تجربة فرنسية ناجحة: برامج الحوارات أنعشت محطات الراديو

هل ستختفي إذاعات الموسيقى نتيجة لخسارتها السباق ضد مجموعة التطبيقات الجديدة التي تمكن المستخدمين من سماع أغانيهم المفضلة كلما أرادوا ذلك.
باريس - خلال السنوات الأخيرة ظهرت مجموعة من تطبيقات الموسيقى مثل “ديزر” و”سبوتيفاي”. ومنحت المستخدمين مجموعة من الأغاني التي تلبي جميع الأذواق الموسيقية.
ومع تزايد شعبية هذه المنصات الرقمية، أظهر مسح مؤسسة “ميدياميتري” الهادف لتحديد نسب الاستماع لقنوات الراديو خلال شهري سبتمبر وأكتوبر عزوف أكثر من مليون شخص عن سماعه الراديو خلال العام الماضي في فرنسا وحدها.
وكانت محطة ” أن.آر.جي” الإذاعية الفرنسية تتمتع بنسبة متابعة هائلة مما مكنها من التنافس مع راديو “آر.تي.أل”، لكنها انحدرت إلى المركز الثالث. وحسب ما حدده مسح مؤسسة “ميدياميتري”، عانت محطات ” أن.آر.جي” و”نوستالجي” و”سكاي روك” و”فان راديو” و”آر.تي.أل 2″ و”آر.أف.أم” و”فرانس ميوزيك” من انخفاض في نسبة المستمعين.
وكان هذا الانخفاض حادّا مما دفع الناطقة باسم حزب “الجمهورية إلى الأمام” الذي ينتمي إليه الرئيس الفرنسي الحالي إيمانيول ماكرون إلى التطرق إلى الموضوع. ولا ترى الناطقة أورور بيرجيه في نموذج محطات الراديو الموسيقية الحالي أمرا مستداما على المدى الطويل. وأشارت إلى أنه على الشركات المعنية بإنتاج الأغاني أن تدرس الوضع لاختيار الحل الأنسب لتحسين البيانات التي سجّلها المسح.
ومن بين الاتجاهات الأساسية، قررت المحطات التي لا تمولها الحكومة زيادة عدد البرامج الحوارية التي تبثها لجذب الشباب.
وطلبت محطة ” أن.آر.جي” من المذيع المشهور سيباستيان كويت أن يمدد برنامجه ساعة واحدة، ليدوم بذلك أربع ساعات من الرابعة إلى الثامنة مساء. ينطبق الأمر نفسه على إذاعة “فان راديو”، التي تنتمي إلى باقة “آر.تي.أل”، حيث يبدأ غريغوري فاشر برنامجه في نفس الساعة.
وكان النجاح فوريا، وتجمعت جماهير جديدة حول أجهزة الراديو. لكن استراتيجية البرامج الحوارية تبقى محدودة. ودفع هذا محطة ” أن.آر.جي” الإذاعية والشركات التابعة لها للدعوة إلى إصلاح قواعد بث حصص الأغاني الفرنسية المدرجة في القانون الذي يمكن أن يعيد تجميع وسائل الإعلام العامة في فرنسا في شركة واحدة تشبه هيئة الإذاعة البريطانية في المستقبل القريب، وهو أمر سيطرح في مطلع عام 2020 ليناقشه البرلمان.
استراتيجيا زيادة عدد البرامج الحوارية في الإذاعات حققت نجاحا فوريا وتجمعت جماهير جديدة حول الراديو
ووضعت القواعد التي تنظم البث الإذاعي في سنة 1986، قبل مراجعتها في 1994 و1996 و2016. ولكنها تبقى شديدة التعقيد رغم عمل المجلس الأعلى للصوتيات والمرئيات على تحيينها كل مرة.
وتتطلب قواعد البث أن يتكون المحتوى الذي تختاره محطات الإذاعة الخاصة من نسبة لا تقل عن 35 بالمئة من البرامج والأغاني الناطقة باللغة الفرنسية خلال الساعات التي تزيد فيها معدلات الاستماع (من الساعة 6 صباحا إلى حوالي الساعة 10 مساء)، وأن تروج “للمواهب الجديدة”.
