ترحيب دولي بجهود الرباط في تسوية قضية القاصرين المغاربة في أوروبا

الرباط – رحبت أوساط دولية بجهود المغرب في تسوية قضية القاصرين غير المصحوبين بذويهم في أوروبا، مع إعلانه مؤخرا الالتزام بقبول عودة الذين تم تحديد هوياتهم ووضع آليات للتعاون لهذا الغرض مع بعض البلدان، لاسيما فرنسا وإسبانيا، وهو ما أسفر عن عودة العشرات من القاصرين إلى المغرب.
ونوهت فرنسا بالتزام المغرب بتسوية قضية القاصرين في أوروبا، حيث قالت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية أنييس فون دير مول إن “فرنسا تشيد بالتزام المغرب الذي عبرت عنه التعليمات الملكية الصادرة في الأول من يونيو بشأن قبول عودة القاصرين المعزولين من أصل مغربي الموجودين على الأراضي الأوروبية”.
واعتبرت فون دير مول أن “هذا الالتزام يأتي ليؤكد رغبتنا المشتركة في التعامل على أكمل وجه مع هذه القضية الصعبة التي تتبادل فرنسا والمغرب بشأنها بشكل منتظم، ما مكن من اعتماد إجراء مشترك يتعلق بالتكفل بالقاصرين. ويدخل ذلك في فرنسا ضمن الاختصاص الحصري لقضاة الأطفال”.
ولفتت فون دير مول إلى أن فرنسا على استعداد تام لمواصلة العمل في مجال التعاون القضائي من أجل تسهيل عمليات إعادة القاصرين عبر الحدود، مردفة بالقول “إننا نقف إلى جانب شركائنا المغاربة للعمل من أجل تدبير متبادل لرهانات الهجرة في إطار روح الثقة والشراكة”.

أنييس فون دير مول: فرنسا على استعداد للتعاون مع المغرب في قضية الهجرة
وسجلت المسؤولة الفرنسية أن المغرب هو شريك أساسي بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، خاصة في ما يتعلق بمسألة تدفقات الهجرة، وأن باريس تأمل أن يستمر هذا التعاون.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد أعلن في بيان رسمي صدر الثلاثاء أنه يريد “تسوية نهائية” لقضية القاصرين المغاربة الموجودين في أوروبا.
وجاء في بيان مشترك لوزارتي الداخلية والخارجية أن “المغرب مستعد للتعاون كما فعل دائما مع الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي من أجل تسوية هذه المسألة”.
ويأتي هذا الإعلان في وقت تفجرت فيه أزمة هجرة بين المغرب وإسبانيا بسبب غياب التنسيق الأمني بين الطرفين إثر الخلاف حول استقبال مدريد لزعيم جبهة البوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي.
ويؤكد متابعون أن المغرب ملتزم بدوره في قضية الهجرة غير الشرعية وطريقة تعاطيه مع ملف القاصرين بشكل خاص وهو محل ثقة دولية في هذا الإطار، خاصة أنه كان دائما ملتزما بمبادئ حقوق الإنسان في ما يتعلق بمصلحة القاصرين، ويحترم مبادئ المنظمة العالمية للهجرة التي ربطت شرعية إعادة قبول أو ترحيل هذه الشريحة العمرية بمبدأ المصلحة الفضلى للطفل.
ويشير نوفل بوعمري المحامي والمحلل السياسي إلى أن “العديد من الدول تعي الدور الكبير للمغرب في هذا المجال، لذلك فهي لم تكن لتنجرّ إلى معركة خاسرة تكون رحاها قضية الهجرة والقاصرين غير النظاميين المتواجدين بأوروبا”.
وأضاف بوعمري في تصريح لـ”العرب” أنه “انطلاقا من هذا الدور كانت هناك إشادة بالمغرب وتنويه بالعمل الكبير الذي يقوم به في هذا الإطار وهو ما سيؤدي إلى عزل مختلف الأطراف التي تريد جر أوروبا إلى حرب مع المغرب يكون موضوعها الهجرة، انطلاقا من هذه الإشادات الدولية والإقليمية”.
ورأى أن “قرار العاهل المغربي بعودة واستقبال جميع القاصرين الذين يتواجدون في أوروبا بشكل غير نظامي وغير قانوني جاء لإنهاء أية محاولات لاستغلال ملف القاصرين من طرف بعض الأطراف في أوروبا التي تريد استغلال هذا الملف لخلق حالة تجاذب مع المغرب في ما يتعلق بموضوع الهجرة السرية”.
ويعتقد بوعمري أن قرار الملك محمد السادس، بالإضافة إلى طابعه الإنساني، له بعد يتعلق بالالتزام المغربي لتسوية وضعية الأطفال القاصرين الغير النظاميين بأوروبا وهو التزام أدى بالعديد من الدول الأوروبية إلى الإشادة به والتأكيد على الدور المغربي في مجال محاربة الهجرة والتزامه المسؤول مع أوروبا في هذا المجال.

