ترامب: قريب من تركيا، بعيد عن إيران، أم العكس
تعاظم تأثير إيران وتركيا في المشهد العربي – والشرق أوسطي إلى حد ما- خلال ولايتي الرئيس باراك أوباما إلى درجة أنّ البلدين لم يعودا يخفيان اشتراطاتهما بشان مجريات الأحداث في المنطقة، بل باتا يفرضان تعاطيهما السياسي المرتبط، بلا تحفظ، بمصالحهما الإقليمية والداخلية على المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
وفي هذا الواقع قد تتطلع المنطقة العربية إلى موقف أميركي مختلف من القوتين، من خلال تعاملهما مع الملفات العربية العالقة ومنها العراق والأكراد وداعش وسوريا واليمن وليبيا إلى حد ما، فيما قد تتطلع مصر إلى موقف يحسم التدخل التركي الخشن في شؤونها، وربما تنتظر إسرائيل -القوة النووية الوحيدة في المنطقة – من إدارة الرئيس ترامب موقفا أكثر حسما في قضية الملف النووي الإيراني، ومن مواقف أردوغان الداعمة لحماس.
لكن كل هذا كما يبدو لا يشغل إدارة الرئيس ترامب المقبلة، فحساباتها تدور في فلك مصالح الدولة العظمى فحسب، وقد كشف عن ذلك في وقت مبكر وليد فارس، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في أول تصريح له عقب فوز الأخير برئاسة الولايات المتحدة، حين قال “ترامب سيمرر مشروع اعتبار الإخوان المسلمين جماعة إرهابية”، مضيفا أنّ “المشروع ظل معلقا داخل الكونغرس لعدة أعوام بسبب عدم تصديق البيت الأبيض عليه، نظرا لأن الرئيس الأميركي باراك أوباما كان يدعمهم”، وهو تصريح يثير الكثير من الأسئلة حول أدارة أوباما، فإذا كانت هذه الإدارة تدعم فعلا الإخوان المسلمين فإنّ مواقفها من التنظيمات والحركات القريبة من الإخوان ستدور في نفس الفلك.
ومضى المستشار الأميركي لبناني الأصل وليد فارس إلى القول إنّ “ترامب يرى أن الإخوان المسلمين من أخطر الجماعات التي تغذي الفكر المتطرف. لذا، فهو يريد توجيه ضربة عسكرية للتنظيمات الإخوانية وليس احتواءها سياسيا، مثلما فعل أوباما وهيلاري كلينتون”.
والحديث عن ضربة عسكرية للتنظيمات الإخوانية قد يشمل تركيا التي يحكمها أردوغان وحزبه الإسلامي وإلا هل يتوقع المراقب أن تضرب الولايات المتحدة قواعد الإخوان في السودان أو في مصر أو في ليبيا أو في تونس؟ وإذا أخذنا بنظر الاعتبار الجدل الدائر حول موقف تركيا الحقيقي من تنظيم الدولة الإسلامية وهي التي يتهمها الكثيرون بدعم داعش وتسهيل مرور عناصره إلى العراق وسوريا، ومواقفها من الأزمة السورية فإنّ أول تصريحات الإدارة الأميركية تبدو قوية للغاية وتعلن- إن صحت- عن منعطف سياسي حاد في المنطقة، حيث أشار فارس إلى أنّ لدى ترامب خطة ستنفذ بالتعاون مع الدول العربية لضرب داعش ومواجهة الأخطار الخارجية، خاصة التنظيم في سوريا والعراق وليبيا، مؤكدا أنّه سيكون هناك اتفاق روسي أميركي لحل الأزمة ولن يتم تقسيم سوريا، داعيا إلى إشراك كافة القوى السورية في المفاوضات، حسبما نقلت عنه شبكة روسيا اليوم الرسمية المملوكة للدولة.
لكن وسائل الإعلام الغربية الأميركية تبدو مهتمة بموقف مغاير من تركيا، مركزة على ما تريده تركيا من الولايات المتحدة بشكل عاجل، وهو تسليم الزعيم الإسلامي المعارض فتح الله غُولن المتهم بالتآمر على نظام أردوغان. وفي هذا السياق نقلت صفحة بوليتيكو الأميركية الأوروبية عن الجنرال ميشائيل فلين المرشح لمنصب أمني هام في إدارة الرئيس ترامب وصفه لغُولن بالقول “إسلامي مشبوه”، مشبها إياه بقادة الاِخوان المسلمين وبالخميني. وأكد فلين بالقول “تحشيدنا عسكريا ضد تركيا أمر غير مطروح حاليا فهي حليفتنا في الناتو، كما أنّ واشنطن تبدو مخدوعة بمصدر الإرهاب المستقر في هدوء وراحة بحديقتنا في بيته ببنسلفانيا”.
