تحت السيطرة

هنا.. في جنوب شرق آسيا، حيث رحلة عمل ممزوجة ببعض “الصياعة” التي يقولون عنها “سياحة”، هالني ذاك التوصيف الساذج بأننا دول عالم ثالث، وكم نكون أغبياء عندما نطلق سخرية على هذه الدول إن شعوبها كـ”النمل” إلا إذا كنا نقصد أنهم يعملون في دأب النملة واجتهادها، في تايلاند التي تبدو وكأنها تتفوق على نفسها باقتصاد لا يستهان به، إلى سنغافورة التي أصبحت نموذجا يقتدى به دون أي موارد ذاتية تقريبا، لم أجد عاطلا في طريقي.. حتى “الشحاذ” الوحيد الذي رأيته، كان يعزف بموسيقاه ويقدم عروضا راقصة، فيجني بـ”كرامة” ما يجود به الآخرون. لم أسمع من يشكو الغلاء، أو يسب الحكومة أو يسعى لهدم الدولة، أو يتآمر عليها، أو حتى يحتج بالتكسير والتدمير والتخريب، الكل يمضي في طريقه، ويعيش حياته كما يريد، تاركا حسابه على إلهه الذي يؤمن به، ما دام يحترم النظام العام ولا يخترق القانون.. صحيح أن هناك سلبيات كثيرة، وربما فساد لا يراه زائر عابر مثلي، أي أن الصورة ليست وردية تماما، ولكن فرض القانون بالردع على الجميع.. لا “باشا” هناك، ولا تسمع من يفاجئك “ما تعرفش أنا ابن مين”؟
وإذا كان بعضنا لا يزال يصب اللعنات على الغرب “الكافر”، لمجرد أنه يخالفنا في العقيدة، مع أن ديانته سماوية، فماذا عن هذا البعض وهو يرى “عبدة الأصنام” هؤلاء، كما يقولون، بهذه الكيفية في التقدم والعمل الجاد، الذي كثيرا ما نتشدق بأنه “عبادة”، ومع ذلك فإن أغلبنا في شعوبنا العربية لا يتخلون عن “الفهلوة” ويجيدون كل فنون “التزويغ” والتهرب والمماطلة.
وجدت نفسي في مغارة “علي بابا” بحزمة قوانين وإجراءات صارمة تطبق على الجميع دون استثناء، ولا امتيازات لأحد سوى بعمله فقط. بينما لدينا في بلاد الـ”40 حرامي” فوضى الشارع وقلة الذمة.. والأدب أيضا!
في غرفة الفندق، جاءتني ورقة مطبوعة بأناقة، تنبهني بأدب إلى أن الكاميرات اصطادتني بجريمة التدخين في منطقة عامة، هي شرفة غرفتي، وأن هذا قد يؤذي الجيران.. ما يعرضني لاحقا لغرامة مؤلمة! صعقت ليس لأنني مراقب تماما وتحت السيطرة حتى في غرفتي، ولكن لأني كنت أعتزم الاستحمام، فتراجعت خوفا من اصطيادي بالكاميرا عاريا وأواجه تهمة ممارسة فعل فاضح في “الحمام”.. والمصيبة، ما قد يحدث لاحقا.. قد تخرج قناة “الجزيرة” بحلقة خاصة عنوانها “اعتقال مصري في سنغافورة.. تظاهر عاريا ضد حكم السيسي واحتجاجا على احتلال الإمارات لأبوظبي”!