تركيا تستعدّ لاستئناف محاولتها الضغط على السعودية بملف خاشقجي

رغم أن تركيا فشلت في استخدام قضيّة خاشقجي في هزّ صورة السعودية وزعزعة مكانتها بين كبار حلفائها الدوليين، إلا أنّها لا تبدو قد يئست من استخدام تلك الورقة التي ترى أنّها لم تحترق تماما ولا تزال قابلة للاستخدام، خصوصا إذا جاءت الانتخابات الأميركية برئيس ديمقراطي خلفا لدونالد ترامب الذي أقام مع الرياض صداقة فوق العادة.
الرياض - تأمل السلطات التركية في إعادة تفجير قضيّة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول، كوسيلة مثالية لمحاولة الضغط على السعودية وهزّ صورتها كقوّة إقليمية متزعّمة للعالم الإسلامي على خلاف ما يطمح إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من زعامة للمسلمين في مختلف أنحاء العالم.
وعملت أنقرة خلال الأشهر الماضية على إعداد مسار قضائي جديد للجريمة التي وقعت قبل نحو عامين، وذلك بعد أنّ تمسّكت الرياض بمسارها الخاص في معالجة القضية بمعزل عن التسييس وبعيدا عن التدويل اللذين سعت إليهما السلطات التركية، وهو مسار بلغ نهايته بعد أن أصدر القضاء السعودي أحكامه النهائية على المتهمين في القضية.
وتتطلّع حكومة أردوغان إلى حدوث تغيير على رأس الإدارة الأميركية ملائم لمخطّطها ضدّ السعودية، وذلك بأن يحلّ الديمقراطي جو بايدن محلّ دونالد ترامب على رأس الولايات المتّحدة، على أساس أنّ ترامب كان أكثر صداقة للرياض من سلفه باراك أوباما الذي يُتوّقع أن يستأنف بايدن سياساته الشرق أوسطية ومن بينها ما لم يكن ملائما لمصلحة بلدان المنطقة ومن ضمنها السعودية.
واستباقا للانتخابات الأميركية الحاسمة بادرت خديجة جنكيز التي تقدّم نفسها كخطيبة لخاشقجي، برفع دعوى قضائية بشأن مقتله أمام محكمة أميركية بواشنطن، وذلك بدعم من مكتب محاماة ومنظمة أميركية.
وتنفيذا للهدف التركي الأكبر من إثارة موضوع خاشقجي بشكل متكرّر، وهو محاولة الإيحاء بوجود مسؤولية سياسية وراء الجريمة، تتهم المواطنة التركية جنكيز، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بإصدار أمر قتل الصحافي.
ومن جهتها تدّعي منظمة “الديمقراطية الآن في العالم العربي” التي أسسها خاشقجي أنّ من دوافع قتله وقف وتعطيل عمل المنظمة في الترويج للديمقراطية والإصلاح السياسي في العالم العربي.
وبالتوازي مع المسار القضائي الجديد الذي شرعت خديجة جنكيز في إطلاقه على أمل الوصول إلى إدانة القيادة السعودية، شرع الإعلام التركي في حملة جديدة لإعادة إثارة الضجّة حول مقتل خاشقجي والتي تراجعت وفقدت اهتمام المتلقّين. ومن عناصر تلك الحملة الترويج لإمكانية نجاح ذلك المسار في الوصول إلى نتائج وأحكام قضائية غير تلك التي توصّل إليها القضاء السعودي.
وفي هذا الإطار نقلت وكالة الأناضول التركية في تقرير لها، عن المندوب السابق للولايات المتحدة في مجلس حقوق الإنسان الأممي وأحد الشركاء في شركة “جينر آند بلوك” للمحاماة، السفير كيث إم هاربر قوله إنّ فرص نجاح الدعوى القضائية “كبيرة جدا”.
كما نقلت عن المحامين المكلفين بالدعوى القضائية في واشنطن، أن الدعوى صالحة للنظر في محكمة أميركية بموجب قوانين ودستور البلاد، وقانون حماية ضحايا التعذيب وقانون التعويضات عن الإضرار بالغرباء، الذي يسمح لغير المواطنين برفع دعاوى بخصوص أعمال مرتكبة خارج الولايات المتحدة.
