تدفق الأخبار الكاذبة زاد من قوة انفجار مرفأ بيروت

انفجار مرفأ بيروت دفع اللبنانيين إلى الخروج في تظاهرات مطالبة برحيل الطبقة السياسية كاملة. 
الخميس 2020/08/13
الأكاذيب تتهاوى أمام الحقيقة المرّة

بيروت - منذ اللحظات الأولى التالية لانفجار بيروت، وفيما كان اللبنانيون لا يزالون تحت هول الصدمة والعشرات منهم تحت أنقاض المرفأ والأحياء المجاورة، غزت الأخبار الكاذبة مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف اللغات، سواء لتعزيز موقف سياسي أو تحليل أمني، أو لمجرّد جذب التفاعلات على منشورات غير صحيحة توظّف تعاطف المستخدمين حول العالم.

وبعيد السادسة من مساء الثلاثاء في الرابع من أغسطس، شعر سكّان العاصمة وجوارها باهتزاز عنيف لثوان عدّة، تلاه صوت انفجار رهيب أحال مناطق بأسرها من العاصمة ركاما.

في اللحظات الأولى بعد الانفجار، ظنّ سكّان كلّ شارع في بيروت أن شارعهم هو الذي استهدف بسيارة مفخّخة أو قصف مجهول المصدر، قبل أن يتبيّن أن العاصمة كلّها نكبت جراء انفجار 2750 طنا من مادّة نيترات الأمونيوم كانت مخزّنة في عنبر في المرفأ نتيجة حريق لم يتأكّد سببه بعد، وفق رواية السلطات.

وبدأ التحقيق في ملابسات الانفجار، لكن حسابات وصفحات مستخدمين لمواقع التواصل باللغة العربية حسمت الأمر قبل أن يستقرّ غبار الركام، وأشارت بأصابع الاتهام إلى إسرائيل.

ومن أول الأخبار الكاذبة في هذا السياق، ما نسب إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إذ تم تناقل تصريح أدلى به على أنه جاء تعقيبا على الانفجار وقال فيه “لقد ضربنا من يستهدفنا”.

الأخبار الكاذبة غزت مواقع التواصل، سواء لتعزيز موقف سياسي أو تحليل أمني، أو لمجرّد جذب التفاعلات

لكن الحقيقة أن نتنياهو أدلى بهذا التصريح قبل ساعات على انفجار مرفأ بيروت، في سياق الحديث عن ضربة نفّذتها إسرائيل إثر إحباطها عملية زرع عبوات ناسفة قرب الحدود في مرتفعات الجولان المحتلّ، وليس تعليقا على ما جرى في المرفأ.

وبعد أقلّ من ساعة على الانفجار، ظهر على مواقع التواصل باللغة العربية لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية مقال يتحدّث عن استهداف أسلحة لحزب الله في مرفأ بيروت. لكن الحقيقة أن الحساب كان مزورا.

وانتشرت صور لنتنياهو وهو يرفع في الأمم المتحدة قبل عامين خارطة على أنها تظهر موقع مرفأ بيروت.

لكن الموقع الظاهر في الخارطة لا علاقة له بمرفأ بيروت الواقع على المدخل الشمالي للعاصمة، بل هو منطقة مجاورة لمطار رفيق الحريري الدولي عند المدخل الجنوبي لبيروت، على بعد ما يقارب عشرة كيلومترات عن المرفأ.

وكان نتنياهو يتحدّث في كلمته تلك في الأمم المتحدة عن “مواقع سريّة” تابعة لحزب الله اللبناني فيها مقذوفات “موجّهة نحو المطار”، ولم يأت على ذكر مرفأ بيروت.

“مواقع سريّة” تابعة لحزب الله
“مواقع سريّة” تابعة لحزب الله

وفي السياق نفسه، ودعما لفرضيّة قصف إسرائيلي على مرفأ بيروت، ظهرت على مواقع التواصل في لبنان وخارجه مقاطع فيديو قيل إنها تُظهر طائرات مسيّرة أو صواريخ تضرب المرفأ.

وترافقت مع أخبار وشهادات لأشخاص قالوا إنهم سمعوا صوت طائرات حربيّة قبيل الانفجار.

