تحديات أمام المغرب للانتقال الفعال نحو الاقتصاد الأخضر

يواجه المغرب تحديات كثيرة أمام الانتقال الفعال نحو ترسيخ دعائم الاقتصاد الأخضر، والذي يحتاج إلى إعادة ضبط بوصلته على نحو أفضل خلال المرحلة المقبلة، بما يحقق أهداف الدولة في مسار الحياد الكربوني، الذي يبدو لا محيد عنه لمكافحة تغير المناخ.
الرباط – يطمح المغرب للتحول نحو الاقتصاد الأخضر لتوفير ثروة باستغلال بدائل متوفرة وغير مؤثرة على المناخ، حيث انخرط في مشاريع مهمّة في مجال الطاقات المتجددة وكفاءة الطاقة مع العمل على الاستثمار في تدوير النفايات أو الاستفادة منها لتوليد الكهرباء.
وتأتي كل هذه الخطوات ضمن مساعي الحكومة الحثيثة لتنفيذ توصيات المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي حول بناء “نموذج تنموي اقتصادي وبشري مستدام جديد، باستثمار المؤهلات الوطنية في مجال تنمية الثروات وتوفير فرص العمل”.
ورصد مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد في تقرير حديث نشر مؤخرا عددا من التحديات الكبيرة، التي تواجه البلاد في عملية التحول الهيكلي والشامل نحو اقتصاد منخفض الكربون.
وأكد معدو التقرير أن أهداف المغرب في ما يتعلق بتوسيع توليد الطاقة المتجددة تتطلب القيام بتحديثات كثيرة لزيادة القدرة على النقل والتوزيع للكهرباء.
كما شددوا على الحاجة إلى سياسة صناعية خضراء شاملة لتسريع التحول النظيف كي يشمل الاقتصاد ككل وليس فقط قطاع الكهرباء.
وحسب التقرير، فإن من بين التحديات أمام السلطات ضعف مساهمة القطاع الخاص، لاسيما في تصنيع التكنولوجيا النظيفة.
وفسر المركز البحثي المغربي، الذي تأسس في عام 2014 هذا الدور المحدود بأنه يعود إلى التكاليف الأولية العالية المرتبطة بمشاريع الطاقة البديلة وكفاءة الطاقة، وغياب الحوافز المالية القوية وآليات تقليل المخاطر اللازمة لجذب الاستثمارات الخاصة.
وينضاف إلى ذلك كله، ضعف سوق التمويل الأخضر في السوق المحلية، والذي يتفاقم نتيجة القيود المفروضة على الوصول إلى صناديق المناخ الدولية.
وأمام هذا الوضع، اقترح المركز في هذا السياق تنفيذ سياسات مالية وضريبية أكثر كفاءة، مثل الائتمانات الضريبية وأيضا التعريفات المدعومة وتنظيمات البنوك الخضراء.
واعتبروا أن الضرورة تقتضي اعتماد هذه الإجراءات من أجل تقليل تكاليف المشاريع الخضراء، وبالتالي تعزيز جاذبيتها للمستثمرين، وتعزيز اقتصاد منخفض الكربون أكثر مرونة وشمولية.
ويرى رشيد ساري، رئيس المركز الأفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة، أن برامج الاقتصاد الأخضر تبدو حاضرة لدى صانعي القرار تماشيا مع الرغبة والجهود في تكريس التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وتعزيز فرص العمل، خاصة البرامج المرتبطة بهذا النمط من التنمية مثل انتقال الطاقة.
وقال لـ”العرب” إن “أهمية الاقتصاد الأخضر بالمغرب كونه ينسجم مع التوجه العالمي الذي يحاول أن يتكيف مع الطاقات المتجددة، حيث إن المغرب يشتغل على التنمية المستدامة بموازاة مع انتقال الطاقة نحو البدائل المتجددة”.
وأضاف “نحن الآن نوفر أكثر من 41 في المئة من إمدادات الكهرباء من طاقات نظيفة، ونتطلع إلى رفع حصة الطاقات المتجددة في القدرة الكهربائية إلى ما فوق 52 في المئة بحلول العام 2030، وهذا برنامج يدخل ضمن الاقتصاد الأخضر”.
وفي دليل على حرص السلطات على تسريع التحول الأخضر وقعت مؤسسة تمويلكم المملوكة للدولة مؤخرا، مذكرة تفاهم مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في المغرب، بهدف تعزيز التعاون في مجال الاقتصاد الأخضر.
