تراجع الحضور الرسمي يواكبه انتشار لمطربي المهرجانات في مصر

حظر نقابة الموسيقيين لبعض الأسماء أثّر إيجابًا على ذيوع الأغاني الشعبية.
الثلاثاء 2023/06/06
أغاني وسلوكيات تسهم في تدهور الذوق العام

بينما تبدي دول عربية اهتماما بالفن والتراث الموسيقي المصري يشهد الذوق العام في مصر تغيرا كبيرا، حيث ازداد انتشار أغاني المهرجانات في حين تراجعت بقية الأنماط الموسيقية، وذلك على الرغم من جهود نقابة الموسيقيين التي تبدي تشددا في التعاطي مع مغني المهرجانات وتبذل جهودا في تنظيم القطاع وإخضاعه لضوابط فنية وأخلاقية.

القاهرة- استعد مطربون مصريون لبدء الموسم الصيفي بطرح عدد من الأغاني الجديدة، في حين استمرت مشاركتهم في حفلات تقام داخل مصر وخارجها وتراجع حضور مطربي المهرجانات تأثرا بأزمات نشبت مع نقابة الموسيقيين منذ أن تم حظرهم من الغناء، مرورا بقرارات استثنائية اتخذها النقيب الحالي مصطفى كامل منحهم بموجبها تراخيص ما يسمى بـ”الأداء الصوتي” مع وضع محاذير أثرت سلبا على تواجدهم الرسمي.

وطرح الفنان أحمد سعد مؤخرا أغنية “فوق واتعلم”، وهو أول تعاون فني له على مستوى الكلمات مع المستشار تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه في السعودية.

وأطلق المطرب هيثم شاكر أغنية “البصة”، وقدم المطرب حمادة هلال أغنية “متحملاني”، وعادت كارمن سليمان بعد غياب بأغنية “أنت الأصيل”، وطرح محمود العسيلي أغنية “خطير”، ويستعد مصطفى كامل لطرح أغنية “كله كدب”.

حنان شومان: مواقع التواصل أصبحت سوقا رائجة لمؤدي المهرجانات
حنان شومان: مواقع التواصل أصبحت سوقا رائجة لمؤدي المهرجانات 

وأوقعت نقابة الموسيقيين أخيرا عقوبة جديدة على مؤدي المهرجانات “مسلّم” بسبب مشاركته في أغنية “إمبابة أجمل من باريس” التي قام بتأديتها مع الفنان أحمد الفيشاوي ضمن فيلم “رهبة” المعروض حاليًا في دور العرض السينمائية بمصر.

وأرجعت النقابة ذلك إلى عدم التزامه بقرارها السابق الذي يقضي بوقفه عن العمل وعدم حضوره جلسة تحقيقات كان من المقرر أن تنعقد له لعدم التزامه بشروط مراجعة الكلمات.

فضائح ومهرجانات

هيمنت الأزمات التي دخل فيها مطربو ومؤدو المهرجانات مؤخرا على نشاطهم الفني، إذ كانت قضية الخلافات بين حسن شاكوش وزوجته بعد أيام قليلة من عقد قرانه طاغية على اهتمامات قطاعات كبيرة من المواطنين، وأعقبها إلقاء القبض على مطرب المهرجانات “السادات” بعد ضبطه متلبسًا بممارسة الجنس وحيازة مخدرات.

وتصدر عدد من نجوم الطرب المصريين الحفلات الغنائية مع بدء فصل الصيف، سواء أكان ذلك على المستوى المحلي أو العربي، وتراجع حضور مطربي المهرجانات في الحفلات الرسمية، غير أن أرقام المشاهدات على المنصات الرقمية آخذة في التصاعد.

وكانت الأشهر الماضية شاهدة على ظهور مطربين جدد بخلاف المطربين المشاهير، ما يشير إلى وجود حالة من الحراك الفني تدور رحاها على بعض المنصات الرقمية وداخل قاعات الأفراح والحفلات الشعبية، وإن لم يكونوا حاضرين فيها بشكل حقيقي فإن الكثير من أغانيهم تحقق انتشارا واسعًا.

