تجربة مصرية مشتركة في النشر تقدم 13 كاتبا شابا

تمثل التجارب المشتركة في عالم النشر فرصة هامة للتعريف بالكتاب خاصة من الشباب وغير المكرسين، ومن خلال هذه المبادرات تستعيد دور النشر دورها الثقافي الأساسي في الكشف عن الأدب والأدباء وتقديم تجارب جديدة، ولا تتوقف بذلك عند دورها في بيع الكتب مضمونة المردود.
القاهرة - أطلقت في مصر تجربة جادة وجديدة، بهدف اكتشاف ودعم المواهب الأدبية من شباب المبدعين في مجال القصة القصيرة بالتحديد، من خلال تعاون مثمر بين دار نشر مصرية ومجموعة للقراء على موقع فيسبوك، جاءت نتيجتها إصدار مجموعة قصصية مجمعة لـ13 كاتبا، بعضهم ينشر للمرة الأولى، تحت عنوان “كسحابة في سماء المدينة”.
بدأت قصة التجربة في يوليو من العام الماضي، عندما أعلنت مجموعة مكتبة وهبان على موقع فيسبوك، وتضم حوالي ستين ألف عضو، عن إطلاق مسابقة للمبدعين في مجال القصة القصيرة على مستوى الوطن العربي، بالتعاون مع دار العين للنشر والتوزيع، وهي واحدة من أبرز الدور المهتمة بمجال القصة، ويتولى التحكيم الكاتب الروائي والقاص المصري طارق إمام.
تمثلت جائزة المسابقة في نشر الأعمال الفائزة التي وصلت إلى القائمة القصيرة في كتاب إلكتروني يصدر عن دار العين على تطبيق أبجد للكتب الإلكترونية، ويزيد عدد مستخدميه عن مليوني مستخدم في الوطن العربي.
أول تعاون من نوعه
نُشرت المجموعة القصصية بالفعل على التطبيق الإلكتروني، تحت عنوان “كسحابة في سماء المدينة”، وتضم 13 قصة قصيرة متميزة لـ13 مبدعا، عبّرت عن عوالم جديدة وتجارب مختلفة في الكتابة لم تخلُ من الجرأة والتجريب ولم تفقد القدرة على الإدهاش والجذب.
القصص الفائزة المنشورة في المجموعة، وأسماء كُتابها المبدعين الجدد، هي على الترتيب: “بقاء” للكاتبة آلاء مجدي، “أحد أفراد العائلة لا يأكل إلا أجنحة الدجاج” لعمر هشام وطني، “مضاجعة جثة هامدة” لمحمد عويس التركي، “كلب أندلسي” لأحمد ياسر فتحي، “تطبيق حياة” لأسامة زيد، “حدث بالفعل في قصة رخوة” لآية الحسيني، “سوريا 2012” لحسين جرود، “الرجل الذي تهتك ثوبه” لسمر حمدان، “كل حياة هي الموت وكل موت هو الحياة” لعبدالرحمن إبراهيم، “عقرب منفرج الساقين” لكريم علي القاهري، “قصة جيدة” لمحمد أحمد عطية، “فلانة همام” لمي قاسم، “المرداني” ليوسف الشريف.
اعتبر الصحافي المصري إسلام وهبان، مؤسس مجموعة مكتبة وهبان على موقع فيسبوك، صدور المجموعة القصصية يمثل ثمرة أول تعاون من نوعه بين مجموعة قراء على فيسبوك ودار نشر كبيرة بحجم وقيمة دار العين، لأن مجموعات القراء غالبا ما يكون دورها الترويج للكتب وتقديم ترشيحات ومراجعات لها، لكنها المرة الأولى التي تكون فيها مجموعة مصرية شريكا في الإبداع وعملية النشر.
وأكد اتجاهه إلى اختيار دار العين لطرح الموضوع عليها، نظرا إلى اهتمام مؤسسة الدار ومديرتها الأكاديمية فاطمة البودي بفن القصة القصيرة، وحصول الدار على جوائز في هذا المجال من قبل.
جاءت الفكرة من البداية وليدة نقاش بين إسلام وهبان والروائي والقاص المصري طارق إمام، والذي وصلت روايته “ماكيت القاهرة” إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية قبل عامين، وتولى التحكيم في مسابقة مكتبة وهبان للقصة القصيرة.
قال وهبان لـ”العرب” اقترحت الفكرة على إمام وأعجب بها للغاية، وبدأنا نتناقش حول سبل تنفيذها حتى تبلورت، فعرضتها على الدكتورة فاطمة البودي، التي رحبت بشدة، وبدأنا العمل على تحديد شروط المسابقة.
من الأمور الجدلية في أثناء العمل على وضع الشروط مسألة تحديد السن بالنسبة للمتقدمين، لكن تقرر ألا يتم اشتراط أي حد أقصى أو أدنى لسن المتقدم، لأن شابا صغيرا عمره 15 عاما مثلا يمكن أن يكتب نصا مميزا، وربما يكون لدى رجل في الستين تجربة مميزة ولم يفكر في النشر من قبل، لذا تم ترك السن مفتوحا.
مشاركة عربية كبيرة
في المسابقة، تم اشتراط حد أقصى لعدد كلمات القصة المشاركة وهو ثلاثة آلاف كلمة، وترك الحد الأدنى مفتوحا، لرغبة المنظمين في وجود تنوع في المشاركات، بين القصة القصيرة، والقصة القصيرة جدا، والومضة، لمحاولة إظهار الإبداعات والتعرف على تجارب مختلفة من إنتاج الشباب في الوطن العربي كله.
