تخلي أحد الزوجين عن دوره لآخرين مشكلة عصرية

يلجأ البعض من الأزواج إلى شخص ثالث يكون عادة من أقرب الأقرباء يخفف عنه حمل المهام العائلية التي لا تنتهي ولا تتوافق مع ساعات الدوام الطويلة، لكن هذا الحل الذي يساعد الآباء والأمهات على تأمين احتياجات أبنائهم قد يتحول في لحظة ما إلى كابوس يهدد استقرار العائلة بسبب انعدام العاطفة في العلاقات الأسرية وفقدان الأبناء أو الأزواج لدفء الأب أو الأم أو الزوج أو الزوجة.
القاهرة - ساهمت متطلبات الواقع الحياتي العصري من ساعات العمل الطويلة والإجازات الأسبوعية الغائبة في خلق تحولات داخل الأسرة العربية، جعلت من الأم أو الأب أو كليهما، يتساهل في ممارسة دوره كشريك حقيقي، ويتنازل عن هذا الدور لشخص ثالث كي يقوم به بدلا منه، تماما مثل “الدوبلير” في الأفلام السينمائية حينما يحل بديلا لأحد الممثلين. وقد يسبب هذا الأمر في البعض من الحالات فشل الزوجين في إدارة أسرتهما والعناية بها وقد يؤدي إلى فشل العلاقة مع الأبناء.
تقول “فاتن. م”، وهي ربة منزل، “بدأت مشكلتي بعد زواجي بفترة بسيطة، حيث بدأ زوجي يتأخر في العودة إلى المنزل عقب انتهائه من عمله بالمدرسة، لأنه يشتغل بالدروس الخصوصية”.
وتؤكد “كنت في البداية أقدر تماما ما يقوم به، ومرت الأيام وأنجبنا طفلتنا الوحيدة التي زادت ارتباطنا، لكنني شعرت أنني رغم ذلك وحيدة لغيابه الدائم عني، وكنت دائما أنبهه لذلك بطريقة أو بأخرى حتى أكرمنا الله بالسفر للعمل بدولة عربية، وعدنا والحمد لله في حال ميسور والشيء الغريب أنني رأيته يواصل غيابه عني حتى ماتت مشاعرنا الجميلة”.
وتضيف فاتن “اندلعت مشاجرات بيننا وعندما ذكرته بحاجتي وابنتي إليه تجاهلني تماما وأوصى أخاه الأصغر أن يرعى شؤون ابنتي في غيابه حتى أصبح أخوه الأب الحقيقي لها لدرجة أنه كان يذهب معها في رحلاتها ويصحبها للتنزه، وشيئا فشيئا سمح له أن يصحبني وابنتي في شراء احتياجاتنا وملابسنا”.
وتتابع “عندما كانت تمرض ابنتنا كنت أجد أخاه بجانبي حتى شعرت أنه يقوم بما يجب أن يقوم به زوجي، وهو ما زاد من ضيقي وبعدي عنه وسخطي عليه لأنه أصبح لا يصلح زوجا، وأصبحت لا أطيق الحياة معه فطالبته بالطلاق”.
وتروي “عايدة. ف” قصة زميلتها في العمل فتقول “عملنا أنا وزميلتي في شركة كانت ساعات العمل فيها طويلة وشاقة، وربما لا تناسب النساء كثيرا. بالنسبة لي سرعان ما تركت العمل لأنه يأخذني بعيدا عن بيتي وزوجي وأولادي. أما زميلتي فكانت تؤمن أن عملها هو حياتها، وله الأولوية عن كل شيء خاصة عندما تمت ترقيتها لمناصب عديدة مهمة بالشركة وتم إرسالها لدول أجنبية كثيرة”.
قبول أحد الزوجين ببديل عنه من أحد أقاربه أو زملائه يخلق الفراغ النفسي داخل الأسرة التي يجب أن يكون أفرادها مترابطين
وتضيف “بمرور الأيام قامت الشركة بتعيين سكرتيرة خاصة بصديقتي كانت تنوب عنها في إنجاز كل مهامها وحتى واجباتها الأسرية التي أصبحت بديلا عنها لدرجة أنها كانت تصطحب طفلتيهما ثم زوجها في رحلاتهم وشراء كل ما يلزمهم وتوصيل طفلتهما الكبرى للمدرسة ومصاحبتها في العودة حتى فوجئ زوج زميلتي بابنته الصغرى تنادي على السكرتيرة ‘ماما’ وهو ما أثار حفيظته وغضب بشدة”.
