تحجيم إيران في سوريا أولوية إسرائيلية رغم التحديات الداخلية

استهداف إسرائيل لاجتماع رفيع المستوى لمسؤولين عسكريين سوريين وإيرانيين وشحنة أسلحة لم تكد تطأ أبواب مطار تيفور قبل أن يتم قصفها، يحمل أكثر من دلالة لعل أهمها أن هدف القضاء على الوجود الإيراني داخل سوريا لا يزال يحظى بالأولوية لدى المؤسستين السياسية والأمنية الإسرائيلية على الرغم من الأزمات الداخلية المتفاقمة ومن بينها تفشي فايروس كورونا.
دمشق – يحمل استئناف إسرائيل قصفها للأراضي السورية والذي يتردد أنه استهدف هذه المرة اجتماعا بين ضباط رفيعي المستوى من الجيشين السوري والحرس الثوري الإيراني فضلا عن شحنة أسلحة وصلت إلى مطار تيفور العسكري، رسائل مزدوجة لإيران كما للداخل الإسرائيلي.
وعلى خلاف الغارات السابقة التي عادة ما تتم في وقت متأخر من الليل، قامت الطائرات الإسرائيلية في تمام الساعة الثامنة من مساء الثلاثاء بقصف بدا دقيقا ومركزا، في رسالة ضمنية بأن إسرائيل تفرض رقابة لصيقة على اجتماعات وتحركات الحرس الثوري الإيراني داخل سوريا، حتى تلك المفروض أنها تحظى بطابع “سري للغاية”.
وأكدت مصادر ميدانية سورية لـ”العرب” أن شحنة الأسلحة التي تم استهدافها من جملة الأهداف التي قصفتها الطائرات الإسرائيلية كانت وصلت إلى مطار تيفور من قاعدة الشعيرات التي تعد مركز عمليات للحرس الثوري في محافظة حمص وسط سوريا.
ويقول متابعون للشأن الإسرائيلي إن الاستهداف الأخير كان الهدف الأساسي منه التأكيد على أنه رغم التحديات التي تواجهها إسرائيل، فإن ذلك لن يحرف أنظارها عما تعتبرها تهديدات وجودية من قبيل الوجود الإيراني في سوريا.
شحنة الأسلحة التي تم استهدافها كانت وصلت إلى مطار تيفور من قاعدة الشعيرات التي تعد مركزا لعمليات الحرس الثوري
وتعيش إسرائيل على وقع أزمة سياسية غير مسبوقة في ظل استمرار تعثر مسار تشكيل حكومة مع بروز مؤشرات عن بداية تفكك جبهتي اليمين والوسط على السواء، وتأتي هذه الأزمة مع تفاقم خطر تفشي فايروس كورونا والذي بات يهدد أعلى هرم المؤسسة العسكرية في ظل ما كشفت عنه وسائل إعلام محلية حول إمكانية إصابة رئيس الأركان أفيف كوخافي وجنرالات آخرين بعد مخالطة أشخاص مصابين بالفايروس.
ويقول المتابعون إن إسرائيل من خلال قصفها لقاعدتي الشعيرات وتيفور ومواقع أخرى في ريف حمص تريد القول إنها لا تزال ممسكة بزمام الأمور وأن الأزمات التي تعانيها لن تضعف من جهودها في مواجهة خصومها الإقليميين، خاصة وأنها تخشى من أن ينظر إلى الوضع في الداخل الإسرائيلي على أنه علامة ضعف يمكن لهؤلاء الخصوم استغلالها لتجميع قواهم مجددا وإعادة التمركز بالقرب منها (الجنوب السوري مثالا).
وكانت مصادر في المعارضة السورية تحدثت في وقت سابق بأن القصف الإسرائيلي الذي طال مطار الشعيرات استهدف اجتماعا رفيع المستوى لضباط من الجيشين السوري والإيراني.
وقالت المصادر إن “القصف الذي طال مطار الشعيرات بطائرات حربية إسرائيلية من الأجواء اللبنانية استهدف طائرات نقل عسكرية إيرانية، واجتماعا لعدد من قادة الحرس الثوري وحزب الله اللبناني، وتم تأكيد مقتل الجنرال في الحرس الثوري أحمد رضا بوردستان”.
وبحسب تلك المصادر فإن “قيادات أمنية عالية المستوى توجهت من العاصمة دمشق بالحوامات إلى المطار”.
وكانت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) ذكرت أنّ الدفاعات الجوية السورية تصدّت ليل الثلاثاء لصواريخ أطلقتها طائرات حربية إسرائيلية من الأجواء اللبنانية على أهداف في شرق حمص بوسط سوريا. وقالت الوكالة إنّ “وسائط الدفاع الجوّي في الجيش العربي السوري تصدّت لعدوان إسرائيلي بالصواريخ شرق حمص وأسقطت عدداً منها قبل وصولها إلى أهدافها”.
من جهته أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أنّ الطائرات الحربية الإسرائيلية “قصفت مطار الشعيرات في حمص بأكثر من ثمانية صواريخ”، مشيراً إلى أنّ هذا المطار العسكري تتمركز فيه القوات الإيرانية.
وتشكل عودة الضربات إشارة طمأنة للداخل الإسرائيلي الذي يعيش حالة قلق متزايدة جراء الوضع السياسي وانتشار كورونا، الذي بات يهدد بإصابات مئات الآلاف من الإسرائيليين، فضلا عن تداعياته الكارثية على اقتصاد البلاد.
وتتريث إسرائيل في الاعتراف بأي غارات داخل الأراضي السورية، بيد أن مسؤوليها سبق وأكدوا على أنهم يقومون بذلك وبشكل مكثف للحيلولة دون أن تتحول سوريا إلى جبهة متقدمة لإيران تستهدفها مستقبلا. وفي الخامس من مارس الماضي تصدّت الدفاعات الجوية السورية لصواريخ إسرائيلية في جنوب البلاد ووسطها. وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان فقد استهدف القصف يومها مطارين عسكريين أحدهما مطار الشعيرات.
وفي الأسبوع الأول من شهر فبراير الماضي، قتل 12 مقاتلا من المجموعات الموالية لإيران في قصف إسرائيلي استهدف مواقع قرب دمشق وفي جنوب سوريا، وفي منتصف فبراير أيضا، أدت ضربات ليلية نسبت لإسرائيل إلى مقتل سبعة عناصر من الجيش السوري والحرس الثوري الإيراني في سوريا، بحسب المرصد.
وسبق أن حدد رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو مع بداية العام الجاري أن إنهاء الوجود الإيراني أحد أولويات إسرائيل خلال الأشهر المقبلة، وأنه لن يتورع في الذهاب بعيدا في هذه المسألة التي تكتسي أهمية وجودية.