تدعيم إنتاج المسلسلات ذات الأجزاء لا يعني النجاح

"حكايات بنات" دراما اجتماعية نسوية فشلت في استثمار ألق بداياتها.
الاثنين 2020/10/12
معالجة جديدة لطريقة تفكير الفتيات في الزواج

أسهمت التغيّرات الحاصلة في المشهد الدرامي المصري في ضخّ دماء جديدة لتجديد شرايين القطاع كي يصبح قادرا على مواكبة المنافسة مع الدراما التركية والهندية والمكسيكية والتي اجتذبت المشاهد العربي مؤخرا، وذلك بتكثيف إنتاج المسلسلات ذات الأجزاء المتعددة واستثمار نجاح بعضها، فهل تحقّق ذلك مع الجزء الخامس من مسلسل “حكايات بنات”؟

القاهرة – ثمة تغيّرات متعدّدة شهدتها الدراما المصرية في السنوات الأخيرة على مستوى نوعية المضمون المُقدّم، وتوقيت عرض الأعمال الدرامية، كذلك الشكل، فلم تعد الدراما مقتصرة على عدد معين من الحلقات لمناقشة قضية بعينها.

وكان مسلسل “حكايات بنات” المعروض حاليا على قناة “أون. إي” المصرية واحدا من الأعمال التي استثمر صناعها نجاح الجزء الأول منها ليقدّموا أربعة أجزاء أخرى؛ إذ يُعرض حاليا الجزء الخامس من المسلسل.

وأعلنت الشركة المنتجة للعمل عن اعتزامها تقديم عشرة أجزاء من المسلسل، بعد أن نال الجزء الأول وقت عرضه منذ ثمانية أعوام نجاحا جماهيريا ونقديا عن استحقاق، لكنه، جزءا بعد الآخر وصولا إلى الجزء الأحدث المعروض حاليا، أخفق في أن يواصل نجاحه السابق أو تماسكه الدرامي الذي تحقّق في الجزء الأول.

وتبدو ظاهرة الأجزاء المتعدّدة واحدة من التغيرّات المتكرّرة في الدراما التي يحاول من خلالها صناعها استثمار النجاح الذي تحقّقه الأجزاء الأولى من أعمالهم.

وتعدّ الضرورة الدرامية العامل الرئيسي الذي ينبغي الاحتكام إليه قبل التفكير في تقديم أجزاء متعدّدة من العمل، فضلا عمّا تُتيحه الخيوط الدرامية من إمكانية العمل عليها مجدّدا، لكن تلك العوامل لم تكن دوما حاكمة لصناع الدراما في تقديمهم لأجزاء مختلفة من العمل ذاته.

بداية ناجحة ولكن

يدفع النجاح الذي تحقّقه بعض الأعمال وما تحصل عليه من مشاهدات مرتفعة وإعجاب جماهيري بالبعض إلى تكرار التجربة واستثمار ذلك في تقديم أجزاء أخرى، وإن لم يكن العمل يحتمل المطّ غير المفهوم لخيوط العمل المنتهية بالفعل.

ومنذ ثمانية أعوام عُرض الجزء الأول من مسلسل “حكايات بنات”، وقام ببطولته كل من صبا مبارك وحورية فرغلي وريهام أيمن ودينا الشربيني، وهو من تأليف باهر دويدار، وإخراج حسين شوكت.

الأجزاء الجديدة افتقدت إلى المونولوجات التي كانت تقدّمها صبا مبارك، وهي تستعرض أفكارا عميقة ورؤى متزنة تخصّ العلاقات العاطفية

نجح المسلسل في تحقيق أرقام مرتفعة من المشاهدات واجتذب الجماهير بما قدّمه من قضايا اجتماعية عبر شخصيات نسائيّة تتنوّع في اهتماماتها، وتتشارك أفكارها وتطرح تأملاتها في ما يخص العلاقات العاطفية والطموح المهني ومآلات الحياة في ظل العلاقات المُرهقة والاختيارات الحاسمة حينا، والمرتبكة في أحيان أخرى.

امتاز العمل في الجزء الأول بتلك الحميمية التي يخلقها مع المشاهد؛ فالمشكلات التي تمرّ بها بطلات العمل هي أحداث تتكرّر في حياة الكثير من النساء وعلاقات الصداقة القوية التي تُحاك بين البطلات الأربع، رغم اختلافهنّ في الطباع والتوجهات والأفكار ودعمهنّ لبعضهنّ، فضلا عن التماسك الدرامي.

كل ذلك جعل خيوط العمل ذات جاذبية قادرة على الاحتفاظ بشغف المشاهد لمتابعة ما ستؤول إليه الأحداث، خاصة أن الحكايات التي كانت تتضمنها الحلقات واقعية، وتجد فيها كل فتاة نفسها كأن العمل يتحدّث عنها بشكل خاص.

اتجه منتج العمل طارق الجنايني، استثمارا لهذا النجاح، نحو إنتاج أجزاء جديدة من المسلسل، لكن مع غياب بطلتين هما حورية فرغلي وريهام أيمن، لتحل محلهما كل من ندا موسى وإنجي المقدّم في دورين جديدين، وتم تقديمهما في المسلسل كصديقتين. قدّم العمل تبريرا واهيا لغياب البطلتين، فالأولى سافرت مع زوجها إلى الولايات المتحدة، والأخرى تلقى زوجها عرضا للعمل في أوغندا.