وأوضحت الرباط أن التأخيرات التي لوحظت في تنفيذ هذا التعاون مرتبطة بشكل أساسي بالعوائق بسبب الإجراءات المعقدة في بعض البلدان الأوروبية، مشيرة إلى أن المغرب هو أول بلد معني بدوائر معينة من المجتمع المدني، وحتى الشبكات الإجرامية التي تستخدم الظروف المحفوفة بالمخاطر للقصر كذريعة لاستغلالهم.
وعلى غرار الموقف الفرنسي أشاد تجمع دول الساحل والصحراء بقرار العاهل المغربي القاضي بتسوية نهائية لقضية القاصرين المغاربة غير المصحوبين الموجودين في وضعية غير نظامية ببعض الدول الأوربية.
وأوضح في بيان أنه باتخاذه هذا القرار “يعزز الملك محمد السادس بشكل أكبر الالتزام الراسخ للمملكة المغربية بإعادة القاصرين غير المصحوبين الذين تم تحديد هوياتهم على الوجه الأكمل”.
وكان المغرب قد وقع مجموعة من الاتفاقيات مع بلدان الاتحاد الأوروبي من أجل ترحيل القصر المغاربة غير المصحوبين، وهي فرنسا وإسبانيا والبرتغال وألمانيا وإيطاليا ومالطا.
وتنص الاتفاقيات على حق الطفل في الحفاظ على هويته بما في ذلك جنسيته واسمه وصلاته العائلية، كما أن المادة السابعة من الاتفاقية المغربية – الإسبانية تنص على التزام مهم يجب أن يتم ضمانه حيث “يمول الطرف المتعاقد الإسباني إجراءات حماية القصّر غير المصحوبين وإعادتهم إلى أوطانهم وسيساهم في التمويل المشترك لإجراءات الوقاية”.
وتأمل المملكة المغربية أن يتمكن الاتحاد الأوروبي والدول المعنية من تجاوز القيود الإجرائية لتسهيل هذه العملية، معبرة عن أسفها مرة أخرى لاستخدام قضية الهجرة، بما في ذلك قضية القصر غير المصحوبين بذويهم، كذريعة للالتفاف على الأسباب الحقيقية للأزمة السياسية الحالية مع إسبانيا التي تعرف أصولها وأسسها.
ورحب تجمع دول الساحل والصحراء بالإجراءات التي اتخذتها المملكة لتعزيز التشاور والحوار مع البلدان الأوروبية والاتحاد الأوربي بهدف التوصل إلى تسوية إنسانية وسريعة لوضعية القاصرين، وذلك طبقا لالتزامات وأطر الشراكة، لاسيما الحوار الأوروبي – الأفريقي حول الهجرة والتنمية (مسلسل الرباط)، والحوار بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا، والشراكة الأورو – متوسطية، والحوار 5 + 5، والمنتدى العالمي حول الهجرة والتنمية.
واعتمدت المملكة في سنة 2013 الإستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء التي مكنت من تسوية وضعية الآلاف من مهاجري جنوب الصحراء على التراب المغربي بين سنتي 2014 و2020.
وأكد تجمع دول الساحل والصحراء أنه في ضوء كل هذه الإجراءات، وبفضل الانخراط الشخصي للملك محمد السادس، استعان الاتحاد الأفريقي بمرصد أفريقي للهجرة تم إنشاؤه بالرباط سنة 2020.
