطاع الزراعي في العراق لتبرز مع ذلك التراجع قضية الأمن الغذائي القائمة أصلا في البلاد.

ومنذ بدء تركيا ملء خزانات مائية كبرى ضمن مشروع “الكاب” الذي يشتمل على سلسلة سدود وبحيرات، انخفض التدفق في نهر دجلة إلى معدلات غير مسبوقة.

وسبق لموضوع المياه أن طرح بقوّة أثناء زيارة قام بها رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي لأنقرة في مايو الماضي.

وبدأت تركيا من خلال استغلالها المكثّف لمياه نهري دجلة والفرات تفرض ضغوطا كبيرة على العراق وتهدّد حصته المائية خصوصا بإقامتها سدّ أليسو الضخم على نهر دجلة والذي يثير دخوله مرحلة التعبئة قلقا بالغا للحكومة العراقية.

وتقول مصادر عراقية مطّلعة إنّ بغداد تركز في معالجتها لملف المياه مع الجانب التركي على ضمان معدل تدفق ثابت خلال أشهر الصيف.

وفي وقت سابق كشفت مصادر لـ”العرب” أنّ بغداد “تقيم استراتيجيتها في التفاوض مع الأتراك على أساس الماء مقابل الأمن” وأنّها أدخلت ضمن المفاوضات مع أنقرة عمليات الملاحقة لعناصر حزب العمال التي كثفت تركيا من القيام بها داخل الأراضي العراقية، وكذلك معسكر بعشيقة الذي يتموضع فيه الجيش التركي قرب الموصل بالشمال العراقي ورفضت تركيا إخلاءه في أكثر من مرّة رغم المحاولات العراقية لإقناعها بذلك.

ووفقا للمصادر فإن العراق مستعد للتفاوض من أجل بقاء عسكري تركي طويل الأمد والتعاون في ملف حزب العمال الكردستاني مقابل ضمان حصص مائية ثابتة تقوم تركيا بضخها سنويا خلال الصيف في نهر دجلة.

3