تركيا تترك الفصائل المقاتلة لمصيرها في إدلب

الجيش السوري يطبق على معرة النعمان الاستراتيجية، بعد تخلي أنقرة عن دعم الجماعات الجهادية على ضوء صفقة عقدتها مع موسكو.
الثلاثاء 2020/01/28
منطقة استراتيجية تربط بين شمال البلاد وجنوبها

دمشق – توشك القوات الحكومية السورية على السيطرة على معرة النعمان الاستراتيجية التي باتت شبه خالية من السكان بعد أسابيع من الاشتباكات والقصف العنيف، اللذين أديا إلى انهيار دفاعات الجماعات الجهادية والمعارضة التي تبسط نفوذها على المدينة.

وتكتسي معرة النعمان أهمية كبرى حيث أنها ثاني أكبر مدينة في محافظة إدلب من حيث المساحة الجغرافية والتجمع السكاني كما يمر عبرها الطريق الدولي حلب دمشق المعروف بـ“أم 5”، والذي تحتل استعادته أولوية قصوى للحكومة السورية.

ويقول خبراء عسكريون إن استعادة الجيش السوري للمدينة ستشكل ضربة معنوية قوية للجماعات الجهادية والمعارضة والتي يبدو أن داعمها التركي تخلى عنها على ضوء صفقة عقدها مع الجانب الروسي.

وأبدت تركيا انتقادات خجولة للعملية الجارية في إدلب مركزة على إيجاد حل لتدفق الفارين باتجاه أراضيها عبر إقامة مخيمات داخل الحدود السورية.

وتشهد محافظة إدلب ومناطق محاذية لها، والتي تؤوي ثلاثة ملايين شخص نصفهم تقريبا من النازحين، منذ ديسمبر تصعيدا عسكريا للقوات الحكومية وحليفتها روسيا يتركز في ريف إدلب الجنوبي وحلب الغربي حيث يمر جزء من الطريق الدولي الذي يربط مدينة حلب بالعاصمة دمشق.

وتُكرر دمشق نيتها استعادة كامل منطقة إدلب وأجزاء محاذية لها في حماة وحلب واللاذقية رغم اتفاقات هدنة عدة تم التوصل إليها على مر السنوات الماضية في المحافظة الواقعة بمعظمها تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) وتنشط فيها فصائل معارضة أخرى أقل نفوذا.

وأفاد شهود عيان قرب معرة النعمان أن القصف الجوي السوري الروسي يتركز على الطريق الدولي شمال المدينة باتجاه سراقب، كما على ريفها الغربي.

وقال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان إن الجيش السوري سيطر منذ مساء الجمعة على 18 قرية وبلدة شرق وشمال شرق معرة النعمان، و”أصبحت المدينة شبه محاصرة”، مشيرا إلى أن “القصف لا يتوقف عن استهداف المدينة”.وتتركز القوات الحكومية جنوب وشمال وشرق معرة النعمان، وبعدما وصلت أخيرا إلى أطرافها الشرقية، تسعى حالياً وفق عبدالرحمن إلى التقدم من الجهة الغربية.

وأفاد المرصد عن مقتل اثنين من المدنيين الإثنين في غارات جوية “روسية” في قرية في ريف إدلب الجنوبي.

وبالتوازي مع التقدم باتجاه معرة النعمان، يخوض الجيش السوري اشتباكات عنيفة في مواجهة هيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى غرب مدينة حلب.

وأفادت صحيفة الوطن، المقربة من الحكومة السورية، “سجل الجيش العربي السوري ملحمة جديدة، بإحرازه تقدما في حلب مع بدء عمليته العسكرية، وواصل زحفه في ريف إدلب الجنوبي الشرقي باتجاه معرة النعمان، التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من السقوط في قبضته”.

ووفق الصحيفة، قطعت القوات الحكومية الطريق الدولي بين مدينتي معرة النعمان وسراقب شمالا.

ومنذ ديسمبر، دفع القصف العنيف سكان ريف إدلب الجنوبي وخصوصا معرة النعمان ومحيطها إلى الفرار، حتى أصبحت المدينة شبه حالية من السكان، وأوضح عبدالرحمن أنه “لم يبق في المدينة سوى قلة من السكان الذين رفضوا الخروج أو الشبان الذين حملوا السلاح للقتال”.

وأعربت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الأحد عن قلقها إزاء التصعيد في حلب وإدلب. وكتبت في تغريدة على موقع تويتر “يجعل الهجوم حياة الآلاف صعبة مما يضطرهم للنزوح في رحلات محفوفة بالمخاطر بلا مأوى، طعام شحيح ورعاية صحية محدودة. كل ما يريدونه هو البقاء على قيد الحياة”.

حركة نزوح كبيرة جراء التصعيد المتواصل
حركة نزوح كبيرة جراء التصعيد المتواصل

وقالت ميستي باسويل من لجنة الإغاثة الدولية إن “التصعيد الأخير لن يؤدي سوى إلى زيادة الكارثة الإنسانية التي تنتشر أساساً في إدلب”.

ووفق الأمم المتحدة، دفع التصعيد منذ ديسمبر بـ358 ألف شخص إلى النزوح من منطقة التصعيد وخصوصا معرة النعمان باتجاه مناطق أكثر أمنا شمالا. وبين هؤلاء، 38 ألفا فروا بين 15 و19 يناير، غالبيتهم من غرب حلب.

ولجأ كثيرون إلى مناطق شمال معرة النعمان بينها مدينة سراقب ومحيطها، إلا أنهم أجبروا مجدداً على النزوح مع اقتراب التصعيد العسكري منهم. وشاهد مصوران لفرانس برس الإثنين سيارات وشاحنات محملة بالمدنيين وحاجياتهم تبتعد شمالا.

وينقل النازحون معهم حاجياتهم المنزلية من فرش وثياب وأوان، فضلا عن أغنامهم وآلياتهم الزراعية. وبعد فرارها من منطقة جبل الزاوية شمال معرة النعمان، قالت أم حسين “الناس كلها بدأت تنزح ليلا، خرجنا بأغراضنا، لا نعرف أين نذهب”.

وصلت أم حسين إلى بلدة حزانو قرب الحدود التركية شمال إدلب، تبكي قبل أن تضيف “تركت ابنتي، لا أعرف أخبارها وهي على وشك الولادة. تركت أقربائي كلهم ولا أعلم ما سيحصل معهم”.

ومنذ سيطرة الفصائل الجهادية والمقاتلة على كامل المحافظة في العام 2015، تصعد القوات الحكومية بدعم روسي قصفها للمحافظة أو تشن هجمات برية تحقق فيها تقدما وتنتهي عادة بالتوصل إلى اتفاقات هدنة ترعاها روسيا وتركيا.

وبعد أسابيع من القصف العنيف، أعلنت روسيا في التاسع من الشهر الحالي التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار أكدته تركيا لاحقاً، إلا أنه لم يستمر سوى لبضعة أيام فقط.

وسيطرت القوات السورية خلال هجوم استمر 4 أشهر وانتهى بهدنة في نهاية أغسطس على مناطق واسعة في ريف المحافظة الجنوبي، أبرزها بلدة خان شيخون الواقعة أيضا على الطريق الدولي.

ويقول محللون إن سيناريو الغوطة الشرقية وقبلها حلب يتكرر مجددا، ولكن يبقى السؤال هو كيف سيتم التخلص من آلاف المقاتلين؟ وإن كان البعض يقول إن تركيا ستتكفل بإعادة تدويرهم وإرسالهم إلى مناطق حروب جديدة على غرار ليبيا.

2