تحديات اقتصادية صعبة بانتظار البرلمان العراقي الجديد

رغم إخفاق البرلمان السابق في إيجاد حلول ملموسة للملفات الاقتصادية الحارقة، فإن البعض ينظرون إلى التغيير الحاصل في خارطة البرلمان على أنه فرصة مهمة لإنقاذ البلد.
الأربعاء 2021/10/20
البلد النفطي نموذج للاقتصاد الهش

بغداد - أخذ الوضع الاقتصاد والمالي المتردي للعراق الحيز الأكبر من نقاشات الخبراء فور انتهاء الانتخابات البرلمانية الأخيرة كونه الاختبار الأصعب للنواب الجدد من أجل إيجاد حلول عاجلة وفعالة لدفع عجلة النمو إلى الأمام في المرحلة المقبلة.

ورغم إخفاق البرلمان السابق في إيجاد حلول ملموسة للملفات الاقتصادية الحارقة، كالفقر والبطالة، فضلا عن أزمة تمويل الموازنة التي أثقلت كاهل الحكومة، فإن البعض ينظرون إلى التغيير الحاصل في خارطة البرلمان على أنه فرصة مهمة لإنقاذ البلد من وضعه المتدهور.

وإذا كانت الأنظار تتجه صوب حسم ملف قانون الموازنة لعام 2022 فإن محللين يرون أن نواب البرلمان أمامهم عمل كبير للمصادقة على تشريعات ولاسيما الخلافية منها التي ظلت مركونة في رفوف المجلس لسنوات من دون أن تجد مخرجا يجعلها نافذة ومنها قانون النفط والغاز الذي يعد مركز الصداع والصراع ما بين بغداد وإقليم كردستان.

لؤي الحمداني: يجب سن قوانين تحفز النمو حتى ينعكس إيجابا على الناس
لؤي الحمداني: يجب سن قوانين تحفز النمو حتى ينعكس إيجابا على الناس

ويؤكد أستاذ القانون الدولي لؤي الحمداني أن من أولويات البرلمان الجديد هي سن قوانين ذات العلاقة بالواقع الاقتصادي، والتي تتعلق بالصناعة والزراعة والاستثمار، وهو ما سيترتب عليها تعافي النمو بشكل عام وتنعكس إيجابيا على المواطنين.

ونسبت وكالة الأنباء العراقية الرسمية إلى الحمداني قوله إن “من أهم الأولويات وضع تشريع ينظم القطاع الخاص، لكي نستطيع أن نضمن توفر فرص عمل للشباب من الخريجين وغير الخريجين، لأن البطالة آفة تهدد كل المجتمعات”.

ويعتبر البلد النفطي نموذجا للاقتصاد الهش في المنطقة العربية باعتباره يعتمد على ريع النفط كمصدر رئيسي للإيرادات ولذلك تأثر بالأزمة ومن الطبيعي أن تبعث المؤسسات المالية الدولية برسائل تحذر من انعدام الأمن المالي للسكان.

وتتزايد ضبابية الخروج من المشكلة في ظل استمرار تعثر جهود بغداد للبحث عن بدائل لإيرادات النفط، بعد أن فقد المواطنون جزءا من الدخل السنوي، في ظل تسارع تبخر مدخرات النقد الأجنبي وجبل الديون.

ويمر العراق، ثاني أكبر منتج للنفط في أوبك، بأسوأ أزماته الاقتصادية، فقد تضاعف معدل الفقر في البلاد في عام 2020 وصار 40 في المئة من السكان البالغ عددهم 40 مليوناً، يعتبرون فقراء، بينما خسرت العملة المحلية 25 في المئة من قيمتها.

ولم تشكل بيانات البنك الدولي التي نشرها في أغسطس الماضي بشأن تراجع نصيب الفرد من الدخل السنوي الإجمالي للبلاد مفاجأة للخبراء بالنظر إلى سوء إدارة الحكومات المتعاقبة للسلطة منذ العام 2003.

