"تخربيش".. مئة لوحة تخلد يوميات فنان تونسي بأسلوب مختلف

ساهم زمن الحجر الصحي وانتشار فايروس كوفيد – 19 والعزلة في المنزل في ولادة تأملات كثيرة عند المبدعين، وأعاد أغلبهم تقييم الكثير من الأفكار والأعمال، بينما انخرط آخرون في تجارب فنية مختلفة عن مساراتهم في تجديدها ورؤيتها وشجاعتها وحتى في خوفها ناهيك عن تصوراتها وأساليبها وغيره. من بين الفنانين الذين قدموا رؤية مختلفة من هذا القبيل التونسي طارق السويسي الذي جمع أعماله في كتاب جديد.
نحلم دائما بكتب جميلة من هذا الطراز. ولقد حقق الفنان طارق السويسي – وهو خريج المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس، الحائز على درجة الماجستير في علوم وتقنيات الفنون، والمدرس بمعهد الفنون الجميلة بنابل – هذا الإنجاز من خلال نشر “تخربيش”، بفضل صندوق التشجيع على الإبداع الأدبي والفني بوزارة الشؤون الثقافية.
على امتداد 160 صفحة يقدم الكتاب نحو مئة لوحة فنية من رسومه اليومية التي يسميها الفنان طارق السويسي “تخربيش”، مصحوبة بنصوص باللغتين العربية والإنجليزية، للفيلسوفة والأديبة أم الزين بن شيخة، وللمعماري والمصمم رشاد التريكي، والكاتب محمد الحباشة، والشاعر والروائي لطفي الشابي، والشاعر المترجم أيمن حسن.
وقع تقديم الكتاب في حفل توقيع يوم السبت الحادي والعشرين من ديسمبر 2024 في قصر النجمة الزهراء، مركز الموسيقى العربية والمتوسطية، بسيدي بوسعيد، في حفل حضره لفيف من الفنانين والمثقفين والمبدعين امتد من الساعة الثالثة إلى الخامسة مساء.
سواء بالألوان أو بالأبيض والأسود، سواء كانت بقلم حبر جاف بسيط، أو بالأقلام اللبدية، بالحبر الصيني، بالباستيل أو بالألوان المائية أو الزيتية، فإن رسومات طارق السويسي، وخطه العربي، وأعماله، معروفة لدي من بين جميع الفنانين التونسيين والعرب الآخرين من جيله وغيرهم.
هذا الاعتراف، وهي كلمة نفضلها على التعرف، يعود إلى اللمسة الشخصية لطارق السويسي، الذي يستطيع أن يحمل عدة أسماء وأوصافا تبعا للحساسيات، وبما أن الفنان المتعدد نفسه يسميه باللغة العربية “تخربيشة الصباح”، وهو مصطلح خفيف يكاد يكون ازدرائيا، باللغتين العربية والفرنسية، وكأن الرجل لا يأخذ نفسه على محمل الجد. ولكن هل هذا هو الحال؟
الجواب لا يمكن أن يكون إلا بالنفي. لا، فطارق السويسي جدي للغاية كما نرى من خلال الصرامة والاحترافية وهذا الإحساس النادر بالتفاصيل الذي يميزه، بالإضافة إلى الشغف الشديد الذي يحرك كل هذا العمل بشكل يومي، والذي يمكن مقارنته بظواهر طبيعية مثل صعوبة التنفس وابتلاع رشفة ماء والمشي والإسراع في الخطوة فالركض أو حتى فتح العينين. على هذا النحو، كشفت لنا الأزمة الصحية لفايروس كورونا عن صعوبة الحياة. نعم، الحياة، الانغماس في رسومات أو تخربيشات صباحية أمر رائع.
ليست المقارنة صحيحة أبدا، ولكن إذا كان نيتشه، الذي يقدم نفسه على أنه “فيلسوف فنان” ومدافع عن “الصحة العظيمة” (في الشذرة 382 من “المعرفة الجذلة”)، كان يتسم بصحة هشة، فيمكننا الدخول من خلال هذه الفتحة في العمل التصويري لطارق السويسي حيث الجمال والنور والبراعة والحياة تحارب الظلام والظلامية مجتمعة، الغباء، الموت وجميع مظاهره.
في ما يتعلق بهذه الخفة المفترضة في اختيار الجنس، إذا اعترفنا بأن الخربشة هي التي يختارها طارق السويسي جنسا فنيا لنفسه، وكما هو الحال هنا، إلى عمله الإبداعي، يُمكننا أن نضيف ما يلي: تستخدم كلمة خربشة من قبل اثنين من سابقينا ومراجعنا الأساسية: دِيدْرُو وَبُودْلِيرْ. ألم يكتب هذا الأخير في كتابه “الطرائف الجمالية” (1867) “هي رسوم إعدادية سيقرؤها جميع الهواة الذين اعتادوا على فك رموز روح الرسام في أسرع خربشاته (الخربشة هي المصطلح المستخدم، بشيء من الخفة، من قبل الشجاع ديدرو لوصف نقوش رامبرانت).”
هذا كل شيء، نحن نؤمن بكل تواضع بأننا تمكنا من “فك رموز روح الرسام في أسرع خربشاته”، حتى لو لم تكن خربشات طارق السويسي سريعة بمعنى متسرعة. بل على العكس من ذلك، يجب أن ينظر إليها كما تم تصورها: مثل اللقطات اليومية التي تخلد، مثل الهايكاي الياباني المُدْرَجْ في أدب الرحلة، لحظة خاصة وفريدة وخالدة.
هذا ما يُمْكِنُنِي قوله عن صداقتي مع طارق السويسي، وهي صداقة خلدها في العديد من خربشاته، فمنذ لقائنا الأول في سبتمبر 2016، على انفراد أو علنا، مع أَلْمَى أو مارسيل خليفة، كانت الخربشات دائما موجودة، حاضرة، عنيدة كما لو كانت تخلد هذه الصداقة الفريدة بين الشاعر الذي هو أنا وبينه هو: طارق السويسي، الفنان المعجزة.