ولم يعد بروز مطربي المهرجانات المشهورين في مصر مقتصرا على المناطق الشعبية أو التي يمكن وصفها بأنها عشوائية، إذ أن بعض المطربين الذين يحظون بانتشار واسع في مناطق حضورهم تراجعوا بشكل كبير لصالح هيمنة أغاني المهرجانات على الذوق العام.

وقالت الناقدة الفنية حنان شومان إن الحفلات الرسمية هي الوسيلة الأخيرة التي يبحث عنها المطرب لتحقيق الانتشار، وإن مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الغنائية التي تتطور سريعا أضحت سوقًا رائجة لمؤدي المهرجانات الذين استطاعوا تثبيت أقدامهم من خلالها، ولم يعد هناك التزام كبير بما تقره النقابة من إجراءات واشتراطات للغناء، وثمة واقع يشير إلى وجود ألوان عدة من أغاني المهرجانات تحظى بشعبية في أوساط الشباب.

وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن “حظر النقابة لمؤدي المهرجانات أثر إيجابًا على انتشار المطربين وأغانيهم واستطاعوا حصد قدر كبير من التعاطف الشعبي معهم، وذهب الجمهور إليهم اعتراضا على موقف نقابة الموسيقيين التي حاولت لعب دور حارس الفضيلة، وهو ما أدركته جهات رسمية وانعكس على قرارات النقيب مصطفى كامل الذي سعى لمنحهم قدرا من الحركة، مصحوبًا ببعض إجراءات التضييق عليهم”.

حسن سلامة: الاهتمام بالتراث الموسيقي خير وسيلة لتحسين الذوق العام
حسن سلامة: الاهتمام بالتراث الموسيقي خير وسيلة لتحسين الذوق العام 

وحدد نقيب الموسيقيين عددا من الشروط التي يجب أن تتوافر في مطربي شعبة “مؤدي الصوت” (المهرجانات سابقا)، أهمها أن تخضع كلمات الأغاني الخاصة بهم للرقابة، وعدم تضمنها ألفاظا خادشة للحياء أو إيماءات جنسية، وضرورة الالتزام بوجود فرقة موسيقية مصاحبة لأي فنان مكونة من 12 عضوا عاملا.

وتضمنت الشروط التعهد، في حال السفر إلى الخارج للقيام بأعمال فنية، بعدم مخالفة قوانين ولوائح النقابة والالتزام بالبنود، وإلا سيتعرض المخالف لغرامة مالية، ثم الإيقاف عن العمل، وفي نهاية المطاف إلغاء التصاريح بشكل نهائي لا رجعة فيه.

وأشارت حنان شومان في حديثها لـ”العرب” إلى أن “القرارات الرسمية تصطدم بواقع لا بد أن يقره الجميع، يتمثل في أن موسيقى المهرجانات هي الأكثر تماشيًا مع حالة ارتباط الغناء بالرقص وحركة الجسد، وهو أمر مستقر في ثقافة الجمهور، عكس ما كان سائدا، وهو ما يجعل نوعية أغاني المهرجانات التي تمت الاستعانة بها لإحياء حفلات الزفاف في بعض المناطق الشعبية هي ذاتها الحاضرة في حفلات الزفاف في المناطق الراقية، وتساوت الأذواق إلى حد كبير، ما يعني أن هناك فرصا عديدة لتطوير ألوان أغاني المهرجانات كي تتوافق مع شعبيتها”.

ودخل مؤدو المهرجانات في نزاع قضائي مع نقابة المهن الموسيقية، وقررت محكمة القضاء الإداري مؤخراً حجز دعوى إلغاء قرار المهن الموسيقية بحظر مطربي المهرجانات، ومنهم حسن شاكوش.

