تجميد هلال الشابة يعرّي زيف مشروع إصلاح الكرة التونسية

فتح قرار تجميد نشاط فريق هلال الشابة الناشط في الدوري التونسي، في سابقة هي الأولى من نوعها في تونس وربما في الدوريات العربية، ردود فعل قوية بين أنصاره، وكان كافيا لبروز موجة من الانتقادات ضد رئيس اتحاد الكرة وديع الجريء الذي بدا متمسكا بعلوية تطبيق القانون، في وقت يؤكد فيه البعض أنه كان الأجدر به البحث عن حلول وسط.
تونس – أثار قرار الاتحاد التونسي لكرة القدم، القاضي بتجميد نشاط فريق هلال الشابة في الدوري الممتاز وإسقاطه إلى دوري الهواة وتغريم رئيسه وكاتبه العام، استنادا إلى بعض فصول القانون الأساسي الذي يحدد شروط قيد الأندية مع بداية كل الموسم، جدلا واسعا في الشارع الرياضي وفتح الباب أمام تأويلات عديدة حول مشروعيته.
وتساءل خبراء ومحللون عن توقيت هذا القرار في هذا الظرف بالذات، ولماذا اتحاد الشابة دون سواه من الأندية يقع ضحية لمثل هذه القرارات، هل القرار عقوبة ملزمة قانونيا أم تصفية حسابات بعيدا عن الرياضة، ولماذا لم يبحث الهيكل الرياضي عن حلول أخرى، وما هو السرّ وراء تمسك اتحاد كرة القدم بتطبيقه؟
كل هذه الأسئلة وغيرها تبدو محور نقاش وتحليل بين خبراء كرة القدم، الذين أرجع الكثير منهم السبب إلى كونه يتجاوز “الثورية” المعروفة عن رئيس الاتحاد وديع الجريء إلى مسألة غاية في الأهمية ويجب على جميع الأندية الالتزام بها وتتعلق بعلوية القانون، حيث استنفد الاتحاد جميع الحلول الممكنة مع النادي، ليمر إلى مرحلة منتظرة كان على الجميع أن يتقبلها رغم مساوئها. واستند البعض في تفسير طبيعة هذا القرار على طابع المظلومية والحيف وغيرها من التفسيرات “الشعبوية” المتعاطفة مع النادي الذي قدم منذ صعوده إلى الدوري الممتاز مستوى لافتا وتمكن من فرض نفسه بين الأندية الكبرى، لكن في المقابل يرى خبراء القانون أن القرار سليم وقانوني وجميع الأندية ملتزمة بتطبيقه بحذافيره.
وكان الاتحاد التونسي قد أعلن في بيان له السبت الماضي أن قراره بتجميد نشاط هلال الشابة وإنزاله من الدوري الممتاز إلى دوري الهواة جاء بسبب عدم إكمال الفريق لملف انخراطه بالاتحاد، فيما أرجعت إدارة الفريق السبب الحقيقي إلى الانتقادات المستمرة التي توجهها إلى رئيسه وديع الجريء. وشمل القرار منع فريق المدينة (نحو 25 ألف نسمة) من المشاركة في أنشطة الاتحاد للموسم الجديد 2020-2021 المقرر أن ينطلق في منتصف نوفمبر المقبل. كما يشمل توقيف رئيس الفريق توفيق المكشر وكاتبه العام محمد بن إبراهيم لسنتين وغرامة مالية قدرها 40 ألف دينار (14 ألفا و530 دولارا).
وانقسمت الآراء حول هذا القرار بين من يقرّ بضرورة التأكيد على علوية تطبيق القانون وبين من يرى أنه قرار جائر ولا يراعي الوضعية التي تمر بها الأندية التونسية جراء أزمة كورونا وما أعقبها، فيما ذهب شق ثالث إلى التأكيد على أن القرار في أصله يعكس واقع منظومة كرة القدم التونسية كغيرها من القطاعات الأخرى التي تعيش أوضاعا متأزمة وبقي مشروع الإصلاح فيها رهن إدارة فاسدة.
وفسر الكاتب والصحافي الرياضي مراد البرهومي قرار الاتحاد في تصريح لـ”العرب”، أكد فيه أن الاتحاد التونسي استند في قراره هذا على بعض فصول القانون الأساسي الذي يحدد شروط قيد الأندية مع بداية كل الموسم صلب الاتحاد، حيث كان يتوجب على فريق الهلال أن يسدد مجموع الخطايا المسلطة عليه قبل انتهاء الآجال المحددة سلفا، إضافة إلى استكمال بعض الوثائق الخاصة بملف القيد صلب الاتحاد.