شارك في المسابقة 362 متسابقا من مختلف الدول العربية، تراوحت أعمارهم بين 13 و67 عاما، وأغلبهم كان بين 17 و30 سنة.
يعبّر إسلام وهبان لـ”العرب” عن مفاجأته بعدد المشاركات الكبير، وتنوع بلدان المتسابقين، فبينما كان لمصر نصيب الأسد في المشاركة جاءت مشاركات بأعداد كبيرة من العراق والمغرب والجزائر والسعودية والأردن وسوريا وفلسطين، ومشاركات بنسبة أقل من موريتانيا والصومال وليبيا ولبنان، علما بأن بيانات اسم الكاتب أو بلده لم تكن معروفة لطارق إمام كمحكم، فالتحكيم كان على النص فقط، ولا بد من توجيه الشكر لإمام لأنه بذل جهدا كبيرا في التحكيم بين الأعمال.
خلال مراحل المسابقة، وقبل إعلان نتائجها، تم نشر جميع النصوص المشاركة على مجموعة مكتبة وهبان، بهدف تعريف الناشرين والمهتمين بالإبداع بهذه التجارب الجديدة، وكسر الحاجز النفسي لدى الكثير من الشباب الذي يمنعهم من مسألة النشر، خوفا أو خجلا من قراءة الناس كتاباتهم، وبعض الفائزين كانت لهم تجارب أدبية من قبل، وهناك آخرون كانت قصتهم في المجموعة القصصية هي أو عمل منشور لهم.
يشير وهبان إلى وجود محاولات لتكرار التجربة، مع التفكير فيما إذا كانت ستصبح بنفس الشكل أم يتم تطويرها، وفي مجال القصة القصيرة أيضا أم الرواية، ومع نفس الدار أم دور نشر أخرى، لكن الفكرة قائمة، قائلا “نجاح التجربة يشجع بشدة على تكرارها، كي نكون داعمين للمبدعين سواء الشباب أو الكبار بشكل دائم”.
دار العين المصرية يبلغ عمرها الآن 24 عاما، واستطاعت خلال رحلتها أن تمضي بخطوات ثابتة في مجال النشر، تشهد على ذلك الجوئز العديدة التي نالتها الأعمال الصادرة عنها، إذ حصل ثلاثة من كُتاب الدار مؤخرا على جوائز الدولة لهذا العام، كما حصلت الدار على جائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2023 كأفضل دار نشر.
جاءت استجابة الناشرة المصرية الأكاديمية فاطمة البودي مديرة دار العين سريعة وسعيدة عندما طرح عليها إسلام وهبان فكرة المسابقة، وإصدار محموعة قصصية تضم الأعمال الفائزة، معتبرة أن الخطوة تمثل دعما لشباب المبدعين وأصحاب التجارب الجديدة في مجال الكتابة.
الكاتبة المصرية آلاء مجدي، الفائزة بالمركز الأول في مسابقة مكتبة وهبان، وصاحبة القصة الأولى في المجموعة بعنوان “بقاء”، تبلغ من العمر 26 عاما، وهي أخصائية نفسية، تخرجت من كلية الآداب بجامعة القاهرة، قسم علم النفس، عام 2019، وصدر لها قبل أشهر، بعد فوزها في المسابقة، كتاب غير أدبي بعنوان “مزمن” حول التعايش مع الأمراض والآلام المزمنة، وهي تهتم بالكتابة عموما.
توضح آلاء مجدي لـ”العرب” أنها تهتم دائما بكتابة القصص القصيرة، ولديها عدد منها مكتوب بالفعل لكن غير منشور، وعندما سمعت عن المسابقة تحمست للغاية للمشاركة بقصة جديدة مكتوبة خصيصا للمسابقة، خصوصا في ظل تحكيم الكاتب طارق إمام ورعاية دار العين.
تدور قصة “بقاء” حول شخص يسخر دائما من الأفلام التي تضمن للبطل دوما البقاء على قيد الحياة مهما يقابله من خطر، لكنه يقع في حادث مشابه لما يجري في هذه الأفلام، وفي أثناء عزلته وإصابته بعد الحادث يبدأ التساؤل عن معنى الموت والحياة، ويراقب حالة نفسه، كأنه يشاهد فيلما.
تكشف آلاء مجدي عن سعادتها الكبيرة بوصول قصتها إلى القائمة القصيرة في المسابقة، ما يعني نشرها ضمن المجموعة القصصية، ثم فوزها بعد ذلك بالمركز الأول في المسابقة، وقالت إنها المرة الأولى التي يتم فيها تقييم نصوصي القصصية من جانب متخصصين، لذا كانت مفاجأتها كبيرة، لكن هذا شجعها على الاستمرار في الكتابة والسعي للنشر.
ويبقى أن نقول إن الإخلاص الذي اتسمت به كل أطراف العمل قد أثمر، والصدق الذي كسا جهدها قد أمطر “كسحابة في سماء المدينة”، ظللت على أوساط الثقافة والأدب التي يندر أن تجد فيها من يساعد أو يتبنى أحدا، فما بالك باكتشاف مبدعين جدد، ودعمهم، والنشر لهم، ووضعهم على أول طريق الكتابة.