وفي مؤشّر واضح على تسييس القضية ربط التقرير “وصول الأمير محمد بن سلمان إلى منصب ولي العهد في يونيو 2017” بما سمّته “المزيد من الأزمات الداخلية والقضايا الخارجية المعقدة، التي كانت عناوينها الأبرز الحرب في اليمن والحصار المفروض على قطر”.
ولا تتردّد تركيا سواء في خطابها السياسي الرسمي أو في خطابها الإعلامي عن مهاجمة القضاء السعودي والتشكيك في مصداقيته، حيث قالت وكالة الأناضول في تقريرها المذكور إنّ “طبيعة المحاكمة والقرارات النهائية التي أصدرتها المحكمة السعودية المختصة أعادت الملف إلى واجهة الاهتمام”، مضيفة “تعتقد أوساط ومنظمات دولية، بغياب العدالة في تلك الأحكام”.
الإعلام التركي يدشن حملة جديدة لإعادة إثارة الضجّة حول قضية مقتل خاشقجي بعدما تراجعت وفقدت اهتمام المتلقّين
وقتل خاشقجي في الثاني من أكتوبر 2018 داخل القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول. وقادت تركيا تحركات دولية على مختلف الأصعدة لمنع إغلاق القضية من قبل القضاء السعودي.
ومطلع يوليو الماضي، بدأت إحدى المحاكم في إسطنبول محاكمة غيابية لعشرين سعوديا من المتهمين باغتيال الصحافي بينهم النائب السابق لرئيس الاستخبارات السعودية أحمد عسيري والمستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني.
وقررت المحكمة التركية عقد الجلسة الثانية للمحاكمة في 24 نوفمبر الجاري بعد الموافقة على لائحة اتهام قدمت شكواها خديجة جنكيز تطال 20 سعوديا بتهم “التعذيب الوحشي والقتل والتحريض”.
وترى تركيا أنّ قضية مقتل خاشقجي ترتبط بالولايات المتحدة بشكل أو بآخر، حيث كان الصحافي السعودي مقيما على أراضيها ويكتب في صحيفة واشنطن بوست.
وأقامت شركة “جينر آند بلوك” للمحاماة بالنيابة عن خديجة جنكيز، ومنظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي دعوى قضائية ضد ولي العهد السعودي و28 شخصا أمام محكمة أميركية بواشنطن.
وتتهم جنكيز ولي العهد بإصدار أمر قتل خاشقجي وهي التهمة التي تنفيها السعودية رسميا، وتقول صاحبة الدعوى إنها تعرضت لخسائر مالية وألم شخصي بسبب حادثة الاغتيال.
ووفقا لصحيفة واشنطن بوست، فإن أعضاء فريق محاماة جنكيز تحدثوا لها بأن الدعوى القضائية تهدف إلى “تحميل ولي العهد السعودي عبر المحكمة الأميركية المسؤولية المباشرة عن مقتل خاشقجي”.
كما تهدف إلى الحصول على وثائق تكشف حقيقة ما جرى، انطلاقا من الثقة التي تضعها جنكيز في نظام العدالة الأميركي لتحقيق قدر من العدالة والمساءلة.
وكثيرا ما أوحت تركيا بأنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يقف إلى جانب السعودية في قضية مقتل خاشقجي.
وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قد صرح في فبراير العام الماضي أن بلاده لا تتستر على جريمة قتل الصحافي. وانتقد السفير إم هاربر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لأنها “لم تحاسب المتورطين في قتل خاشقجي”.
ويتوقّع أن يشجّع حدوث تغيير على رأس الإدارة الأميركية، حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا على مواصلة المواجهة التي افتتحتها قبل سنوات ضد السعودية، خصوصا وأن الأخيرة أظهرت قدرة كبيرة على إدارة المواجهة برصانة ودون تشنّج، وبدأت مؤخّرا تلوّح لأنقرة بأقوى أوراقها؛ الورقة الاقتصادية وذلك من خلال الحملة غير الرسمية لمقاطعة تركيا تجاريا والتي تعرف الرياض كيف تطبّقها دون الخضوع لتبعات قانونية.