تحديات ترتيب البيت الدبلوماسي الجزائري وكسر الحواجز الخارجية

رغم أنّ القرار الدبلوماسي في الجزائر ليس بيد وزير الخارجية وحده إلّا أن النشاط متعدد الأقطاب المسجل في الآونة الأخيرة يشير إلى أن الجهود مركزة الآن حول استرجاع بعض الأوراق.
السبت 2023/04/01
بانتظار تعاط جديد مع القضايا الخارجية

الاتصالات الدبلوماسية التي باشرها وزير الخارجية الجزائري الجديد أحمد عطاف تشير إلى أن الرجل بصدد ملء فراغ تركه سلفه رمطان لعمامرة على مدار الأشهر الماضية، وهو أمر يوحي بأن السلطة انتبهت إلى فراغات تكرّست خلال الفترة المذكورة، خاصة مع بعض المحاور التي ظلت بعيدة عن الاهتمام، على غرار السودان والأردن.

ورغم أنّ القرار الدبلوماسي في الجزائر ليس بيد وزير الخارجية وحده، فدستوريا هو من صلاحيات رئيس الجمهورية وعمليا هو صنيعة دوائر النفوذ، إلّا أن النشاط متعدد الأقطاب، المسجل في الآونة الأخيرة، يشير إلى أن الجهود مركزة حول استرجاع بعض الأوراق.

لقد توازت الجهود والأقطاب فيما عرف بـ”دبلوماسية الهاتف” أو “دبلوماسية رمضان”، حيث كثف الرئيس عبدالمجيد تبون من اتصالاته مع قادة ورؤساء عرب ومسلمين، ظاهرها الموسم الديني وباطنها الاطمئنان أو تعزيز قنوات التقارب، مما يوحي إلى أن الجزائر التي مررت قمة “لمّ الشمل” في نوفمبر الماضي بمن حضر، لم تسرّها الخواتيم فهي ليست في مستوى التطلعات والطموح.

القرار الدبلوماسي في الغالب محيّد عن الخلافات والتجاذبات الداخلية.. وهذا هو الذي يستوجب أن يبلغه أحمد عطاف بالدبلوماسية الجزائرية في التعاطي مع مختلف الملفات الإقليمية والدولية

فقد أُعلن عن لجنة مشتركة عليا هي الأولى من نوعها بين الجزائر والمملكة العربية السعودية، وفتح المجال أمام تعاون تجاري مع السودان، وعلاقات محورها الطاقة مع الأردن، وهو ما يعني أن المقاربة بصدد مراجعة لأجل توازن جديد، يخرج العلاقات من منطق الأقطاب والتحالفات التقليدية.

هو منطق موروث من حقبة دبلوماسية آفلة، ظلت تصنف الجزائر ضمن محور معين، ومهما كانت مبرراته وسياقاته يبدو أنه بلغ نهايته، وقد أدركت الجزائر ذلك بإعادة ترتيب أولوياتها الدبلوماسية، فخطاب لمّ الشمل الذي تبنته في القمة العربية يتوجب فتح قنوات التواصل مع الجميع، ومسح درجات التصنيف الموروثة، فأول ورقة للمّ الشمل هو ربح ثقة الجميع في المنطقة والعالم العربي.

لقد أبانت القمة العربية الأخيرة عن اختلالات كان بالإمكان تجاوزها بإطلاق رسائل الثقة للجميع، حتى وإن كانت تقاليد العمل العربي المشترك لم تحقق الإجماع في أيّ من محطاته، لكن بالإمكان تعويض ذلك بالقنوات الثنائية، فالتفريط في بعض المحاور والعواصم هو مؤشر عزلة وفقدان مصالح.

الاتصالات الدبلوماسية المذكورة رجحت على ما يبدو كفة الانتماء العربي والأيديولوجي للجزائر، لصالح نخب ظلت تصطدم على مر العقود الماضية بإرادة خفية تضغط لصالح إبعاد البلاد عن محيطها العربي لصالح انتماءات أيديولوجية وثقافية أخرى.