من جهة أخرى، يتعين على الإذاعات الحكومية، مثل راديو فرنسا، أن لا تقل هذه النسبة عن 50 بالمئة. وتفرض عليها القواعد التعريف بالمواهب الجديدة.
ولا يمكن إنكار آثار القواعد الإيجابية على الفنانين الفرنسيين رغم أن المحطات الإذاعية الخاصة تنتقدها. وخلال السنة الماضية، طرحت أورور بيرجيه الموضوع على الجمعية الوطنية الفرنسية، موضحة فعالية القواعد التي أعطت دفعة جديدة لقطاع الموسيقى الفرنسية.
وعند اطلاعه على البيانات التي تبرز تأثيرها، رفض وزير الثقافة فرانك ريستر فكرة التخلي عن النظام المعتمد. وتوجّه إلى إذاعة “يوروب 1” أين أكد على إيجابية النتائج التي يحققها، مشيرا إلى ظهور نسبة مهمة من الفنانين الفرنسيين الناجحين بفضلها.
من ناحية أخرى، تدعو بعض الإذاعات إلى التخلي عن هذه القواعد. وقالت أورور بيرجيه “يمكننا التشكيك في فعالية هذا النظام الذي يصعب فهمه وتطبيقه”. وأكدت عمل لجنة الشؤون الثقافية التابعة للجمعية الوطنية على دراسة الموضوع.
وتخلق قواعد البث بعض الحالات التي تؤثر على الهدف من وضعها في المقام الأول. على سبيل المثال، عندما يغني الفنانون الفرنسيون بلغة غير الفرنسية، لا يتم احتسابهم كفنانين فرانكوفونيين في محطات الراديو. لا يضر هذا بالفنانين الفرنسيين المعروفين، مثل جاين ودافيد غيتا، لكنه يؤثر على بث أغاني الفنانين الصاعدين الذين يغنون بلغات غير الفرنسية.

وتعدّ كيفية التعامل مع التطبيقات الشعبية التي تبث الموسيقى واحدة من النقاط الرئيسية في مساعي إصلاح المجال السمعي البصري، حيث تواجه هذه البرامج الرقمية محطات الإذاعة الموسيقية في سباق غير عادل. وبينما تبقى البرامج الإذاعية شديدة التنظيم، لا تواجه التطبيقات المصممة لبث الموسيقى أي قيود. لذلك، ترى نائبة مدير مجموعة “أن.آر.جي” التي تملك “شيري أف.أم” و”نوستالجي”، ميريام صالحي، ضرورة ملحة في إلغاء القواعد التي لا تسمح لمحطات الإذاعة الفرنسية بالتنافس ضد أكبر منافذ البث في العالم.
ويتركز النقاش الآن على كيفية تعزيز التراث الفرنسي على منصات مثل سبوتيفاي وديزر. فبإيرادات تتجاوز 300 مليون يورو (330 مليون دولار)، توفر هذه المنصات الرقمية أكثر من نصف إجمالي مبيعات الموسيقى المسجلة في فرنسا.
وأكد وزير الثقافة على ضرورة اتخاذ تدابير تفرض على التطبيقات عرض المحتوى الفرنسي بنسبة أكبر.
ولكن، كيف سيتحقق ذلك؟ هل يمكن أن تجبر فرنسا منصات مثل ديزر على العمل وفقا لقواعد تحدد عدد الأغاني الفرنسية في قوائم التشغيل التي تنشئها المنصة؟
يقول مراقبون إن هذه التطبيقات صممت بطريقة تمكن المشتركين من دفع أموالهم مقابل منحهم القدرة على تشغيل الأغاني التي يرغبون في سماعها. فهل يمكن لبلد ما أن يتدخل في خوارزميات المبرمجين التي مكنتهم من تحقيق نجاح كبير؟
يعدّ هذا الحل شبه مستحيل، وفق النائبة أورور بيرجيه التي ترى أنه حل غير واقعي، وتحذر من محاولة فرضه لأنه سيأتي بنتائج عكسية على المنصات التي ساعدت سوق الموسيقى على الإزدهار.
وقد اعتاد المستخدمون على هذه التطبيقات الحديثة، وأصبحوا يدفعون أموالهم مقابل حقهم في الاختيار لذلك يجب أن يركز الحل على كيفية الترويج للأغاني الفرنسية بدلا من فرضها.