ترامب وبوتين وجينبينغ.. هل يعود العالم إلى نظام يالطا جديد

عندما جلس ستالين وتشرشل وروزفلت في يالطا عام 1945، لم يكونوا مجرد قادة لدول متحاربة، بل كانوا مهندسي نظام عالمي جديد وخرائط نفوذ ستدوم لعقود. اليوم، بعد نحو 80 عاما، يبدو أن العالم يتجه نحو صفقة كبرى أخرى، ولكن هذه المرة على الطاولة ثلاثة لاعبين مختلفين، دونالد ترامب وفلاديمير بوتين وشي جينبينغ.
السؤال الذي يطرح نفسه، هل نحن أمام إعادة تشكيل النظام الدولي؟ وهل يمكن أن نشهد "يالطا جديدة" تحدد مستقبل العالم لعقود قادمة؟
مع فوزه بولاية ثانية، يعيد ترامب رسم السياسة الخارجية الأميركية وفق نهج أكثر براغماتية، أقرب إلى ما يراه "صفقة" وليس تحالفات طويلة الأمد. لقد أظهر في ولايته الأولى ميولًا إلى الانسحاب من التعهدات التاريخية للولايات المتحدة، وكرر مراراً أن واشنطن لا يجب أن تدفع ثمن الدفاع عن حلفائها دون مقابل، في هذا السياق يمكننا توقع سيناريو يتفاوض فيه ترامب على صفقة كبرى مع روسيا والصين، هدفها ليس تعزيز الديمقراطية، بل تحقيق "السلام من خلال التوازن الجديد للقوى."
بالنسبة إلى فلاديمير بوتين، فإن أي "يالطا جديدة" ستكون فرصة ذهبية لتصحيح ما يسميه "أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين"، أي انهيار الاتحاد السوفييتي، إذا تراجعت الولايات المتحدة عن دعم أوكرانيا، فقد تتمكن روسيا من فرض شروطها على أوروبا الشرقية، وربما التفاوض على مناطق نفوذ جديدة تتجاوز أوكرانيا نحو دول البلطيق والبلقان.
◄ إذا تحقق هذا السيناريو فسنكون أمام عالم جديد تماما الولايات المتحدة فيه مجرد لاعب بين عدة لاعبين وربما لا تكون هذه "يالطا جديدة" لكنها بالتأكيد لحظة إعادة توزيع النفوذ العالمي
لكن بوتين لن يتوقف عند أوروبا، بل قد يطالب بقبول النفوذ الروسي في الشرق الأوسط، حيث يثبت الكرملين وجوده من سوريا إلى ليبيا، وفي ظل تراجع الدور الأميركي في المنطقة قد نشهد اعترافاً ضمنياً بسيطرة موسكو على مناطق كانت خاضعة سابقًا للنفوذ الأميركي.
أما الصين فهي اللاعب الذي ينتظر اللحظة المناسبة لإعادة ترتيب النظام العالمي لصالحه، وإذا قدم ترامب تنازلات لروسيا فقد تطالب بكين بما يعادلها في آسيا. هل تصبح تايوان الثمن الذي تدفعه واشنطن في صفقة يالطا الجديدة؟
تحت قيادة شي جينبينغ تسعى الصين إلى ترسيخ نفسها كقوة عظمى بلا منازع في آسيا والمحيط الهادئ، وقد يتم الاتفاق ضمنياً على تقليص الوجود الأميركي في المنطقة، مقابل تعاون اقتصادي أوسع بين بكين وواشنطن، يمنح الصين حرية الحركة لبسط نفوذها على جيرانها.
إذا تحقق هذا السيناريو فقد نرى ملامح عالم مختلف تمامًا. أوروبا ستضطر إلى التعامل مع روسيا كجار قوي، وربما تعقد بعض الدول الأوروبية صفقات أمنية منفردة مع موسكو لضمان استقرارها. والشرق الأوسط قد يشهد نظاما جديدا تتشارك فيه القوى الإقليمية (تركيا، إيران، السعودية) إدارة أمن المنطقة بعيدا عن التأثير الأميركي المباشر. وآسيا قد تصبح مجالاً للنفوذ الصيني، حيث يتم استبدال الهيمنة الأميركية السابقة بنظام جديد تقوده بكين.
نعم، هناك عدة عوامل قد تعيق قيام "يالطا جديدة"، المعارضة الداخلية في الولايات المتحدة قد تكون عائقًا، فحتى لو أراد ترامب إبرام هذه الصفقات، فإنه سيواجه مقاومة من البنتاغون والكونغرس، وحتى داخل الحزب الجمهوري، والخلافات الروسية - الصينية قد تلعب دورا أيضا؛ فرغم تقاربهما، فإن موسكو وبكين ليستا حليفتين بشكل مطلق، وهناك تنافس خفي على النفوذ في آسيا الوسطى وموارد سيبيريا. وأوروبا وآسيا قد تتحركان لمقاومة هذه الصفقة، فالتحالفات الإقليمية قد تتغير، واليابان وكوريا الجنوبية قد تسعيان لإيجاد توازن جديد أمام تصاعد النفوذ الصيني.
إذا تحقق هذا السيناريو، فنحن أمام عالم جديد تماما، حيث لم تعد الولايات المتحدة القائد الأوحد، بل مجرد لاعب بين عدة لاعبين كبار. ربما لا تكون هذه "يالطا جديدة" بالمفهوم الكلاسيكي، لكنها بالتأكيد لحظة إعادة توزيع النفوذ العالمي.
السؤال الأهم الذي يجب أن نطرحه الآن، هل نحن مستعدون لعالم ما بعد أميركا؟