وتقول سامانثا باور، مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، إن التقدم الذي أحرزه المغرب في مجال انتقال الطاقة، كبير، مشيرة إلى دوره كمسرّع لهذا التحول نحو الاقتصاد الأخضر على المستوى الإقليمي.
وتطرقت باور أثناء حفل تقديم راندي علي، المدير الجديد لبعثة الوكالة الأميركية بالبلاد، بواشنطن، بحضور يوسف العمراني، السفير المغربي لدى الولايات المتحدة، إلى سعي الرباط لإنتاج أكثر من ثلث الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقات المتجددة.
ويرى خبراء مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد أنه رغم أن مشاريع انتقال الطاقة تحتاج إلى رأس مال كبير، إلا أنها لم تترجم إلى مستوى عال من التكامل الصناعي حتى الآن.
أبرز المعالجات الضرورية
- القيام بتحديثات لزيادة القدرة على نقل الكهرباء النظيفة وتوزيعها
- اعتماد سياسة صناعية خضراء شاملة كي تشمل الاقتصاد ككل
- زيادة مساهمة القطاع الخاص خاصة تصنيع التكنولوجيا النظيفة
- تنفيذ سياسات أكثر كفاءة كالائتمانات الضريبية والتعريفات المدعومة
وأشاروا إلى أن أحد المؤشرات الرئيسية على هذا التكامل المحدود هو نقص التصنيع المحلي، وزيادة القيمة المحلية في قطاع الطاقة المتجددة.
ويعتقد ساري أن إنتاج الهيدروجين الأخضر يبرز أن المكانة الاقتصادية للمغرب ستكون لها بصمتها في السياق العالمي، لاسيما أن المعطيات المتوفرة والتوقعات الرائجة تكشف أن البلد لن يحقق الاكتفاء الذاتي فحسب، بل سيتجه إلى تصدير الفائض أيضا.
لكن الخبير المغربي يرى أن هذا لا يمنع أن الحاجة اليوم قائمة إلى التفكير في تأهيل أكثر للاقتصاد الدائري، لكونه لا يقلّ أهمية عن أي مسارات أخرى في مسح البصمة الكربونية.
وشرع المغرب منذ سنوات في الاعتماد على الاقتصاد الأخضر بهدف توليد عائدات سنوية هائلة وفرص عمل كثيرة، رغم أن هذا التحول الإستراتيجي يتطلب، حسب مسؤولين في الحكومة والبرلمان، جهودا مكثفة.
وتشمل تلك الجهود تقييم آثار سياسات تغير المناخ على الحياة الاجتماعية، إلى جانب الاهتمام بالتنمية في الأرياف وزيادة مشاريع قطاع الماء، واعتماد تقنيات إنتاج أنظف وأكثر كفاءة.
ويلفت مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد في تقريره إلى أن معظم التكنولوجيات والمكونات المستخدمة في هذه المشاريع تبقى مستوردة.
وأوضح أن المغرب يركز أكثر على تنفيذ المشاريع الكبيرة بدلا من تعزيز نظام صناعي شامل يمكن أن يدعم النمو المستدام للناتج المحلي الإجمالي ودعم سوق العمل.
وأكد أن من خلال تشجيع التصنيع المحلي وتوسيع سلاسل الإمداد المحلية، يمكن للمغرب تعزيز خلق القيمة المحلية، وبالتالي تعزيز الفوائد الاجتماعية والاقتصادية لصناعة الطاقة المتجددة.
وثمة إجماع على نطاق واسع على أن الاستثمارات تبقى ضرورية، ومن مصادر متنوعة، بما في ذلك الهيئات الحكومية، والمستثمرون من القطاع الخاص، والمؤسسات المالية الدولية، والبنوك التنموية متعددة الأطراف من أجل بلوغ الأهداف.
وفي الجانب التكنولوجي، تتطلب أهداف المغرب لتوسيع توليد الطاقة المتجددة إنجاز تحديثات كثيرة لزيادة القدرة على النقل والتوزيع، وهو ما يعد ضروريا لاستيعاب تدفقات الطاقة العليا من المصادر المتجددة.
ويشدد خبراء المركز البحثي على أن الاستثمار في تحديث الشبكة وإرساء تنظيمات داعمة للطاقة المتجددة الموزعة هو خطوة حاسمة نحو تحقيق كامل إمكانيات وطموحات المغرب في مجال الطاقة الخضراء.