فلحوم السودان ظلت مطلبا شعبيا جزائريا لاعتبارات دينية وقومية وتجارية منذ سنوات، لكن لوبيات التجارة والأيديولوجيا ظلت تقف ضدها بدعوى الشروط الصحية واللوجيستية، لكنها لم تكن تعارض قدومها من أميركا اللاتينية.

ومشروعات واستثمارات عربية وخليجية كبيرة تعود إلى عقود خلت، لقيت نفس المصير وتمت عرقلتها بكل الوسائل لنفس الغاية، لأن القبضة الحديدية بين النخب السياسية والأيديولوجية كانت في ذروتها، قبل أن ترجح الكفة على ما يبدو لصالح الباحثين عن عمق جغرافي وعربي للبلاد.

حاول الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، فتح قنوات الاتصال والتعاون العربي، وتدخل شخصيا بعدة قرارات في ذات السياق، لكن ذلك لم يمنع اللوبيات المناوئة من كسر تلك الجهود، وهو نفس الهاجس الذي يجدد نفسه الآن مع توجهات الدبلوماسية الجديدة، فعلاوة على مطبات العهد الجديد ونوايا المناهضين وجدت البلاد نفسها في عزلة مفاجئة.

دواعي ومبررات التحول لا تحجب مساعي النخب المقاومة للتوجه الجديد، فالهيكلة والأداء الدبلوماسي هو الآخر في حاجة إلى ترتيب، لأن تداخل المهام مثير للشبهة والغموض

لكن دواعي ومبررات التحول المذكور لا تحجب مساعي النخب المقاومة للتوجه الجديد، فالهيكلة والأداء الدبلوماسي هو الآخر في حاجة إلى ترتيب، لأن تداخل المهام مثير للشبهة والغموض حول خلفيات وتعدد الرؤوس الدبلوماسية في البلاد.

في المطلق وزير الخارجية هو رئيس الدبلوماسية في أي بلد، والقرار الدبلوماسي هو صناعة الدوائر والمؤسسات ذات الصلة، فهناك الرئاسة والأمن ومخابر الدراسات والاستشراف، فهل كان ذلك يسير بشكل غير مستقيم خلال حقبة وزير الخارجية السابق رمطان لعمامرة، وهل كان القرار الدبلوماسي الجزائري يبلور دون تكامل بين دوائر القرار؟

دستور البلاد يخوّل لرئيس الجمهورية الدور الدبلوماسي، لكن وجود أمين عام لوزارة الخارجية يؤدي دورا شبيها بدور وزير الخارجية المعين يطرح السيناريو الذي وضعه الرئيس الراحل عندما وضع رأسين لوزارة الخارجية في سابقة أولى من نوعها، في إطار تصفية حسابات حينها بين جناح الرئاسة الممثل في عبدالقادر مساهل، وجناح الاستخبارات الممثل في رمطان لعمامرة.

أسابيع قليلة قبل التعديل الحكومي الأخير، ظهر أمين عام وزارة الخارجية عمار بلاني كخليفة مطروح بقوة لرمطان لعمامرة، بناء على نشاطه الدبلوماسي واستقطابه للأضواء مقابل اختفاء الوزير نفسه، لكن الرجل بقي في منصبه ويستمر في أداء نفس الدور، فكيف يستقيم الأمر مع النشاط العادي للوزير الجديد.

الأكيد أن للسلطة رؤيتها، لكن ذلك يطرح بجد مسألة أداء ومرونة المؤسسات الدبلوماسية في البلاد، كما طرح الأمر مع وكالة التعاون الخارجي التي ضخ لها الرئيس مليار دولار للاستثمار في أفريقيا، فمن يدير ومن يقرر كمّ وكيفية إدارة تلك الاستثمارات؟

القرار الدبلوماسي في الغالب محيّد عن الخلافات والتجاذبات الداخلية، فهو يمثل الدولة ووجد لخدمتها، وهذا هو الذي يستوجب أن يبلغه أحمد عطاف بالدبلوماسية الجزائرية في التعاطي مع مختلف الملفات الإقليمية والدولية.

8