هذا التعليق بأوصافه الحادة أثار سرور الأوساط الدبلوماسية التركية، وقد علّق دبلوماسي كبير في السفارة التركية بواشنطن عليه بالقول “من دواعي بهجتنا أنّ أحد أكبر مستشاري الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مدرك للخطر الذي يمثله فتح الله غولن”. في ما يخص إيران، وفي ظلّ تعاظم الاِستقطاب الطائفي في المنطقة العربية وفي الشرق الأوسط والذي يعزوه الكثير من الساسة والمحللين إلى إيران، أطلق وليد فارس تطمينات في هذا الخصوص، مشيرا إلى أنّ “الإدارة الجديدة بالبيت الأبيض ستعمل أيضا على إبقاء حزب الله في لبنان على لائحة التنظيمات الإرهابية”.
لكنّ المسؤول الأميركي الرفيع أكد في نفس الوقت أنّ “الرئيس الجديد يتطلع إلى إقرار السلام في منطقة الشرق الأوسط، وأنه سوف يقف في منتصف الطاولة بين الفلسطينيين والإسرائيليين”، وهو ما يُقرأ سياسيا بأّنّه تطلع الإدارة الجديدة إلى موقف عربي حاسم بشأن قضية الدولتين لتقوم الإدارة الأميركية بتصفية ملف حزب الله وما شابهه من تنظيمات. في نفس السياق، تبدو الدوائر الأميركية المقرّبة من ترامب والحزب الجمهوري مهتمة إلى حد كبير بإلغاء الاتفاق النووي، الذي يعتبرونه مصدر قلق مستمر للإدارة الأميركية وصفقة خاسرة استفادت منها طهران وتضرر منها العالم الغربي دون ضمانات.
لكن على المراقب ملاحظة موقف ترامب في هذا الشأن الذي يتناغم مع مواقف الجمهوريين في الكونغرس بشأن الاتفاقية بشكلها الراهن. فالجمهوريون يعدونها مكافأة لإيران التي احتجزت الدبلوماسيين الأميركيين في طهران لمدة 444 يوما وأسقطت بذلك الرئيس جيمي كارتر، علاوة على ما فعلته قبل أشهر حين احتجزت زورقا حربيا أميركيا في مياه الخليج وأذلّت طاقمه وعرضت عناصره جالسين على الأرض بوضع الأسرى على شاشات التلفزة، إضافة إلى مواقفها العدوانية في سوريا واليمن التي تتحدى الوجود الأميركي وقوته في المنطقة.
عدم وضوح موقف ترامب من الاتفاق النووي أثار قلق الإيرانيين، حيث سارع الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى القول، في مقابلة بثتها قناة التلفزة الأولى المملوكة للدولة، “تفهم إيران أنّ الاتفاق النووي لم يُعقد مع دولة أو حكومة واحدة، بل عُقد بإشراف الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ومن غير الممكن أن تُغيره حكومة واحدة”.
وسط هذه الضبابية التي تعم المشهد الأميركي وتعقيدات الوضع في المنطقة العربية، وعلى وجه الخصوص تشابك المصالح الإيرانية التركية والسياسات العربية الخائفة من التيارات الاسلامية المتشددة والسياسات الداعمة لها والسياسات المعادية لها، وظهور مناطق حائرة قد تكون مستقبلا دولا في غرب العراق وشماله وشرق سوريا وشمالها، وربما في جنوب شرق تركيا وشمال غرب إيران كتب جون بولتون سفير الولايات المتحدة الأسبق في الأمم المتحدة مقال رأي نشرته صحيفة نيويورك بوست يوم 13 نوفمبر 2016 جاء فيه “وسط الخراب الذي عم المنطقة طيلة السنوات الثماني الماضية تنتظر إسرائيل وأصدقاء أميركا من العرب ظهور رئيس أميركي يفهم حقا من هم أصدقاؤه في المنطقة”.
وخلص إلى القول “أول خطوة تطمئن الجميع وتعيد الأوضاع إلى نصابها في المنطقة ستكون قيام الرئيس ترامب بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، ومع أنّ إجراء كهذا سيلزمه المزيد من الجهد الدبلوماسي لتوضيحه وتبريره، ولكنه سيرسل إلى الجميع عبر العالم رسالة لن يُساء تقديرها”.
كاتب عراقي