ورغم أن هذا الجزء وما تلاه لم يكن على نفس المستوى الذي حظي به الجزء الأول، إلاّ أنه نال متابعة جماهيرية جيدة، نظرا لارتباط الجمهور بالبطلة “أحلام” التي قامت بدورها الفنانة الأردنية صبا مبارك.

وتحت العنوان ذاته، استمر المسلسل في جزءيه الرابع والخامس بشخصيات جديدة وقصص مستحدثة ومتطوّرة، مع تأليف وإخراج مختلف.

وحاول فريق العمل استنساخ تلك التوليفة التي كانت سببا في نجاح المسلسل، لكن على الأرجح لم تكلل تلك المحاولات بنجاح كبير يلفت النظر إليه.

علاقات متحررة

وجوه جديدة تتحسّس طريق النجاح
وجوه جديدة تتحسّس طريق النجاح 

اختار صناع الجزءين الأخيرين تقديم شخصيات شابة، إذ قامت ببطولة المسلسل ميرنا نورالدين، وهاجر أحمد، وهند عبدالحليم وأسماء جلال، وأخرجه مصطفى أبوسيف.

جاء التأليف من خلال مجموعة مؤلفين، تضم ماريان هاني، ونهال سماحة ومحمد عبدالعزيز، وأشرف على الكتابة الناقد أحمد شوقي، وهو إنتاج مشترك بين الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية وشركة “تي فيغن” للمنتج طارق الجنايني.

أخفقت هذه التوليفة المنتقاة في تحقيق النجاح ذاته، فقد استند كتّاب سيناريو الجزءين الرابع والخامس على نجاح الأجزاء السابقة، ويعتمدان على الحديث عن مشكلات عاطفية ومهنية وأزمات وتحديات في العلاقات العائلية، والتفكير في المستقبل والحياة.

ومع أن تلك القضايا كانت واحدة من المحاور التي حقّقت نجاحا في الجزء الأول من المسلسل على وجه التحديد، غير أنها جاءت في الجزءين الجديدين أقرب ما تكون إلى الثرثرات المتتالية دون خيوط درامية متماسكة، أو على الأقل لم تحمل قدرا من الجاذبية الكافية التي تجعل العمل ناجحا دراميا.

يستكمل الجزء الخامس ما بدأه الرابع من متابعة لحياة أربع فتيات، هنّ: جميلة ونور وجايدا وعائشة، وما تمرّ به كل فتاة في حياتها العاطفية والعائلية والمهنية.

صبا مبارك من بطلات المسلسل
صبا مبارك من بطلات المسلسل

ولم يكن سيناريو المسلسل على قدر كاف من التماسك، ولم يطرح رؤية جذّابة لحياة كل فتاة، وما تمرّ به من تطوّرات شخصية، فجاء غير قادر على الغوص في أعماق كل فتاة وتبيان ما تمرّ به من اضطرابات وأبعادها، كما كان الجزء الأول، الذي استطاع، لاسيما عبر المونولوجات التي قدّمتها البطلة “أحلام”، أن يستعرض أفكارا عميقة ورؤى متزنة تخصّ العلاقات العاطفية.

وأوضح السيناريست محمد عبدالعزيز، أحد المشاركين في كتابة المسلسل، أن الجزء الرابع من المسلسل حقّق نجاحا رغم الهجوم الذي تعرّض له، بسبب تقديمه لبعض القصص غير المناسبة لطبيعة المجتمعات العربية، إذ عرض قصة فتاة مخطوبة لشخصين في الآن ذاته، وغير ذلك من العلاقات المتحرّرة، والتي رآها الكثيرون منافية لطبيعة المجتمعات العربية المحافظة، مشيرا إلى أن الجزء الخامس حاول تلافي تلك النقاط، وربما راعى ذلك، لكنه أخذ العلاقات في منحى أقل إثارة.

جاء الأداء التمثيلي للكثير من بطلات العمل باهتا، مفتقدا الاحتراف المعهود، وربما كان للحوارات المفتعلة والأحداث غير القادرة على صياغة حبكة درامية محكمة دور في ذلك.

أسهم عدم التنوّع في تقديم أطياف أوسع من التوجهات الفكرية والطبقات الاجتماعية، في حالة الركاكة التي أفقدت العمل جانبا من جاذبيته الدرامية والجماهيرية، فقد غلب الحرص على تحاشي الوقوع في العلاقات المتحرّرة على تقديم أفكار مترابطة ومتماسكة.

وفي كل الأحوال، فتح مسلسل “حكايات بنات” نوافذ جديدة على العالم الخاص بالفتيات، وطريقة تفكيرهنّ في الزواج والعلاقات الإنسانية والأسرية، ما يمهّد المجال لتقديم أعمال تتناول هذه الخصوصية بصورة أوسع نطاقا، وأقل وقوعا في المحاذير الاجتماعية، وهي معادلة لم تعد صعبة، فمن الممكن تقديم أعمال جريئة وحيوية، وتنطوي على ثيمات فنية راقية.

أفيش

 

17