تحرّكات عسكرية تركية تنذر باحتلال وشيك لأجزاء من الأراضي العراقية

تنفيذ عملي لتهديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخرا بغزو سنجار.
السبت 2021/01/30
نحو مغامرة جديدة

وجود عناصر حزب العمّال الكردستاني على الأراضي العراقية يوفّر ذريعة مثالية لتركيا للتدخّل عسكريا في العراق، بشكل يتجاوز أسلوب العمليات الخاطفة المتّبع سابقا من قبل القوات التركية، إلى تدخّل واسع النطاق يؤسس لوجود عسكري ثابت على تلك الأراضي يلبي نوازع التمدّد خارج الحدود الذي أصبح سمة مميّزة للسياسة التركية في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان.

الموصل (العراق) - قالت مصادر استخباراتية عراقية إن القوات التركية المنتشرة في عدد من المواقع ضمن محافظة نينوى بأقصى الشمال الغربي للعراق، وسّعت نطاق مهامها الاستطلاعية تحضيرا لما قد يكون عملية برية في قضاء سنجار أحد أهم معاقل حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة منظمة إرهابية.

وقالت المصادر إنّ الطيران التركي نفذ عددا كبيرا من عمليات الاستطلاع خلال الأيام القليلة الماضية شملت مناطق ضمن محافظة نينوى محاذية للحدود السورية.

وجاءت هذه التحركات في أعقاب التصريحات التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الثاني والعشرين من الشهر الجاري وتضمنت تهديدا صريحا بغزو قضاء سنجار العراقي واحتلاله بحجة “مطاردة الإرهابيين”.

وقال أردوغان “بخصوص إخراج الإرهابيين من سنجار: لديّ وعد دائم.. يمكننا أن نأتي فجأة ذات ليلة”. وأضاف “نحن مستعدون دائما للقيام بعمليات مشتركة، لكن هذه العمليات لا تتم بالكشف عنها”.

ويقول مراقبون إن تركيا ربما تجهّز لعملية برية خلال الأيام القليلة القادمة لاحتلال منطقة سنجار، بحجة فشل اتفاق موقّع بين الحكومة العراقية المركزية وسلطات إقليم كردستان على إخراج حزب العمال الكردستاني من المنطقة.

وأطلق أردوغان تصريحاته التي وصفت بالاستفزازية، بعد أيام من إرسال وزير دفاعه خلوصي أكار إلى كل من بغداد وأربيل لنقل رسائل لم تكن ودية بالكامل، على ما أفادت مصادر سياسية مطّلعة.

وقالت المصادر إن وزير الدفاع التركي هدّد قيادة إقليم كردستان بتحريك ملف المعبر الحدودي التركي مع الموصل إذا لم تتعاون سلطات الإقليم مع أنقرة في ملاحقة حزب العمال الكردستاني.

ويعتمد اقتصاد الإقليم الكردي بشكل كبير على حركة التبادل التجاري عبر معبر إبراهيم الخليل بين العراق وتركيا، وسيكون فَتْح معبر منافس لا يمر عبر الأراضي الكردية ذا آثار اقتصادية كارثية على أكراد العراق الذين يعانون أصلا ضائقة مالية غير مسبوقة بسبب امتناع الحكومة المركزية عن تسليمهم حصّة إقليمهم من الموازنة الاتحادية بسبب خلافات على العوائد التي يجنونها من بيع نفط الإقليم ومن منافذه الحدودية.

وترتبط تهديدات الوزير التركي بنقاش انطلق في زمن حكومة رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي بشأن إمكانية فتح معبر حدودي بين العراق وتركيا لا يمر بالأراضي التي تقع تحت سيطرة حكومة الإقليم الكردي.

هيوا عثمان: تركيا تستغل الفراغ الأمني على الحدود العراقية – السورية
هيوا عثمان: تركيا تستغل الفراغ الأمني على الحدود العراقية – السورية

ووجد هذا النقاش شيئا من الحماس في ظل توتر علاقة العبادي بالزعيم الكردي مسعود البارزاني، لكن أهمية الملف تراجعت عند وصول عادل عبدالمهدي إلى منصب رئيس الوزراء، حيث يرتبط بعلاقات وثيقة مع الأكراد.

