تحولات منتظرة في وضعية المركزي بعد الموقف الأميركي من قرار المجلس الرئاسي

نورلاند: واشنطن تعمل على إستراتيجية جديدة لمنع العنف وتعزيز الاستقرار في ليبيا.
الثلاثاء 2024/09/24
أزمة خلفت حالة من الغموض السياسي

يتطلع الليبيون إلى حلّ أزمة المصرف المركزي، التي خلفت حالة من الغموض ومهّدت لانقسام سياسي وانهيار مشاريع المصالحة واتساع رقعة الصراع على السلطة والثروة بين الفرقاء الأساسيين، خصوصا بعد دعوة واشنطن لمشاركة مختلف الأطراف الليبية في حوار موحّد والعمل على التصدّي للعنف وتعزيز الاستقرار بالبلاد.

يتجه الملف الليبي إلى المزيد من التعقيد بعد ثبوت تأجيل مؤتمر المصالحة الوطنية إلى أجل غير مسمى بعد أن كان مقررا تنظيمه تحت رعاية الاتحاد الأفريقي في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا في منتصف أكتوبر القادم، فيما أعرب المبعوث الأميركي الخاص لليبيا السفير ريتشارد نورلاند عن قلقه إزاء ما وصفها بالتحركات الأحادية التي شهدتها البلاد مؤخرا، لاسيما قرار المجلس الرئاسي بإقالة محافظ البنك المركزي في طرابلس، والردّ الذي تبعه من قبل معسكر شرق ليبيا بإغلاق بعض الحقول والموانئ النفطية.

وفي موقف غير مسبوق من أزمة المصرف، دعا نورلاند إلى ضرورة أن تركز الأطراف الليبية على حلها حتى لا تتحول إلى “حلقة مفرغة” تؤثر على الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد، مشيرا إلى “أن الجميع يدرك الحاجة الملحة للتوصل إلى قرار بشأن قيادة البنك المركزي”.

وبعد سلسلة اجتماعات عقدها في القاهرة مع عدد من المسؤولين في الحكومة المصرية والجامعة العربية، أكد المبعوث الأميركي على ضرورة أن يشارك كل أصحاب المصالح السياسية الليبيين في حوار جديد وواسع يهدف للتوصل إلى حلول وسطية تخدم مصلحة ليبيا، وقال إن بلاده تعمل على إستراتيجية جديدة لمنع العنف وتعزيز الاستقرار في البلاد، لافتا إلى أن “انتشار عمليات التصفية الجسدية والاختفاء القسري بسبب اختلاف وجهات النظر في ليبيا تثير القلق بشأن تنامي ثقافة الإفلات من العقاب”.

مراقبون يرجّحون أن تشهد الأيام القادمة تحولات جديدة في وضعية المصرف المركزي بعد الموقف الأميركي الجديد

ويأتي ذلك، بينما كشفت أوساط ليبية عن ضربة جديدة لملف المصالحة الوطنية تتمثل في الاتجاه نحو تأجيل مؤتمره الذي كان مقررا لمنتصف أكتوبر القادم في أديس أبابا إلى فبراير القادم، وذلك نتيجة استمرار حالة الانقسام بين الفرقاء الليبيين بخصوص مشروع المصالحة وطي صفحة الماضي، وفشل المجلس الرئاسي في تحقيق خطوات إيجابية نحو تقريب المسافات بين أطراف النزاع، وتحولّه إلى طرف في النزاع لاسيما مع احتدام مواجهته المفتوحة مع مجلس النواب وقيادة الجيش وانحيازه التام لحكومة الوحدة وسلطة الميليشيات في مدن الساحل الغربي.

وأوضح نورلاند أن الخطوة التي اتخذها المجلس الرئاسي بإقالة الصديق الكبير كانت أحادية الجانب، وتأتي في سياق الإجراءات الأحادية الكثيرة التي تتخذها الأطراف الليبية.

وأكد أن مداهمة وحدة المخابرات المالية للمصرف ومصادرتها بعض الأوراق والملفات، أثارت المخاوف حول مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهـاب، لافتا إلى أن الجدل القائم لدى المؤسسات الدولية بشأن المصرف المركزي في ليبيا حاليا، هو عن هوية المسؤول؟ وهل تتمتع القيادات المعنية بالمصداقية؟ مردفا أن الولايات المتحدة ترى أن ليبيا بحاجة لتحركات سريعة لاستعادة الثقة في قيادة المصرف المركزي، لتجنب حدوث أزمة اقتصادية، وأن الجميع يدرك الحالة الملحة للتوصل إلى قرار بشأن قيادة للمركزي تكون ذات مصداقية ومبنية على الإجماع في أقرب وقت ممكن.