وجاء في الدعوى أن قرار منع المهرجانات انتهاك لحرية الإبداع الغنائي وفرض لأذواق معينة على المستمعين، وتطرقت إلى عدم دستورية مواد قانون نقابة المهن الموسيقية في اشتراطها حمل أعضائها لشهادات علمية أو فرض عقوبة على الفنانين غير المقيدين بالنقابة.

وطالبت الدعوى القضائية بإلغاء القرار الصادر عن نقابة المهن الموسيقية بمنع مؤدي المهرجانات من الغناء في مصر، واختصمت نقيب الموسيقيين، واستندت إلى بطلان قرار المنع لاعتدائه على المشروعية الإدارية والدستورية وتقييده حرية الإبداع الموسيقي، وفرضه لألوان معينة من الغناء والموسيقى على متذوقي الفن.

وبدا واضحًا أن الدخول في معارك قضائية أثر على نشاط مطربي المهرجانات من المشاهير، انتظاراً لما سوف تسفر عنه أحكام القضاء التي قد تفتح الباب أمام تواجدهم على الساحة الغنائية بشكل طبيعي، وأثرت حالة النشاط التي يتمتع بها عدد من نجوم الطرب على سوق الأسطوانات الذي شكل أحد أسباب تراجع حضورهم الرسمي.

تطوير الألوان الغنائية

◙ بعض المطربين الذين  يحظون بانتشار واسع تراجعوا بشكل كبير لصالح هيمنة أغاني المهرجانات
بعض المطربين الذين  يحظون بانتشار واسع تراجعوا بشكل كبير لصالح هيمنة أغاني المهرجانات 

استطاع عدد من المطربين تطوير ألوانهم الغنائية، وقدم بعضهم صخب موسيقى المهرجانات ممزوجا بألحان وكلمات تحمل لونًا تقليديًا انعكس على تقديم أغان حققت انتشاراً واسعًا بعيداً عن المهرجانات التي هيمنت على المحتويات الغنائية الأكثر مشاهدة واستماعًا في السنوات الأخيرة.

وأوضح المسؤول عن أبحاث أغاني الشباب بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (حكومي) حسن سلامة لـ”العرب” أن “مساعي نقابة المهن الموسيقية لضبط الذوق العام لم تسفر عن تراجع حضور أغاني المهرجانات التي تحظى بانتشار في أوساط الشباب، وتعبر أحيانا عن حالة من الحركة المفرطة التي تتماشى مع سلوكياتهم”.

وأكد أن تفاعل الشباب مع أغاني المهرجانات يعبر عن طاقة كامنة بداخلهم أو رفض لبعض الموروثات الثقافية والشعبية، وقد يكون تعبيراً عن هوية لم تكتمل في وجدانهم، وتتماشى مع البيئة المحيطة بقطاعات شعبية واسعة وتردي الأوضاع الاقتصادية والتدهور المجتمعي النسبي والضغوط التي يتعرضون لها وتكون بحاجة إلى حالة من “الانتشاء” تحققها هذه الأغاني.

وأشار إلى أن الكثير من أغاني النشاز التي تقدم على أنها مهرجانات لا يمكن استيعابها أو منعها أيضا، وتكون الوسيلة الأفضل للتعامل معها الارتقاء بالذوق العام والاهتمام بمهرجانات الفنون الشعبية والتراث الموسيقي، مثل مهرجانات الطبول والموسيقى العربية، إلى جانب تفعيل أدوار النقابة لحماية حقوق أعضائها.

ودفع اهتمام هيئة الترفيه السعودية بتسليط الضوء على التراث الموسيقي المصري في اتجاه عدد من المطربين إلى إحياء التراث، واشتركت الفنانة مي فاروق مع المطرب والملحن عمرو مصطفى في تقديم أغنية “افتكرلك إيه”، والتي أثارت جدلاً وكان من المقرر تقديمها بصوت كوكب الشرق أم كلثوم عبر تقنية الذكاء الاصطناعي.

 

14