تجارة الكربون بين فرص التسويق والمخاطر على المناخ

يتصاعد الجدل الدائر بين حكومات العالم والأوساط البيئية والاقتصادية حول الطريقة الأمثل لتجارة الكربون، والتي تعتبر فكرة الاستثمار فيه مسألة معقدة للغاية، بالنظر لحجم التحديات التي تواجه الدول للتوصل إلى صيغة توافقية لتسويق المخلفات الصناعية والنفطية بما يحقق العوائد المالية المستهدفة.
باريس - دفعت ضغوط الأوساط البيئية حول العالم، حكومات الدول للتفكير في كيفية اعتماد البصمة الكربونية للتقليل من آثار التلوث على الكرة الأرضية عبر اللجوء إلى الاستثمار في مخلفات أدخنة المصانع ووسائل النقل ومصافي النفط.
ورغم ما تحمله هذه التجارة من غموض باعتبارها قطاعا حديثا، إذ لم تتجاوز عقدين من الزمن، أو لاعتراض العديد من الدول على الخطوة، لكن في المقابل تحمل معها الطموح والإرادة كوسيلة لخفض التلوّث وتمثل مصدرا لتحقيق عوائد مالية أكبر.
ووافق الموقعون على اتفاق باريس حول المناخ قبل عام على قواعد تطبيق هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 2015 باستثناء ملف واحد حساس هو “أسواق الكربون”.
وستكون عملية إنشاء هذه الآليات الدولية الجديدة في صلب مفاوضات معقدة خلال القمة حول المناخ، التي تعقد في العاصمة الإسبانية مدريد مطلع ديسمبر المقبل مع رهان أساسي يتمحور حول ما إذا كانت ستسمح بتشجيع خفض انبعاثات غازات الدفيئة في العالم أو على العكس ستساهم في تشجيعها.
وفقا لخبراء المناخ في الأمم المتحدة، ومن أجل الحد من الاحتباس ليبقى فوق 1.5 درجة مئوية، يجب خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى النصف بحلول 2030، مقارنة مع ما تم تسجيله في العام 2010.
ويرى الخبراء أن من الأدوات التي قد تستخدم لتحقيق ذلك تحديد سعر للانبعاثات.
ووضع سعر لانبعاثات الكربون يتطور على المستوى العالمي مع تطبيق ضريبة الكربون وأنظمة مبادلة حصص الانبعاثات.
100 مليار دولار، قيمة تجارة الكربون السنوية حول العالم، وفق تقديرات البنك الدولي
وبحسب البنك الدولي، هذه المبادرات المحلية أو الإقليمية القائمة أو تلك التي سيتم إنشاؤها في المستقبل تغطي فقط 20 بالمئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم.
ويختلف سعر طن ثاني أكسيد الكربون تماما من نظام إلى آخر، ويبلغ 32 دولارا في نظام تبادل الحصص الأوروبية، و17 دولارا في كاليفورنيا، في حين حدد سعر ضرائب الكربون في بولندا بنحو 0.08 دولار، بينما في السويد يعد الأعلى سعرا بنحو 121 دولارا.
ويشير خبراء معهد الاقتصاد للمناخ إلى أن 75 بالمئة من الانبعاثات المنظمة بضريبة الكربون تتم تغطيتها بسعر يقل عن 10 دولارات.
ويرى خبيرا الاقتصاد نيكولاس شترن وجوزف ستيغليتز أنه يجب تحديد سعر الطن العام المقبل ما بين 40 إلى 80 دولارا و50 إلى 100 دولار لعام 2030 في كل أنحاء العالم، لتحديد درجة ارتفاع حرارة الأرض بدرجتين مئويتين.
وعلى الصعيد الدولي، فإن الآلية التي وضعها بروتوكول كيوتو منذ 2006 تسمح لدولة متطورة بالتعويض عن انبعاثاتها من خلال تمويل مشاريع لخفض الانبعاثات في بلد نام.
وخلافا لكيوتو الذي يستلزم جهودا من الدول المتطورة فقط، ينص اتفاق باريس على أن تتعهد كافة الدول بخفض انبعاثاتها.
وتعكس آليتا أسواق الكربون المنصوص عليهما في المادة السادسة هذا التطور إذ أن الآلية الأولى ثنائية بين الدول، والثانية تدعم آلية التنمية الخاصة من خلال تمويل مشاريع لكن دون قيود جغرافية.
