تحذير في المغرب من مستغلي الوسائل العمومية في التنافس السياسي

الرباط - أصدر عامل إقليم سيدي إفني في المغرب لحسن صدقي تعليمات مشددة إلى رؤساء مجالس البلديات والجماعات القروية التابعة للإقليم، يحذّر فيها بشكل واضح وصريح من أيّ استخدام لوسائل وآليات الجماعات في أغراض سياسية أو انتخابية.
يأتي ذلك بعدما وجهت كل من النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار فاطمة التامني ورشيد حموني رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب المغربي، سؤالًا كتابيًا إلى وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، للاستفسار حول استعمال وسائل عمومية وتوزيع مساعدات لأغراض انتخابية، باستغلال جمعية مقربة من حزب في الأغلبية الحكومية لمعدات الدولة في أنشطة “خيرية”.
ووصفت مبادرة عامل إقليم سيدي إفني لحسن صدقي بـ”الحازمة والاستباقية”، بعدما حرص على التأكيد في مراسلته الرسمية، على ضرورة التقيد التام بالقوانين الجاري بها العمل، محذرًا من أن مخالفة هذه التعليمات ستؤدي إلى إجراءات قانونية صارمة بحق كل مسؤول تثبت مخالفته للقانون، وذلك بهدف حماية نزاهة الإدارة الجماعية وضمان الشفافية والمصداقية أمام الرأي العام المحلي والوطني.
ويأتي هذا التحرك بعدما تم رصد استخدام شاحنة تابعة للجماعة الترابية تيوغزة باقليم سيدي أفني جنوبا، في توزيع مساعدات يُشتبه في أنها مرتبطة بجمعية “جود” المحسوبة على حزب التجمع الوطني للأحرار، حيث كشفت البرلمانيان التامني وحموني، على أن استخدام شاحنة تابعة للدولة أمام منزل وزير حالي لنقل مساعدات مرتبطة بهذه الجمعية، يثير شبهات استغلال النفوذ والموارد العمومية لأغراض سياسية، مع خطورة هذه الأساليب على نزاهة العملية الديمقراطية.
واعتبرت التامني أن هذه الممارسات تمثل “اغتيالًا موصوفًا للديمقراطية،” متهمة جهات تدّعي العمل الخيري بالتلاعب بمعاناة المواطنين الذين زادت أوضاعهم هشاشة بسبب السياسات الحكومية نفسها، وذلك بهدف التأثير على إرادتهم الانتخابية، في ظل تنافس محموم على رئاسة حكومة 2026، خاصة أن الجمعية المعنية كانت غائبة عن تقديم المساعدات في محطات مفصلية، لكنها تحركت فجأة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية.
من جهته أكد رشيد حموني في سؤاله الكتابي لوزير الداخلية أنه تمَّ تسجيلُ وتوثيق بالصورة والصوت، إقدام مؤسسة جود الذراع الخيرية للحزب الذي يقود الحكومة على القيام بعمليات متواترة وكبيرة لتوزيع مساعداتٍ عينية، عن طريق شبكةٍ واسعةٍ، تحت يافطة العمل الجمعوي، وأحياناً كثيرة باستغلال وسائل وممتلكات عمومية في نقل وتخزين وتوزيع هذه المساعدات التي تُقَدَّمُ تحت شعار التضامن والعمل الخيري.
وأضاف حموني أن الخلفيات والشروط الانتخابية في ذلك لا تخفى على أحد، بما يؤشر على استغلال أوضاع الفقر والهشاشة في أوساط المستضعفين لاستمالة الناخبين بشكلٍ غير أخلاقي وغير مشروع إلى صفِّ الحزب الذي يرأس الحكومة حاليًّا، والذي يعلمُ الجميعُ ارتباطاته المعلنة والعلنية بهذه المؤسسة، بما يُكَرِّسُ الفوارق ويُعمِّقُ تراجع منسوب الثقة بالمؤسسات المنتخبة وفي العمل السياسي النبيل والمشروع.
وأكد رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية، أن “العمل السياسي المغلف بلباس العمل الخيري يعد ممارسة غير مقبولة، واللجوء إلى أساليب من قبيل توظيف المال واستغلال الفقر والهشاشة دليل على افتقار تلك الأحزاب إلى برامج انتخابية واقعية ومقنعة، وعلى عدم احترامها لمبدأ التنافس السياسي الشريف، الذي يعد ركيزة من ركائز العملية الانتخابية.”
مبادرة السلطات عبر تفعيل القوانين المنظمة للعمل الخيري كفيلة بوضع حد للممارسات التي تعمل على تحويل الأحزاب إلى مؤسسات انتخابية مناسباتية
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، أن “مبادرة السلطات عبر تفعيل القوانين المنظمة للعمل الخيري كفيلة بوضع حد لهذه الممارسات التي تعمل على تحويل الأحزاب إلى مؤسسات انتخابية مناسباتية، ينحصر هدفها في استمالة الأصوات بدل تقدم البدائل والحلول، خدمة لمصلحة المواطنين والمصلحة العامة للبلاد.”
وفي سياق الاتهامات الموجهة للأحزاب المشاركة في الأغلبية الحكومية بتنظيم حملات انتخابية مبكرة باستخدام الإمكانيات والوسائل العمومية في التنافس السياسي، ساءل البرلمانيان وزير الداخلية عن الإجراءات التي تعتزم الوزارة اتخاذها للحد من هذه التجاوزات، ومنع توظيف إمكانيات الدولة والتلاعب بفقر المواطنين في سياق انتخابي، من أجل فرض التطبيق الحازم للقواعد والضوابط القانونية المتعلقة بتوزيع المساعدات الإنسانية، بصفة عامة، وتحديداً بالنسبة إلى مؤسسة جود، وممارساتها، ذات الارتباطات الحزبية والانتخابية الواضحة.
وخلال ندوة صحفية عقب الاجتماع الحكومي، تحاشى الوزير المنتدب مصطفى بايتاس الناطق الرسمي باسم الحكومة، وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار الإجابة عن سؤال الصحافي مصطفى الحجري حول حقيقة الاتهامات الموجهة إلى حزبه وإليه، بخصوص استغلال وسائل وآليات جماعية لتوزيع مساعدات خيرية على السكان.
ويخضع توزيع المساعدات لأغراض خيرية لشروط وقواعد واضحة ودقيقة، متضمَّنَة في الباب الخامس من قانون تنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية، الصادر بالجريدة الرسمية، خصوصا ما يتعلق بالمراقبة، والتصريح، وتوضيح مصادر التمويل، وهويات المستفيدين، وتقديم تقرير للإدارة من قِبَلِ الجهة المعنية بالتوزيع.
وتوجه أصابع الاتهام إلى بعض الأحزاب السياسية لقيامها بحملات انتخابية سابقة لأوانها باستغلال مثل مناسبة رمضان لاستقطاب الفئات الهشة تمهيدا لاستغلالها في الحصول على مقاعد في البرلمان أو المجالس المحلية، بتسييس العمل الخيري وتوظيفه لخدمة أغراض انتخابية، وقد منعت السلطات خلال آخر انتخابات تشريعية، النشاطات الخيرية التي تقوم بها جمعيات مدنية خلال شهر رمضان، لمنع أي استغلال بعض الأحزاب السياسية للترويج الانتخابي، في شكل حملات سابقة لأوانها.