وغيّرت أنقرة خلال السنوات الأخيرة من أسلوبها في معالجة تواجد عناصر حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية، وأصبحت تميل إلى توسيع عملياتها في العمق العراقي دون التنسيق مع بغداد جنبا إلى جنب التأسيس لوجود عسكري مستدام هناك من خلال تركيز قواعد عسكرية، وذلك بعد أن ظلّت طيلة عقود من عمر صراعها الدامي مع مسلحي حزب العمال تكتفي بالقيام بعمليات عسكرية خاطفة وحملات محدودة لملاحقة هؤلاء المسلّحين.

وخلال السنة الماضية، وإثر إطلاق القوات التركية عملية عسكرية جوية وبرية لملاحقة عناصر حزب العمال داخل أراضي العراق دون تنسيق مع حكومته، احتجّت بغداد أكثر من مرّة على انتهاك تركيا لسيادة البلد ولحرمة أراضيه، خصوصا وأن العملية أوقعت قتلى وجرحى مدنيين وعسكريين عراقيين.

وفي أغسطس الماضي، وفيما كانت حكومة العراق تنتظر اعتذارا من أنقرة على قتل ضابطين وجندي من القوات العراقية في قصف جوي تركي على منطقة برادوست بإقليم كردستان العراق، بادرت حكومة أردوغان إلى تحميل الجانب العراقي مسؤولية ما حدث، متهمة إياه بالتغاضي عن أنشطة حزب العمال، ومتوّعدة بمواصلة عملياتها عبر الحدود العراقية ضد مسلحي الحزب.

كما سبق لمسؤول تركي بارز أن أعلن أن بلاده تعتزم إقامة المزيد من القواعد العسكرية المؤقتة في شمال العراق بعد أن كثفت ضرباتها على المقاتلين الأكراد هناك، معتبرا أن إقامة تلك القواعد تصبّ في ضمان أمن الحدود.

ويقول المحلل السياسي الكردي هيوا عثمان إن أردوغان قد يستغل انشغال بغداد بالصراع مع الميليشيات والخلاف مع إقليم كردستان لشن هجوم على قضاء سنجار واحتلاله.

وينقل عثمان عن مصادر خاصة أن الهجوم على سنجار قد تسبقه عملية تركية لاحتلال مناطق جديدة بشمال شرق سوريا، قبل العبور إلى العراق، مشيرا إلى أن أردوغان يستغل الفراغ الأمني على الحدود العراقية – السورية لترسيخ النفوذ العسكري التركي في المنطقة.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها أردوغان عن سنجار التي لم تتوقف الأعمال العدائية التركية فيها بذريعة ملاحقة الإرهابيين، لكنها المرة الأولى التي يستخدم خلالها عبارة “سنأتي ذات ليلة” التي استخدمها قبيل عمليات عسكرية برّية تركية في سوريا انتهت باحتلال أجزاء من الأراضي السورية.

ويرصد متابعون للشأن التركي بروز نزعة متنامية لدى تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان خلال السنوات الأخيرة للتدخّل العسكري خارج الحدود، في سوريا وليبيا والعراق، وأخيرا في إقليم قرة باغ محلّ النزاع بين أرمينيا وأذربيجان.

ويخشى عراقيون، لاسيما من أكراد البلاد، أن يكون التدخّل التركي في العراق انعكاسا لمطامع حقيقية في أراضيه وامتدادا للمطامع في أراضي سوريا المجاورة والتي جسدتها أنقرة بالسيطرة على أجزاء واسعة من شمال وشرق البلاد باستخدام الذريعة ذاتها وهي ملاحقة التشكيلات الكردية المسلّحة التي تصنّفها أنقرة تنظيمات إرهابية.

ويقول مراقبون إن أردوغان ربما يستخدم حزب العمال الكردستاني ذريعة لتوسيع نفوذه العسكري في العراق، استعدادا لأي تطورات محتملة تتعلق بالسياسة الخارجية للرئيس الأميركي جو بايدن.

وتدور التوقعات حول إمكانية أن تقلص الولايات المتحدة عدد قواتها في العراق مجددا، ما قد يخلق فراغا جديدا في هذا البلد. ويريد أردوغان أن يكون مستعدا لهذه اللحظة أملا في التحول من لاعب ثانوي حتى الآن في الملف العراقي إلى لاعب رئيسي.

3