وفي الأثناء، كشف مستشار المجلس الرئاسي وممثّله في الحوار الذي ترعاه البعثة الأممية بخصوص أزمة مصرف ليبيا المركزي أنّ ممثلي مجلسي النواب والدولة والمجلس الرئاسي اتفقوا سابقا على موعد لانتخاب المحافظ الجديد، وطلبوا مهلة لتقديم ملاحظاتهم على ورقة المبادئ المتفق عليها، وذلك قبل انعقاد جلسة انتخاب المحافظ الجديد في الأسبوع الأول من أكتوبر.

 وأضاف في مقابلة تلفزيونية، أن “البعثة الأممية تسعى للاستفادة من اللقاءات التي سيجريها رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في نيويورك على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، للتوصل إلى حل نهائي للأزمة”.

ويرى مراقبون، أن الوضع في ليبيا يسير نحو المزيد من الغموض في ظل جملة من المؤشرات حول احتدام الخلاف السياسي وتكريس الانقسام وانهيار مشاريع المصالحة واتساع رقعة الصراع على السلطة والثروة بين الفرقاء الأساسيين، مشيرين إلى أن المصالح الشخصية والأسرية والفئوية باتت تطغى على جميع الجوانب الأخرى، وهو ما تتحدث عنه القوى الإقليمية والدولية بوضوح.

الحماية الدولية لثروة الليبيين سيكون لها أثر سياسي، لأن حماية الثروة في خزائن المصرف سيمتد إلى حماية الثروة وهي في باطن الأرض، وضمان تدفقها السلس

بالمقابل، يرجح المراقبون أن تشهد الأيام القادمة تحولات جديدة في وضعية المصرف المركزي بعد الموقف الأميركي الجديد الذي عبر عنه السفير نورلاند، وفي ظل استمرار رفض عدد من المؤسسات المالية الاعتراف بالتغيير الحاصل على رأسه وفق قرار صادر عن المجلس الرئاسي من خلال الاتفاق السياسي ومن دون اتفاق بين مجلسي النواب والدولة المختصين دون غيرهما بالتعيينات في المناصب السيادية وفق اتفاق أبوزنيقة لصادر في يناير 2021.

وأبرز الكاتب والمحلل السياسي الليبي سليمان البيوضي، أن البنك الدولي لن يعترف بمحافظ مصرف ليبيا المركزي، الذي كلفه رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، وقال: “هذا المحافظ الذي اقتحم المصرف بالقوة ولا يملك مجلس إدارة ويعمل منفردا منذ أكثر من شهر”، مردفا: “لا حل للأزمة إلا بسحب قرار المنفي كخطوة أولى، وإعادة تشكيل مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي باتفاق المجلسين “النواب والأعلى للدولة”، وبخلاف ذلك كل الأخبار عن فتح الاعتمادات أو السويفت شائعات ووهم بغض النظر عن مصدرها”، لافتا إلى أن “النخبة الحاكمة لا تهتم بحال المواطن لذلك كل طرف يتعنت ويلقي التهم على الآخر”، وفق قوله.

ومن جانبه، دعا المحلل والناشط السياسي الليبي الأميركي محمد صالح بويصير إلى فرض وصاية دولية على ثروة الليبيين، واعتبر أن فكرة تشكيل لجنة دولية تفحص التصرفات المالية قبل إجازتها أفضل وأصبحت ضرورة للحفاظ على ثروة الليبيين، لأن أطراف النزاع المحلية ومَنْ وَرَاءَهَا من دول إقليمية مثل مصر وتركيا؛ تريد أن تغرف بلا أي اعتبار للحفاظ على ثروة الليبيين، وفق تعبيره.

ورأى بويصير أن الحماية الدولية لثروة الليبيين سيكون لها أثر سياسي، لأن حماية الثروة في خزائن المصرف سيمتد إلى حماية الثروة وهي في باطن الأرض، وضمان تدفقها السلس، مشيرا الى ان ذلك قادم.

إلى ذلك، أكدت مصادر مطلعة ان رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، يسعى للتخلص من رئيس جهاز المخابرات العامة حسين العائب، وتعيين آمر قوة العمليات المشتركة مصراتة، عمر بوغدادة، بدلا عنه، وهو ما يشير إلى رغبة الدبيبة في تمكين مقربين منه من السيطرة على مقاليد السلطة في البلاد بدءا من المصرف المركزي وصولا إلى جهاز إلى المخابرات الذي كان له دور في تنفيذ قرار المجلس الرئاسي بخصوص إقالة الصديق الكبير واستبعاد مجلس إدارة المصرف وفسح المجال أمام المحافظ ومجلس الإدارة الجديدين لتولي المسؤولية.

4