تذبذب العُملة يضع الحكومة اليمنية أمام امتحان تحسين الأوضاع المعيشية

نجاح الحكومة في الملف المعيشي والاقتصادي يرفع شعبيتها ويجلب لها التأييد في جهود تحرير المناطق من الحوثيين.
الجمعة 2021/01/15
تمهيد ضروري لأرضية العمل

عدن - مثّلت احتجاجات محدودة شهدتها العاصمة اليمنية المؤقتة عدن إثر التراجع الجديد في قيمة الريال اليمني، وما استتبع ذلك من غلاء في أسعار المواد الأساسية، جرس إنذار للحكومة التي تشكلت مؤخّرا بموجب اتفاق الرياض، بشأن ضرورة الإسراع بمعالجة الأوضاع الإنسانية والمعيشية السيّئة في عدن وعدد من المناطق غير الخاضعة لسيطرة المتمرّدين الحوثيين.

ونظرا لما تحقّق بتشكيل تلك الحكومة، التي يرأسها معين عبدالملك، من وحدة لمعسكر الشرعية بالنظر إلى جمعها بين المجلس الانتقالي الجنوبي وقوى أخرى كان المجلس في صدام معها مثل حزب التجمّع اليمني للإصلاح، فقد اتّجهت الأنظار إلى ما يمكن أن تلعبه من دور في إعادة تنشيط جهود تحرير باقي مناطق البلاد الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وعلى رأسها العاصمة صنعاء.

غير أنّ سياسيين وقادة رأي يمنيين، نبّهوا إلى أن هذا الهدف المشروع للحكومة الجديدة، لا يجب أن يكون ذريعة للقفز على واجبات أساسية ومهامّ عاجلة يتعين على الحكومة الاضطلاع بها، وتتمثّل في معالجة الأسباب التي أدّت إلى تهاوي سعر العملة المحلّية، وتدارك ما أصاب الخدمات العامّة من تراجع شديد بلغ حدّ الانهيار التام في بعض المناطق، وكذلك تحسين مستوى الأمن والعمل على بسط الاستقرار وهي مهمّة أساسية في تنفيذ باقي المهام.

وبالنسبة إلى هؤلاء فإن تهاوي قيمة الريال اليمني لم يحدث فقط بسبب ظروف الحرب وجائحة كورونا، ولكنّه أيضا جاء نتيجة تقصير حكومي وسوء إدارة للشأن المالي والاقتصادي.

وتمتلك الحكومة اليمنية الجديدة ميزة العمل انطلاقا من عدن، حيث كان يؤخذ على الحكومة السابقة بُعدُها عن الشأن الحياتي اليومي للسكّان وانفصالها عن مشاغلهم بفعل وجود أعضائها في أغلب الأحيان خارج البلاد.

واضطرّت السلطات المحلية في عدن، الأربعاء، إلى إغلاق محال الصرافة في المحافظة إثر تدهور جديد لقيمة الريال اليمني أمام الدولار. وأثار القرار حالة من الغضب في المدينة، حيث تجمّع محتجون في مديرية المنصورة بالقرب من مقر إحدى شركات الصرافة وأغلقوا الطريق بالإطارات المشتعلة وهتفوا مطالبين الحكومة بوقف موجة الغلاء.

وجاء التراجع الجديد في قيمة الريال اليمني بعد تعافيه نسبيا ولفترة محدودة من التراجع الذي كان قد شهده خلال ديسمبر الماضي وخلّف أثرا في المعيش اليومي للسكان بما سببّه من ارتفاع حادّ في أسعار المواد الأساسية. وقد أثار ذلك غضب سكان بعض مناطق الجنوب اليمني الذين تظاهروا حينها في المكلا مركز محافظة حضرموت، وفي عدن، وفي الحوطة مركز محافظة لحج، وفي تعز غربا.

وقال أحد سكان عدن إنّ وجود حكومة شراكة تعمل من عدن يضع مسؤولية تحسين الأوضاع المعيشية على جميع الأطراف المشاركة فيها، ويزيل الذرائع التي كانت مطروحة سابقا بشأن عدم تمكّن الجهاز الحكومي من وزراء وإداريين من ممارسة مهامهم على الأرض، حيث كانت غالبيتهم مقيمة خارج البلاد.

وبعد أسابيع من تشكيلها، بدأت الحكومة اليمنية مناقشة برنامجها العام الذي من المقرر أن تعرضه على البرلمان من أجل نيل الثقة خلال الفترة القريبة القادمة.

وشدد رئيس الوزراء معين عبدالملك خلال اجتماع خصّص لمناقشة برنامج الحكومة على ضرورة أن تكون خطة وبرنامج الحكومة غير تقليدية وواقعية وتتواكب مع طبيعة التحديات الماثلة.

وأقر الاجتماع أولويات الحكومة في مقدمتها استكمال إنهاء “الانقلاب الحوثي” واستعادة الدولة وتطبيع الأوضاع في العاصمة المؤقتة عدن والمحافظات المحررة وتحسين الخدمات وانتظام الرواتب.

ولا يخلو تقديم مهمة تحرير الأرض من سيطرة الحوثيين من إشكال في نظر عدد من اليمنيين، يرون أن في ذلك نوعا من القفز على المهام الواقعية إلى هدف يُفترض أن يتأسس على تحسين أوضاع المناطق التي سيشارك سكانها في أعباء التحرير ويمثّلون خزّانه البشري، وفي ضمان أمن تلك المناطق واستقرارها.

ويقول سياسي يمني متحدّثا من عدن إنّ “هناك مشكلة أولويات في أجندة الحكومة اليمنية”، معتبرا “أن معالجة أوضاع السكان يجب أن تتقدّم على استئناف جهود تحرير المناطق من الحوثيين التي يجب أن تكون مدروسة بعناية وأن يتمّ توفير وسائلها البشرية والمادية تحصينا لها من الانتكاس”.

ويعد موضوع تحسين قيمة العُملة وضمان استقرارها من أبرز هموم المواطنين الذين باتوا يعيشون معاناة كبيرة جراء ارتفاع الأسعار.

ويقول المواطن نصير السامعي لوكالة الأنباء الألمانية “إنه ينبغي على الحكومة الجديدة أن تعمل من أجل الوطن أجمع وأن تنظر بعين الرحمة للمواطنين الذين باتوا يتجرعون ويلات غلاء الأسعار وضعف الحالة المعيشية”.

ويضيف “المواطن اليمني ملّ من الوعود، لذا لن نصدق أي وعود حكومية قادمة. فقط سنرى ماذا سيحصل في الواقع”، مؤكّدا قوله “ما نريده هو عودة الأسعار كما كانت قبل اندلاع الحرب، وذلك عن طريق تحسين سعر صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية، الذي تراجع بشكل كبير خلال الفترة الماضية”.

ويلفت السامعي إلى أن نجاح الحكومة في الملف المعيشي والاقتصادي يجعلها محل احترام وتقدير من قبل جميع اليمنيين، ما يؤدي في النهاية إلى تأييدها في تحرير بقية المحافظات من الحوثيين وتعزيز كافة الجوانب الأمنية.

3