تدرّس السعادة وتبيعها

الولايات المتحدة تمتلك من الموارد ما يجعل سكانها أكثر سعادة من شعوب كثيرة، لكن مع ذلك لا يزال الكثير منهم لا يجدون الطريق إلى السعادة.
الاثنين 2022/03/14
نيل السعادة ليس بالتمني

إنهم جميعا يبحثون عن شيء فقدوه ولم يعثروا عليه مطلقا. كان ذلك التفسير الواضح لتدفق ربع طلاب جامعة ييل ثالث أقدم الجامعات الأميركية، على محاضرات الأستاذة لوري سانتوس، لأنها ببساطة كانت تدرس مفاهيم السعادة. ويمكننا أن نرى ذلك على أنه أمر إيجابي فهؤلاء الشباب المتفوقون يتطلعون إلى تعلم تقنيات مثبتة علميا لعيش حياة أكثر سعادة. لكن هل بمقدور مفاهيم هذه الأستاذة وإن كانت في غاية الإقناع والمنطق قادرة على بيع السعادة؟ إنها لا توزع أموالا على طلابها بقدر الذهاب معهم إلى كنز السعادة. فهل حقا وجدوه؟

لقد تطور الأمر وصار أكثر شعبية ولم تعد الفصول الدراسية في هذه الجامعة قادرة على استيعاب العدد الهائل من الراغبين في العيش حياة أكثر إشباعا، لذلك حولت هذه الأستاذة مسارها الدراسي إلى سلسلة بودكاست شهيرة “The Happiness Lab” التي ارتفعت بسرعة فوق حقل نصيحة السعادة على غوغل وتم تحميلها أكثر من 64 مليون مرة.

حسنا، لماذا توجد الكثير من كتب السعادة، بينما لا يزال أغلب الناس غير سعداء؟ لأن نيل السعادة ليس بالتمني تقول سانتوس، وإنما يتطلب عملا صعبا. وسأكذب إن أقول إنني لا أعاني مثل بقية الناس من هذا الشعور حتى وأنا أدرس الأفكار المثالية للحصول على السعادة. فعندما أشعر بالإرهاق، تضيف سانتوس، يجب أن أتوقف عن العمل لفترة ما، لكن هل يمكن أن أطلب من تلاميذي أخذ إجازة لأنهم يعانون من الإرهاق مثلا. ذلك أحد المسارات الصعبة في نيل السعادة للشباب تحديدا.

تتعامل هذه الأستاذة التي تحظى بشهرة مثيرة، مع اللاسعادة مثل أي مشكلة صحية أخرى، فأنت إذا كنت تعاني من ارتفاع ضغط الدم ستكون بحاجة إلى إجراء ما، كذلك الحصول على السعادة يتطلب القيام بأمر ما وهو أكثر صعوبة من الشفاء من الصداع أو نزلات البرد.

هناك دول مثل الولايات المتحدة تمتلك من الموارد ما يجعل سكانها أكثر سعادة من شعوب كثيرة، لكن مع ذلك لا يزال الكثير منهم لا يجدون الطريق إلى السعادة. ويمكن تفسير ذلك ليس بالنسبة إلى الشعوب التي تمتلك موارد عالية، وإنما لأن الطبيعة البشرية تجعل أذهاننا تكذب علينا عندما يرتفع منسوب الحدس إلى الأمور التي ستجعلنا سعداء، ونستخدم تلك البديهيات لملاحقتها، سواء كان ذلك من خلال الحصول على المزيد من المال أو حتى اقتناء الأشياء الثمينة أو الملابس. لكن سانتوس ترى أن علم السعادة طالما فند تلك البديهيات واعتبرها مضللة بشدة. وتطالبنا بمحاربة الحدس النمطي لطريق السعادة لأنه لا يؤدي إليها. بالطبع ذلك يحتاج إلى مساعدة ما، وعلى الأغلب لا نجدها فينتابنا القلق الذي يؤول إلى اللاسعادة بالضرورة.

تحارب هذه الأستاذة في منهجها قوى ثقافية سائدة تقول لنا “أنت لست سعيدا بما فيه الكفاية؛ يمكن أن تكون السعادة قاب قوسين أو أدنى منك”. لكن مثل ذلك الحال في ثقافتنا يقود إلى الظلال.

وتقترح علينا تطوير الشعور بالمعنى والتأمل والتفكير، وهي ممارسات دينية شائعة. وترى أن الإحساس الغني بالمعتقدات طريق مثير للسعادة. كذلك تختصر السعادة بشراء المبادئ اللاهوتية لنحصل على الفوائد.

20