وأضاف البرهومي أنه “بالتوازي مع ذلك يمكن التأكيد أن القرار قانوني وسليم ولا وجود لأي لبس فيه، بما أن القوانين واضحة ومحددة وقد صادقت عليها الأندية خلال جمعيات عمومية سابقة”. ولكنه استطرد بالقول “غير أن الأمر الذي يثير الريبة والاستغراب يتعلق بإصرار اتحاد الكرة على تسليط أقسى العقوبات على هلال الشابة، ففي أوقات سابقة حرص رئيس الاتحاد وديع الجريء على الوقوف إلى جانب الأندية بل سعى بكل جهد لخلاص ديونها والتدخل لدى الفيفا للتخفيف من العقوبات المسلطة على بعض الأندية التونسية وكذلك تجنيبها التعرض لهذه العقوبات”. وتابع “تصرف الاتحاد كان مخالفا تماما مع هلال الشابة”.
وانعكست ارتدادات هذه الأزمة بشكل قوي على الشارع الرياضي التونسي وخصوصا بين جماهير الفريق التي عمدت إلى التعبير عن غضبها عبر الاحتجاج، فيما تباينت تصريحات المسؤولين بين من يرى فيه إنصافا لعلوية القانون وبين من يرى أن هلال الشابة يستحق أفضل من قرار أحادي الجانب لجهة ما قدمه الموسم الماضي من مردود إيجابي يشفع له.
وأكد محمد هشام الذيب، عضو الاتحاد التونسي أن تجميد نشاط فريق هلال الشابة لم يكن قرارا تعسفيا، وإنما تطبيقا للقانون. وقال الذيب في تصريح تلفزيوني “الاتحاد التونسي طبق القانون بحذافيره على هلال الشابة”. وأضاف “وجهنا مراسلات إلى جميع الفرق وهلال الشابة الوحيد الذي لم يقدم ملف الانخراط كامل الشروط، وقد أكملنا معه كل الحلول الممكنة”.
ومن جانبه عبر رئيس هلال الشابة توفيق المكشر عن استيائه العميق من القرار الذي اتخذه الاتحاد التونسي لكرة القدم. وقال المكشر “أعتبر هذا القرار فيه الكثير من العبث، وأنا أتساءل أين رئيس الحكومة ورئيس الدولة مما يجري، وكأننا في دولة وديع الجريء!”.
وتابع “ليس هناك أقوى من وديع الجريء في هذه البلاد، فهو يتصرف بجبروت.. أطالب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بإيقاف تجبره، كما أطلب من رؤساء الأندية الذين تعودوا على رفع الورقة الخضراء أن يستفيقوا، فما جرى على هلال الشابة من ظلم قد يحصل لفرقهم”.
وأعربت اللجنة الأولمبية التونسية برئاسة محرز بوصيان الأحد عن استيائها من الوضع المتردي لكرة القدم التونسية وتوتر العلاقة بين اتحاد الكرة وفريق هلال الشابة.
وأصدرت اللجنة الأولمبية بيانا، قالت إنه يأتي انطلاقا من حرصها الشديد على حماية وتكريس ما ائتُمِنت عليه من قيم ومثل أولمبية، وعلى إثر التطورات الخطيرة التي تشهدها الساحة الرياضية ما يحول دون الرياضة وأداء وظيفتها الطبيعية كرافد من روافد التحابب والتآخي والتنمية والسلم.
تعكس هذه الأزمة المتفاعلة واقع مشروع لإصلاح كرة القدم في تونس المعطل، الذي كان على الاتحاد أن يركز عليه ويعمل على إيجاد الحلول الكفيلة بتنفيذه، في وقت يشير فيه محللون بأصابع الاتهام إلى رئيس الاتحاد الذي لا يتفاعل سوى مع كل من ينتقده أو يوجه له أصابع الاتهام حول فشله في إدارة هذا الهيكل منذ فترة طويلة.
واعتبر نائب رئيس جمعية هلال الشابة صابر بوعطي وزير الشباب والرياضة الأسبق، أن “هذه القرارات هي مواصلة لمعاقبة الفريق الذي انتقد رئيس الجامعة”، دون تحديد لماهية هذه الانتقادات. وبدوره، قال المدير الفني السابق للفريق محمد المكشر إن “القرار ظالم ولم يترك المجال للفريق من أجل استئنافه”. وأوضح المكشر أن “سبب القرار هو انتقادات إدارة هلال الشابة للاتحاد التونسي ورئيسه”.
وفسّر البرهومي “يمكن تفسير ذلك بتوتر العلاقة بين الجريء ورئيس الهلال محمد المكشر الذي لم يتورع طيلة الأشهر الماضية على انتقاد اتحاد الكرة ورئيسه بشكل قوي للغاية، وهذا المسار التصادمي جعل الجريء يترصد الفرصة ويعاقب الهلال ورئيسيه بطريقة قاسية للغاية، لكن اعتمادا على القانون”.