تركيا تجوّع المغنين والموسيقيين

أمل الفنانين يخيب مع إعلان الحكومة استمرار حظر الحفلات الموسيقية في إطار تدابير احتواء فايروس كورونا.
الأربعاء 2021/06/16
حكومة لا تحترم الفنانين

إسطنبول - اعتقد المغني التركي شريف إردنيز عندما فتحت حانات إسطنبول أبوابها مجددا في مطلع يونيو الجاري أنه سيعاود نشاطه أخيرا بعد أشهر من التوقف اضطر خلالها إلى بيع غيتاره لتغطية نفقاته ودفع فواتيره.

لكنّ أمله خاب مع إعلان الحكومة استمرار حظر الحفلات الموسيقية في إطار تدابير احتواء فايروس كورونا، ما أثار غضبه.

وروى مغني البوب البالغ 34 عاما أن بيع آلته الموسيقية “كان لحظة مؤلمة للغاية”. وقال بصوت حزين “غيتاري رافقني لسنوات على المسرح، حتى أنني كنت أكتب أغنيات عليه”.

وكان لقرار الحكومة الإبقاء على الحظر المفروض على الحفلات الموسيقية وقع الصدمة على الكثير من الفنانين، تماما كشريف، ولم يروا أي مبرر صحي له، إذ أعيد فتح المطاعم والحانات التي دأب كثر من المغنين والموسيقيين على إحياء حفلات فيها.

وفرضت السلطات التركية تدابير احتواء صارمة الشهر الماضي للجم تفشي الفايروس قبل الفترة التي تعتبر أوج الموسم السياحي، إذ بلغ عدد الإصابات المسجلة يوميا أكثر من 60 ألفا.

وأثمرت هذه التدابير في شهر واحد انخفاض عدد الإصابات اليومية إلى عُشر ما كانت عليه، وفقا للإحصاءات الرسمية، ما مكّن المطاعم والمقاهي والحانات من إعادة فتح أبوابها في الأول من يونيو.

ومن هذا المنطلق، تولّد لدى الموسيقيين انطباع بأنهم استبُعدوا ظلما من معاودة النشاط.

وعبّر الملحّن الشهير حقان ألتون عن استيائه بتصوير نفسه وهو يقطع أوتار غيتاره، وحذا عدد كبير من الموسيقيين حذوه.

واتهم المغني طاركان الذي كان نجما عالميا خلال تسعينات القرن الماضي الحكومة بـ”عدم احترام الفن والفنانين”.

Thumbnail

وكان الموسيقيون الأتراك من بين الفئات الأكثر تضررا من الجائحة، إذ انقطعت مداخيلهم ولم يحصلوا تقريبا على أي دعم من الدولة.

وأفاد عدد من وسائل الإعلام بأن نحو مئة منهم انتحروا منذ مارس 2020.

وسعيا إلى جمع المساعدات لزملائهم الذين ضاقت بهم الحال، بادر فنانون مشهورون إلى بيع آلاتهم الموسيقية في مزادات.

ولاحظ الفنان فيدات ساكمان البالغ 71 عاما، وهو صاحب مقهى في كاديكوي في الجزء الآسيوي من إسطنبول، يحيي فيه الموسيقيون عادة حفلاتهم، أن “بعض القصص تفطر القلب”.

وأشار إلى أن “بعض الموسيقيين يطلبون من بلدية المدينة تقسيط دفع فواتير المياه الخاصة بهم والتي تبلغ 100 ليرة تركية (نحو 12 دولارا)”.

وذكّر ساكمان بأن المرة الأخيرة التي واجه فيها المشهد الموسيقي التركي مثل هذه الصعوبات الحادة كانت بعد الانقلاب العسكري عام 1980.

وروى قائلا “في ذلك الوقت، كنا نعزف بالسرّ وراء أبواب مغلقة من منتصف الليل إلى الخامسة صباحا”، لكنّه رأى أن “الوضع اليوم أسوأ بكثير، فلا يوجد شيء. لا شيء”.

واعتبر عضو الجمعية التركية لعلم الأحياء الدقيقة السريري والأمراض المعدية البروفيسور بولند إرطغرل أن حظر العروض في الحانات والمطاعم “أمر سخيف”.

وأضاف “إذا كان مبرر هذا الإجراء بخطر انتقال العدوى، ينبغي تاليا إغلاق” هذه المؤسسات.

حتى أن الموسيقيين يشتبهون في أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يشن “حربا ثقافية” ضدهم لإرضاء ناخبيه المحافظين في ظل انخفاض شعبيته.

وقال المؤرخ في جامعة إسطنبول التقنية دوغان غوربينار إن الموسيقيين يمثلون رمزا “لأسلوب الحياة العلماني والفَرِح الذي تحاول الحكومة تهميشه”.

Thumbnail

وقررت الحكومة في وقت سابق حظر تعليق  الحانات على لافتات، وقال نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي “ينبغي حظر تسميات الحانة وشيشا بار ومحل التبغ على لافتات المحلات. وهذا إجراء ضروري في إطار ‘مكافحة الإدمان'”.

ويقول الباحث وخبير فن الطبخ تان مورجول الذي خصص الكثير من كتبه لثقافة الحانات التقليدية في إسطنبول “من بيزنطا إلى الإمبراطورية العثمانية، المحافظون لم يحبوا أبدا الحانات”، لأنها “المكان الوحيد الذي لم يخضع لتأثير الحكومة، كان الناس يلتقون فيها ويتبادلون الآراء والمواقف”.

ويشكك الخبراء في جدوى حظر لافتات الحانات للوقاية من الإدمان، إذ “من غير المعقول الاعتقاد بأن مدمنا على الكحول سيبتعد عن الشرب، فقط لأن لافتة غير ملصقة على باب الحانة”، كما يقول طبيب علم النفس في إسطنبول باريش غوركاس.

ويضيف “لو كان هدف الحكومة فعلا مكافحة الإدمان، لكانت الخطوة الأولى هي تحسين الرعاية الصحية”، وما يثير الاستغراب أن يتم تقليص استهلاك الكحول للسكان المحليين، بينما تروج وزارة السياحة التركية لتناول الراكي، ففي الموقع الإلكتروني للوزارة تتم توصية السياح بالاستمتاع بمقبلات تركية مع كأس راكي.

وسعيا إلى مواجهة هذا الواقع، أطلق حزب المعارضة الرئيسي (الاشتراكي الديمقراطي) الذي يسيطر على المجلس البلدي للمدينة في مايو الماضي برنامجا يحمل عنوان “إسطنبول مشهد” يتيح للفنانين الغناء، مع دفع أتعابهم، في الحدائق والأماكن العامة.

وبفضل هذه المبادرة، تمكنت المغنية أوزغي متين من الغناء في إحدى ساحات كاديكوي أمام جمهور راقص.

وقالت متين بغضب “لم أغنّ منذ 15 شهرا”. وأضافت “المقاهي والمطاعم مفتوحة، لكن لا يُسمح لنا بتقديم الحفلات فيها، وهذا ما يثير التساؤلات”.

وفي ضوء ما يبديه زملاؤه الشباب من استغراب وغضب، دعا الفنان المخضرم ساكمان زملاءه إلى التحلي بالصبر.

وقال “لقد تمكنّا من تجاوز انقلابات ومراحل صعبة. كنا دائما نجد حلا وهذا ما ستتوصلون إليه أيضا”.

20