والمبدأ الرئيسي هو تمويل خفض الانبعاثات في الدول التي تكون فيها كلفة ذلك أقل.
وبفضل هذه الآليات، يمكن تخفيض كلفة الحد من الانبعاثات بأكثر من النصف في 2030، بحسب الجمعية العالمية لأسواق الانبعاثات التي تشارك في عضويتها كبرى الشركات متعددة الجنسيات كبريتيش بيتروليوم وتوتال.
لكن للانتقال من نظام تعويض عن الانبعاثات إلى نظام لخفضها، على الدول أن تقرر إعادة استثمار هذا الاقتصاد في تدابير إضافية لخفض الانبعاثات.
ويقول جيل دوفران من منظمة كاربون ماركت ووتش غير الحكومية إنه “نظريا، سيتكلف بلد يريد خفض انبعاثاته بنحو مئة طن نحو 100 يورو”.
وفسر الخبير ذلك بأن “أي بلد وفق تلك المقاربة سيمول مشروعا موازيا بنحو عشرة يوروهات في بلد نام، ويبقى الباقي للاستثمار لخفض الانبعاثات”.
ويخشى دوفران من أن تكون الممارسة مختلفة وأن يفضل البلد “استخدام المال لغرض آخر”.
ويؤكد خبراء أن عناصر عدة مثيرة للجدل تتعثر حولها المفاوضات قد تقوض اتفاق باريس أولها حظر الاحتساب المزدوج.
وفي حال احتسب البائع والشاري كلّ بدوره طنا من خفض ثاني أكسيد الكربون، سيكون الخفض أكبر على الورق منه على أرض الواقع. وتُتهم البرازيل بأنها تريد تجاوز هذا الحظر.
كما تثير الآلية العالمية المقبلة لتعويض انبعاثات النقل الجوي، جدلا واسعا بالنظر إلى التحديات التي تواجه الحكومات في كيفية الاستفادة من استثمار الكربون.
ويضرب الخبراء مثالا على ذلك يبسط المسألة ويتعلق بالقطاع الجوي المستثنى من اتفاق باريس للمناخ.
ويتساءل المختصون حول ما إذا كانت أي دولة قادرة على دمج خفض الانبعاثات في حساباتها في حال اشترت شركة طيران محلية حصص كربون من دولة لتعويض قسم من انبعاثاتها.
أما السؤال الآخر العالق فيتعلق بما تبقى من حصص الكربون في إطار آلية كيوتو، التي ترغب بعض الدول كالبرازيل في نقلها إلى النظام الجديد.
وينص كيوتو على أن تستخدم اثنين من من المبادلات في ظل آلية التنمية لتمويل تأقلم دول الجنوب مع التقلبات المناخية. وسمح ذلك بنقل حوالي 200 مليار يورو إلى الصندوق المخصص للتأقلم.
وينص اتفاق باريس أيضا على استخدام جزء من المبادلات لتمويل عملية تأقلم دول الجنوب. وتطالب الدول الجزر الأكثر عرضة للمخاطر بنسبة 5 بالمئة.
وكانت السعودية قد كشفت نهاية أكتوبر الماضي عن خطة مستقبلية لاعتماد بصمتها الكربونية في سلسلة إمدادات الطاقة.
ويقول البنك الدولي إن تجارة الكربون نجحت في خلق سوق طوعية تقدر بأكثر من مئة مليار دولار سنويا، بل ومن المتوقع أن تتفوق على تجارة النفط لتكون أكبر سوق في العالم خلال السنوات القادمة.
وهناك اتجاه عالمي متزايد نحو استخدام الطاقات المتجددة الصديقة للبيئة لخفض الانبعاثات الكربونية، التي تسببت في خسائر مادية تقدر بمليارات الدولارات.
ونظرا للتكاليف المنخفضة بشكل كبير في هذه التكنولوجيا، فإن الألواح الشمسية والتخزين بالبطاريات سيصبحان على المدى البعيد أهم مصادر التزود بالطاقة.
وتشير التوقعات إلى أن حجم الألواح الشمسية في إنتاج الكهرباء العالمي، سيرتفع من 37 بالمئة بحلول عام 2030 إلى 69 بالمئة في عام 2050، وبالتالي فإنه سيؤمن أكثر من ربع الحاجة العالمية من الكهرباء.