تحسن أرقام الاقتصاد لا يعكس الواقع المعيشي للمصريين

يثير التحسن الملحوظ في أرقام الاقتصاد المصري تساؤلات لدى طبقات شعبية عديدة مازالت تواجه صعوبات معيشية بسبب سياسات التقشف التي انتهجتها الحكومة دون أن ينعكس بالقدر ذاته على معدلات الفقر التي تجعل ثلث عدد سكان البلد تحت خطه، وسط توقعات بأن تفوق النسبة ما هو معلن في ظل التدهور الذي تعرضت له الطبقة المتوسطة.
القاهرة - أحدثت آخر المؤشرات حول الاقتصاد المصري والأرقام المرتبطة بتحريك عجلات النمو جدلا في الفترة الأخيرة داخل الأوساط الشعبية بالنظر لعدم انعكاس ذلك على الواقع المعيشي لشريحة واسعة من المصريين.
وتوقع صندوق النقد الدولي أن يصبح اقتصاد البلد ثاني أكبر اقتصاد أفريقي العام المقبل بقيمة 438.3 مليار دولار، مقارنة بحصوله على المركز الثالث هذا العام بقيمة 396.3 مليار دولار، لافتا إلى أن السياسات الحكومية أسست لاقتصاد قوي.
وأشار المركز الإعلامي للحكومة الثلاثاء الماضي إلى أن الصندوق أشاد بخطة الإصلاح الهيكلي التي يجري تنفيذها لتحقيق نمو شامل ومستدام يقوده القطاع الخاص، بما يخلق فرص عمل دائمة تحسن من مرونة الاقتصاد لمواجهة الصدمات الخارجية.
وأوضح أن تعميق وتوسيع الإصلاحات الهيكلية سيكونان ضروريين لمواجهة تحديات ما بعد جائحة كورونا وإطلاق العنان لإمكانات النمو الهائلة في مصر.

يُمنى الحماقي: الاقتصاد بحاجة لتحسين جودة الإنتاجية حتى يظهر على الناس
ورجح الصندوق أن يزيد إجمالي الإيرادات كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي لتصل العام المقبل إلى 18.7 في المئة على أن تصل إلى 19 في المئة بحلول العام 2025، وتراجع العجز الكلي ليسجل 6.2 العام المقبل، وسوف يصل إلى 5.3 في المئة خلال العام 2025.
وفي المقابل، تراجع معدل الفقر بنسب ضئيلة وبلغت 29.7 في المئة مقابل 32 في المئة قبل أربع سنوات، فيما تظهر تقديرات مبادرة “حياة كريمة” التي تتولى مسؤولية تطوير القرى أن هناك ألف قرية تصل فيها معدلات الفقر إلى 55 في المئة، ما يشير إلى أن هناك فجوة بين التطور الاقتصادي الحاصل على مستوى الناتج الإجمالي وبين تأثر المواطنين إيجابا بذلك التطور.
ومازالت الأسواق المحلية تعاني من مشكلات تآكل القوة الشرائية وارتفاع الأسعار لعدد من السلع الأساسية، كما أن معدل البطالة لم يشهد تطورا على مستوى الأرقام، وشهدت زيادة خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
ولا تزال تواجه القاهرة تداعيات مشكلات عودة نحو مليوني مواطن من ليبيا ودول الخليج على إثر الأزمات الطاحنة بالمنطقة، وتأثرا بالأوضاع التي فرضها كورونا.
وأظهرت بيانات مؤسسة آي.إتش.إس ماركت للأبحاث الاقتصادية انكماش نشاط القطاع الخاص غير النفطي بالبلاد للشهر الثاني عشر تواليا خلال نوفمبر الماضي، مع ارتفاع التوقعات للتضخم.
وهذا أدى إلى انخفاض طلبات الأعمال الجديدة بأسرع وتيرة في عام، ولوحظ أن هناك ارتفاعا في أسعار البيع عرقل إنفاق الزبائن دائما في السوق المحلية.
وجاءت قراءة مؤشر آي.إتش.إس ماركت لمديري المشتريات عند 48.7 نقطة، أي دون مستوى الخمسين نقطة الفاصل بين النمو والانكماش، دون تغيير عن أكتوبر الماضي.
وقالت أستاذة الاقتصاد بجامعة عين شمس في القاهرة يُمنى الحماقي إن “زيادة الناتج الكلي قد لا تنعكس على معدلات الفقر ورفع الإنتاجية، لأن القيمة النهائية تأتي من مجالات عديدة، وفي حال لم يكن هناك توزيع عادل للثروات فإن الفقراء يزدادون فقرا والأغنياء يزدادون ثراء”.
