ترامب، رجل الأعمال الذي امتهن السياسة

بعد أن فرض على إسرائيل وحماس التوصل إلى اتفاق ينهي الصراع مهددًا بتحويل المنطقة إلى جحيم في حال فشل تنفيذ الاتفاق، يعود رجل الأعمال والعقارات دونالد ترامب، الذي أصبح رئيسًا للولايات المتحدة للمرة الثانية، ليقول “هذه ليست حربنا بل حربهم،” متوقعًا عودة القتال من جديد.
ولم يكن مفاجئًا أن يصف رجل يتحدث بلغة الربح والخسارة غزة بـ“موقع هدم ضخم”.
لا نعرف بالضبط ما هي الصورة التي رسمها ترامب في خياله وهو يتابع وصف قطاع غزة قائلًا “يمكن القيام ببعض الأمور الجميلة هناك. الساحل مذهل، والطقس والموقع رائعان.. يمكن تحقيق بعض الأشياء الرائعة في غزة. يمكن تحقيق بعض الأشياء الجميلة في غزة.”
على الأرجح الصورة التي ارتسمت في مخيلة ترامب تشبه بشكل أو بآخر صورة لاس فيغاس، ولكن بموقع أكثر أهمية، في قلب العالم، وعلى بعد مسافة قصيرة من روما وباريس وإسطنبول. ومهما كانت الصورة، بالتأكيد ليست لها علاقة بالمعاناة والمآسي التي يتعرض لها أهل غزة.
◄ في طليعة الزعماء الأوروبيين الذين عبروا عن قلقهم وخشيتهم هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي دعا أوروبا إلى “الاستيقاظ” وزيادة الإنفاق على الدفاع من أجل تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة
وما إن انتهى خطاب التنصيب حتى جلس ترامب إلى طاولة على المنصة وشرع في توقيع أوامر تنفيذية، شملت إلغاء 78 قرارًا إداريًا وتنفيذيًا من عهد جو بايدن، ورفع عقوبات على عدد من المستوطنين الإسرائيليين اليمينيين المتطرفين بسبب تورطهم في أعمال عنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، في إشارة يخشى كثيرون أن تمهد الطريق أمام بنيامين نتنياهو لإكمال ما بدأه، بعد اكتمال تبادل الرهائن.
هذا لم يمنع ترامب من تأكيد أنه يريد أن يترك إرثًا كـ“صانع سلام وموحد”، واصفًا فترة ولايته المقبلة كرئيس بأنها ستكون “أعظم أربعة أعوام في التاريخ الأميركي،” ومؤكدًا أن “عصر الولايات المتحدة الذهبي بدأ الآن،” وأن “مرحلة أفول الولايات المتحدة انتهت.”
وفي تعهدات رأى فيها العالم تهديدات بشن حرب ضرائب على مستوى العالم، تعهّد ترامب بتجديد النظام التجاري الأميركي، قائلًا “بدلًا من فرض ضرائب على مواطنينا لإثراء دول أخرى، سنفرض رسومًا جمركية وضرائب على دول أجنبية لإثراء مواطنينا.”
وكان ترامب قد تعهد قبل استلام مهامه بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المئة على جميع الواردات من كندا والمكسيك. وتعهد كذلك بفرض رسوم جمركية لا تقل عن 10 في المئة على جميع السلع الواردة إلى الولايات المتحدة.
واقترح فرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المئة أو أكثر على جميع الواردات الصينية، وهي رسوم تفوق بكثير الرسوم التي فرضها في ولايته الأولى. وفاجأ العالم بانسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس للمناخ.
◄ هناك بين الأوروبيين من احتفل ورحب بعودة ترامب، ومنهم رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان
وسعى ترامب، الذي اكتست ملامح وجهه خلال مراسم التنصيب وبعدها تعابير قاسية وجادة، إلى إيصال رسالة مفادها أنه يعني كل كلمة قالها.
أول من وصلتهم الرسالة هم زعماء أوروبيون أكدت تصريحات صادرة عنهم أنهم يتعاملون مع كل كلمة قالها ترامب ومع كل قرار وقع عليه بجدية.
بعد برقيات التهنئة التي حفلت بالمجاملات والتذكير بالعلاقات الجيدة التي تربط بلادهم مع الولايات المتحدة، تبخرت مشاعر الفرح، التي لم تكن موجودة بالأصل، وجاءت مرحلة التفكير.
في طليعة الزعماء الذين عبروا عن قلقهم وخشيتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي دعا أوروبا إلى “الاستيقاظ” وزيادة الإنفاق على الدفاع من أجل تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة. وأشار إلى التغييرات المتوقعة في سياسة واشنطن الخارجية، وخاصة ما يتعلق بالحرب الدائرة في أوكرانيا، قائلًا إنها “فرصة لدعوة إيقاظ إستراتيجية أوروبية.”
وتساءل ماكرون “ماذا سنفعل في أوروبا غدًا إذا سحب حليفنا الأميركي سفنه الحربية من البحر الأبيض المتوسط؟”
◄ ترامب وقع أوامر تنفيذية، شملت إلغاء 78 قرارًا إداريًا وتنفيذيًا من عهد جو بايدن، ورفع عقوبات على عدد من المستوطنين الإسرائيليين اليمينيين المتطرفين بسبب تورطهم في أعمال عنف ضد الفلسطينيين
نفس الدعوة إلى ضرورة الاستيقاظ جاءت على لسان وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، ولكن لأسباب، حيث دعت زعماء أوروبا إلى تبني رد فعل واثق في مواجهة إعادة توجيه محتملة للسياسة الأميركية تجاه الصين.
وقالت بيربوك إنه يتعين على أوروبا أن توضح “ما ندافع عنه ومع أي شركاء نتعامل في العالم. هذا يعني أيضًا أننا (كأوروبيين) لن ندع أنفسنا نتمزق بين الولايات المتحدة والصين، بل سنعرف أنفسنا كأوروبيين.”
ودون ذكر ترامب بالاسم، حذرت بيربوك الأوروبيين من فقدان التوازن “خاصة في هذه الأوقات التي يتم فيها إطلاق التغريدات بسرعة.” وقالت الوزيرة إن أوروبا بسوقها الداخلية التي تضم 450 مليون مواطن، تكفي لمنحنا الثقة حتى “لا نسمح لأحد بأن يهددنا أو يبتزنا.”
ولكن هناك بين الأوروبيين من احتفل ورحب بعودة ترامب، ومنهم رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، كما أن قادة اليمين المتطرف في ألمانيا وهولندا وصربيا يرون في عودة ترامب دعمًا لمواقفهم وسياساتهم.
إلى جانب التصريحات حول السلام في الشرق الأوسط وفرض الضرائب على الشركات الأجنبية، صدرت عن ترامب تصريحات كثيرة طالت بنما وغرينلاند والمكسيك وكندا وروسيا وأوكرانيا والصين وإيران وإسرائيل.. بالكاد استثنت أحدًا.
هل نفهم من هذا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن الحرب على العالم؟ أم هو، مثله مثل جميع رجال الأعمال، يحاول رفع مستوى المطالب، ليخرج من الصفقة بأكبر ربح ممكن؟