وبحسب البنك بلغ نصيب الفرد من إجمالي الدخل الإجمالي بنهاية العام الماضي 4.66 ألف دولار منخفضا عن 5.5 ألف دولار في عام 2019.

وعلى مدى السنوات الماضية كانت قضية الفساد أحد أسباب السخط الشعبي المستمر ضد النخبة الحاكمة بشكل عام في العراق.

ويشكّل الفساد الذي كلّف العراق ما يساوي ضعفي إجمالي ناتجه الإجمالي، أي أكثر من 450 مليار دولار، أبرز هموم العراقيين الذين يعانون من نقص في الكهرباء والمستشفيات والمدارس.

وتعبّد البيروقراطية المملّة طريقا إلى امتصاص موارد الدولة في بلد يحتل المركز 162 على مستوى العالم في سلم الفساد، الذي تنشره منظمة الشفافية الدولية سنويا.

وفي ظل ضعف كبير في قطاعي الزراعة والصناعة وغياب أي إمكانية للحصول على عائدات منهما تشكّل رسوم الجمارك المصدر الأهمّ للعائدات، التي تجد الحكومة الاتحادية صعوبة في تحصيلها.

ومن هنا، يعتقد الخبير العراقي هاتف الركابي أن من أهم أولويات البرلمان الجديد ألا يفصل التشريع عن الرقابة، وأن من أهم عوامل الرقابة أو الدور الرقابي هو مكافحة الفساد.

ويعلق الركابي آملا على تحسن الوضع مع صعود كتل برلمانية من المرجح أن يكون لها الدور الأكبر في ذلك. وأشار إلى أنه من خلال الرقابة الصارمة سيتخلص العراق من الفساد، ما سيؤدي إلى استقراره وتقديم الخدمات.

وكان زياد داوود كبير خبراء الأسواق الصاعدة قد طرح قبل أيام مقترحا نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء يتضمن منح الأموال مباشرة إلى المواطنين من خلال الدخل الشامل.

ووفق هذا التصور يحصل كل عراقي بالغ على مبلغ مالي قيمته 150 دولارا شهريا، بغض النظر عن نوعه أو انتمائه السياسي أو وضعه الوظيفي.

ورغم أن هذا المبلغ يبدو قليلا مقارنة بمتوسط أجور موظفي الحكومة في العراق والذي يبلغ نحو 800 دولار شهريا، فإنه سيكون لكل فرد وليس لكل أسرة. فالأسرة المكونة من أب وأم وطفلين ستحصل إلى 600 دولار شهريا وليس على 150 دولارا.

وإذا كانت الحكومة تنفق قرابة 90 مليار دولار سنويا أغلبها على أجور العاملين في القطاع العام، فإن إعادة توجيه نصف هذه الأموال نحو مشروع “الدخل الشامل” يكفي لتمويله.

ويمكن استخدام الجزء الباقي للاحتفاظ بالعاملين المدنيين الذين لا غنى عنهم في مجالات الدفاع والأمن والرعاية الصحية والإدارة العامة وغيرها. أما باقي العاملين في الدولة حاليا فيمكن أن يعرض عليهم الاختيار بين البقاء في وظائفهم أو الاستقالة والحصول على الدخل الشامل.

ويعتقد داوود أن منح المواطنين الأموال الحكومية بشكل مباشر، سيقلل الأموال العامة المتاحة أمام الأحزاب السياسية ويحد من نطاق الفساد.

وبالتوازي مع ذلك يرى الركابي أنه من الضروري المصادقة على تشريع قانون الضمان الاجتماعي الشامل وقانون العمال الذي يحقق العدالة الاجتماعية والعدالة الانتقالية في البلد الذي سعى جاهدا للحد من دائرة أزماته المزمنة.

وثمة قوانين كثيرة ليست بحاجة للتعديل، لكن بحاجة إلى إلغائها، وتشريع قوانين جديدة، منها قانون مجلس الإعمار لأنه سيحقق قفزة كبيرة في المشاريع الخدمية، فضلا عن قانون العشوائيات الذي سينظم عملية التجاوزات على أراضي وعقارات الدولة.

10