وتقول عايدة “كانت المفاجأة لدى عودة زميلتي من الخارج إذ أن زوجها وابنتيهما اختفوا، بعد أن ترك لها زوجها خطابا يدعوها لبذل المزيد من الجهد حتى تنجح في عملها بعد أن فشلت في ممارسة دورها كزوجة وكأم وتنازلت عنه لسكرتيرتها التي أصبحت زوجته وأكد لها أنها لن تراهم مرة أخرى ومازالت تدفع الثمن والجميع يشفق عليها”.
وتتهم عزة أحمد، الحاصلة على ماجستير إعلام، الآباء والأمهات بأنهم في دوامة الحياة نسوا أو تناسوا أهم شيء في حياتهم وهو الأبناء الذين انشغلوا عنهم بماديات المعيشة على حساب أدوارهم التي تنازلوا عنها لآخرين وأصبحوا مجرد آباء أو أمهات بالاسم فقط ووفقا لشهادات ميلاد أبنائهم.
إحدى صديقات عزة نتيجة انهماكها وزوجها في العمل لتوفير المال اللازم للأسرة “كان ابنهما مستهترا في دراسته بالمرحلة الإعدادية مما دفع إدارة مدرسته نتيجة مستواه الدراسي المتدهور وبسبب مشاغباته الكثيرة مع زملائه لأن تقوم بفصله وتشترط حضور ولي أمره وهو ما سبب خوفا لابنها الذي تفتق ذهنه عن فكرة البحث عن بديل لأبيه”.
وتقول عزة إن الطفل استأجر شخصا للعب دور أبيه، لكن عند حضوره للمدرسة شك فيه المدير وهدد “البديل” والابن بإبلاغ الشرطة فانهارا وطلبا الصفح، ولم تجد إدارة المدرسة سوى إرسال خطاب بعلم الوصول لاستدعاء والديه.
ويتحدث الدكتور سيد حامد- أستاذ علم النفس- عن الأخطاء النفسية لهذه الظاهرة فيقول إن نتائج الدراسات والبحوث النفسية أكدت أن وجود فجوة بين الأزواج والزوجات بسبب تخلي أحدهم عن دوره لآخرين يعد مشكلة عصرية خلفتها ظروف الحياة الصعبة وتعاني منها كثير من الأسر وتتسبب في أمراض نفسية عديدة سواء على مستوى الزوجين أو الأبناء وأن أكثر المتضررين منها الزوجات والأبناء.
ويشير إلى أن هؤلاء يعانون من إحباط وتوتر شبه دائم وفشل في التواصل مع الآخرين، أو يعانون من حالات اكتئاب شديدة أو يفكرون في إنهاء حياتهم بالانتحار بسبب هذا الفشل الأسري.
ويعتبر الدكتور حامد أن تخلي أحد الزوجين عن دوره ومهامه، وقبوله ببديل عنه من أحد أقاربه أو زملائه، يخلق حالة من الفراغ النفسي داخل محيط الأسرة التي يجب أن يسودها جو من الترابط الشديد بين أفرادها.
كما يؤكد أن هذا الترابط هو ما يخلق نوعا من الهدوء والثبات والاستقرار الأسري سواء بالنسبة للزوجين أو الأبناء، ولا شك أن الكثير من حالات الخيانة أو الفشل الأسري تجد بيئتها الخصبة من الناحية النفسية في هذا الموقف الإنساني لأنه تجسيد نفسي وإنساني شديد للحاجة إلى إشباع حرمان يعانيه أحد الأطراف.
ويوضح الدكتور أشرف حسان أستاذ علم الاجتماع، الأبعاد الاجتماعية لهذه المشكلة وخطورتها بقوله إن نتائج البحوث الاجتماعية تؤكد أن تنازل أحد الزوجين عن دوره يصيب الأسرة بالكثير من الأمراض الاجتماعية الخطيرة.
ويشدد على أنه قبل ذلك يجب أن نوضح أن الزوج أو الزوجة لا يقوم أحدهما بدور اجتماعي واحد خاصة إذا كان هناك أبناء لأن كليهما يقع عليه عبء القيام بدورين أسريين واجتماعيين: دور أساسي علاقته الزوجية بالنسبة لبعضهما البعض ودور أساسي علاقة أبوية بالنسبة للأبناء.
“والدوبلير” من الناحية الاجتماعية مظهر قوي لحالة تفكك أسري حاد وهو من أبرز أسباب ظاهرة جنح الأحداث كما أنه يسبب انحراف الأبناء إلى جانب أنه سبب مباشر للخيانة الزوجية، ويتسبب في الكثير من الجرائم الأسرية.