وتعد الأرقام مؤشرا إيجابيا، لكن ينقصها وجود رؤية واضحة وتنسيق متكامل بين كافة الأجهزة لتحقيق الأهداف المرجوة والتأثير مباشرة في الحياة اليومية للمواطنين.
وأضافت الحماقي في تصريح لـ”العرب” أن “الاقتصاد المصري بحاجة إلى تحسين جودة الإنتاجية، أي نصيب العامل من الإنتاج ما يقود لتحسين الأجور ومن ثم تحسن أجواء التنافسية التي تنعكس إيجابا على حياة المواطنين ومعيشتهم، وأن الوضع الحالي بحاجة لتنمية مهارات العمالة ورفع الكفاءة بالتنسيق بين الوزارات الجهات والوزارات المعنية”.
وأوضحت أن الحكومة بحاجة أيضا إلى تحسين الكفاءة لأداء الشركات وتخطيط الحوكمة ومراجعة التكاليف، لأن الاقتصاد يعاني من أزمة عدم تحديد التكلفة بشكل واضح ومحدد في الجهات الحكومية والقطاع الخاص، وبالتالي لا تكون لدينا القدرة على التحكم في مراكز التكلفة بضغطها أو زيادتها.
وواجهت الحكومة انتقادات عديدة السنوات الماضية لتجنبها التركيز على تنمية الصناعات التحويلية ذات العمالة الكثيفة التي تولد فرص العمل للشباب وتوفر السلع الاستهلاكية بأسعار منافسة وتستفيد من مردودها فئات واسعة تشمل في بلدان صناعية وناشئة 50 في المئة أو أكثر من السكان قبل أن يشهد القطاع تطورا دون أن تظهر عوائده بعد.
29.7
في المئة نسبة الفقر قياسا بنحو 32 في المئة قبل أربع سنوات وفق البيانات الرسمية
وسجل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ارتفاع الرقم القياسي للصناعات التحويلية والاستخراجية دون النفط الخام والمنتجات البترولية بنسبة قدرها 2.2 في المئة.
وتواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة عثرات جراء زيادة أسعار الخدمات الحكومية المقدمة إليها، تحديدا على مستوى أسعار الكهرباء التي تضاعفت بسبب تقلص الدعم الحكومي، والاعتماد على ما يٌعرف بـ”الممارسة” أو الغرامة الشهرية بدلا من العدادات الكودية التي لم تصل لكثير من المرافق، إلى جانب تعقيدات بيروقراطية عديدة قادت لإفشال كثير من المشروعات الناشئة.
وباتت مؤشرات الاقتصاد التي تحسنت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك عالقة في أذهان الكثيرين، من دون أن تنعكس على حياة المواطنين، ما قاد لاندلاع ثورة شعبية ضده خرجت بشعارات سياسية واقتصادية، وهو ما يدفع البعض للتخوف من أن تستفيد قطاعات بعينها من التحسن الاقتصادي الظاهر حاليا ولا تستفيد منه جيدا غالبية المواطنين.
وتشير توقعات صندوق النقد إلى متوسط معدل نمو الاقتصاد المصري خلال السنوات الخمس المقبلة بأنه سيكون الأفضل منذ ربع قرن، بمعدل 5.6 في المئة خلال الأعوام من 2022 وحتى 2026، وهي نسبة قريبة من معدل النمو الذي حققه خلال الفترة بين 2007 إلى 2010 حيث بلغت 5.2 في المئة.
وأكدت الحماقي لـ”العرب” وجود اختلافات كبيرة بين الحالة الراهنة واقتصاد العام 2010، إذ أن تلك الفترة شهدت عدم عدالة صارخة في توزيع الثروات وسيطر السياسيون على المصالح الاقتصادية وكانت العوائد تصب في صالح مجموعة بعينها وهو ما قاد لاحتقانات شعبية، الأمر الذي يختلف عما هو سائد حاليا حيث تبدو الدولة أكثر حسما مع الفساد.
ويذهب خبراء للتأكيد على أن المبادرات الحكومية لمكافحة الفقر وتحسين جودة الحياة في القرى تعد فرصة مواتية لتحقيق نقلة اقتصادية تنعكس إيجابا على المواطنين، على أن تكون هناك نظرة مختلفة لأولويات الإنفاق بحيث تذهب للقطاعات التي دفعت ثمن سياسات التقشف التي انتهجتها الحكومة مصحوبة بكفاءة إنفاق لا تؤدي لتبديد الثروات.