وأعلن الجيش اللبناني أنه بالفعل بين الرابع والخامس من أغسطس ظهرت طائرات فوق عدد من المناطق بينها بيروت وضواحيها، لكنه لم يأت على ذكر دور لهذه الطائرات في انفجار المرفأ، علما أن الطيران الإسرائيلي يجوب الأجواء اللبنانية بشكل مستمرّ.

في هذا السياق ظهر فيديو لطائرة مسيّرة يدّعي ناشروه أنها ألقت جسما مجهولا قبل انفجار المرفأ، وانتشر المقطع على مواقع التواصل بلغات عدّة منها العربية.

لكن هذا الفيديو نشرته وسائل إعلام لبنانية في 30 يوليو 2020 قبل أيام من انفجار المرفأ، بعنوان “تحليق طائرتي درون للعدوّ” في جنوب لبنان.

كذلك انتشر فيديو على مواقع التواصل، قيل إنه تصوير حراري يُظهر صاروخا ضرب المرفأ قبل لحظة الانفجار. لكنّ المقطع متلاعب به بحيث بدّلت ألوانه وأضيف إليه صاروخ.

كما انتشر على نطاق واسع مقطع على أنه يظهر صاروخا يضرب المرفأ قبل الانفجار، لكنه أيضا أُضيف إليه الصاروخ تأييدا لهذه المزاعم.

وفي ثوان معدودة، دمّر المرفأ بالكامل وتحوّلت الشوارع النابضة بالحياة في جواره إلى ركام، وأحصي حتى الآن مقتل أكثر من 160 شخصا وجرح أكثر من ستة آلاف، من بينهم مصابون في مناطق تبعد كيلومترات عن المرفأ.

وانتشرت على مواقع التواصل بلغات كثيرة منها العربية صور على أنها لسيارات مستوردة احترقت في مرفأ بيروت، لكنها في الحقيقة التقطت عام 2015.

وكذلك انتشرت صورة حفرة قيل إن الانفجار أحدثها، لكن الصورة أيضا، في مستودع للمواد الكيميائية انفجر عام 2015.

من جانب آخر، أثارت الكارثة التي حلّت ببيروت تضامنا واسعا عربيا وعالميا، لكن الأخبار التي انتشرت على مواقع التواصل وبعض المواقع الإخبارية عن إضاءة في مصر أو في تونس أو في سوريا بألوان العلم اللبناني هي أخبار غير صحيحة، والصور المرفقة بها إما مركّبة في معظمها، وإما قديمة ملتقطة في مناسبات سابقة.

وانتشرت أخبار وصور ومقاطع عن إرسال الرئيس السوري بشار الأسد قافلة مساعدات إلى لبنان، أو لبنانيين في سوريا، أو تجتاز الحدود بين البلدين لدخول المستشفيات السورية، لكن هذه المنشورات غير صحيحة.

وفي ظلّ حرب الأخبار الكاذبة بين مؤيدين ومعارضين للسياسة التركية في المنطقة، انتشر خبر مفاده أن صوامع القمح في مرفأ بيروت التي ظلّ جانب منها قائما رغم الدمار الكبير الذي لحق بها، هي من إنجازات الدولة العثمانية، لكن الصوامع شيّدت في أواخر الستينات من القرن العشرين، أي بعد نصف قرن على انتهاء الحكم العثماني للبنان.

كما ظهرت أخبار كاذبة تدغدغ مشاعر مستخدمي مواقع التواصل في العالم لجذب التفاعلات بمعزل عن أي بعد سياسي، منها صورة يقول ناشروها إنها آخر ما صُوّر لطفلة عمرها ثلاث سنوات قضت في الانفجار وهي تؤدي أغنية من زمن الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990)، لكن الفتاة في الفيديو لا تزال حيّة.

وانتشرت كذلك صورة على أنها لأصغر ضحايا انفجار بيروت، لكنها في الحقيقة تعود لعام 2019 نشرها رجل من نيجيريا على حسابه على فيسبوك.

وانتشرت صورة تظهر اثنين من ضحايا الانفجار وهما مطروحان أرضا، لكنها في الحقيقة نشرها فنان أميركي قبل انفجار مرفأ بيروت بنحو أسبوعين.

وأدى انفجار مرفأ بيروت إلى خروج تظاهرات غاضبة في بيروت مطالبة برحيل الطبقة السياسية كاملة.                                                                

19