تخيّلوا زعيما إلكترونيا في بلادنا

تخيلوا زعيم حزب عربي من فصيلة الذكاء الاصطناعي.. سوف يصدأ، يغطيه الغبار وتتجاوزه أجيال إلكترونية عديدة، دون أن يتزحزح عن منصبه في زعامة الحزب.
الثلاثاء 2022/10/18
ما تبرمجه اليوم تحصده غدا

ينوي الروبوت "لارس" الذي يتزعم حزبا سياسيا في الدنمارك خوض الانتخابات التشريعية المبكرة في نوفمبر القادم.

ويأمل “المستر لارس” في الحصول على مقعد في البرلمان عن حزبه الاصطناعي بعد أن يعلن عن برنامجه الانتخابي ويلتقي أنصاره ومؤيديه.

لو كنت دنماركيا لبادرت بانتخابه وأنا مغمض العينين بل لسعيت لكسب وده والتقرب إليه لعلني أحظى بثقته فأصبح يوما من مستشاريه أو ربما خليفته في زعامة الحزب.. من يدري.

قد يقول أحدكم لماذا هذا الانحياز الزائد لكائن معدني قابل للصدأ والتلف والإصابة بالفايروسات الإلكترونية ثم أنه قد لُقّن برنامجه الانتخابي تلقينا؟

الإجابة واضحة وبسيطة، وهي أن السيد “لارس” مواطن دنماركي برمجه أناس مشهود لهم بالصدق والنزاهة واحترام الناخبين، علاوة على أن الذكاء الاصطناعي يعتمد مبدأ الاستنتاج التلقائي والتوليد الآلي فيبادر إلى استنباط الحلول والمقترحات بفضل ذلك الكم الهائل من المعطيات التي تم تزويده بها.

وإن خرج الزعيم “لارس” عن السيطرة يوما كما يحذر علماء الذكاء الاصطناعي، فلن يستبد، حتما، بالحكم أو تنزلق قدماه نحو الفساد.

أما إذا كان لدينا مثل “لارس” في عالمنا العربي، فالأمور لا تُطمئن بالتأكيد، ذلك أن ما قد يدور بين أسلاك وأزرار رأسه الإلكتروني لا يعلمه إلا الله، وليس مضمون العواقب.

وبناء على بداهة الاستنتاج والاستنباط والتصرف في المعلومات والمعطيات، فإننا لا نستغرب إن بادر “زعيمنا الإلكتروني” إلى مفاجآت غير سارة، وذلك بحسب نوايا من تولوا عملية البرمجة.

قيل – والعهدة على الراوي – أن الشرطي الآلي الذي استقدمته بلادنا لتنظيم حركة السير قد شوهد يقبض الرشاوى والإكراميات من بعض أصحاب المركبات.

أما ما وقفت عنده، شخصيا، مندهشا فهو التصرف الغريب لأحد الروبوتات في تونس أثناء فترة الحجر عند جائحة كورونا، كالنداء التحذيري الذي أطلقه الشرطي الآلي منعا للازدحام والتجمعات.. كان صوتا مزعجا ويفتقر إلى أدنى درجات اللطف.. وقيل إن بعضهم سمع زميله الآلي يتلفظ بعبارات نابية آتية من قاموس الشارع.

هذا عن أصغر وأبسط أعوان وموظفي الدولة من الروبوتات، إذ حتى صوت السكرتيرة الآلية يفتقد إلى النعومة والكياسة، ويوشك أحيانا ألّا يرد عليك، فما بالك بكبار المسؤولين وأصحاب السطوة والنفوذ في حال كانوا روبوتات وزعماء آليين.

تخيلوا زعيم حزب عربي من فصيلة الذكاء الاصطناعي.. سوف يصدأ، يغطيه الغبار وتتجاوزه أجيال إلكترونية عديدة، دون أن يتزحزح عن منصبه في زعامة الحزب.

وسوف يرشي ناخبيه ويثأر من منافسيه ويقمع منتقديه مستفيدا من ذاكرته الإلكترونية ورافضا إحالته إلى مستودع الخردة.

20