تبرعات ومنتجعات.. التناقضات الصارخة لمصر في إعلانات رمضان على الفضائيات

تعديلات قانونية تعيد الزخم إلى إعلانات أحدثت كثرتها ضجرا مجتمعيا.
الخميس 2022/03/31
املأ الفراغ.. فقراء ومترفون

اتضحت معالم خارطة رمضان الإعلانية على عدد من الفضائيات المصرية، واستبقت بعض الشركات والهيئات والجمعيات الأهلية بدء الموسم وخاطبت الجمهور مبكرا مستفيدة من بعض المناسبات الاجتماعية والرياضية التي سبقت شهر رمضان.

القاهرة - سيشهد الموسم الجديد على الفضائيات المصرية عودة قوية لإعلانات التبرعات التي تقدمها الجمعيات الأهلية والمستشفيات، وظهر ذلك من خلال المنافسة بين العديد من الجمعيات لاستقطاب المتبرعين من أجل دعم ما يطلق عليه اسم “شنط رمضان” التي تحوي أنواعا متعددة من السلع الغذائية.

وتعود إعلانات التبرعات هذا العام بكثافة بعد أن شهدت تراجعًا ملحوظاً خلال العام الماضي وتأثرت بالحملات الإعلامية التي طالتها والحديث عن وجود فساد داخل أكبر المستشفيات التي تقود حملات للتبرع لها.

وكان ذلك على حساب انتشار إعلانات المنتجعات التي هيمنت على الجزء الأكبر من الإعلانات، والتي ستكون حاضرة هذا العام تماشيًا مع التوسع العمراني.

ونتجت عن سياسات الحكومة التي تقضي بتوجيه رؤوس الأموال ذات الارتباط بمجال العقارات إلى المناطق الجديدة حاجة ملحة لجذب الجمهور إليها والتعريف بما تقدمه، الأمر الذي تستفيد منه فضائيات تسعى للحصول على جزء من الكعكة الإعلانية.

وحسب خبراء في مجال الإعلان سيشهد موسم رمضان حضوراً فاعلاً لإعلانات التبرعات بعد إدخال تعديلات تشريعية أخيراً أعفتها من ضريبة القيمة المضافة، إلى جانب إعلانات المنتجعات أو ما يعرف باسم “الكومباوندات”، والرابح منهما القنوات الفضائية التي تستفيد من أوضاع الطرفين.

ليلى عبدالمجيد: الأوضاع الاقتصادية الضاغطة تتطلب ضبط محتوى الإعلانات

غير أن الحكومة قد تتضرر من هذه المنافسة المستترة، لأنها ربما تواجه سخطا شعبيا يأتي غالبا مع تزايد الحملات الدعائية الضخمة التي تروج لمشروعات سكنية تخص الطبقة المخملية في مصر، بينما تحض الناس على زيادة أموال التبرعات.

وأقر البرلمان المصري تعديلات على أحكام قانون “الضريبة على القيمة المضافة” وشملت عدداً من الإعفاءات، منها ما يخص الإعلانات الخاصة بالتبرعات للعلاج والرعاية الطبية في المستشفيات الأهلية غير الهادفة إلى الربح والمعاهد الحكومية، والإعلانات الخاصة بتنظيم العمل في المنشآت.

وتشي التعديلات بتشجيع الدور الفاعل للجمعيات الأهلية في التعامل مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ما يدعم انتشار إعلانات التبرعات على نحو أكبر هذا العام.

وفي المقابل هناك حاجة ملحة إلى تسويق المشروعات العمرانية بمستوياتها المتعددة ودعمها للنجاح، ما يتيح فرصة فسح المجال لترويجها من خلال وسائل مختلفة.

وقالت عميدة كلية الإعلام السابقة في جامعة القاهرة ليلى عبدالمجيد إن “المعضلة التي قد تؤدي إلى المزيد من المشكلات تتمثل في تزامن إعلانات التبرعات مع حملات الدعاية والإعلان للمنتجعات الجديدة، لأن النوع الأول لا يراعي مشاعر الفقراء ويحرص على جلب الأموال من المواطنين بطريقة يمكن أن تستفز مشاعرهم، ويتجاهل الثاني وجود طبقات لديها ظروف اقتصادية صعبة تتعرض لما يتم الترويج له”.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن “الأوضاع الاقتصادية الضاغطة هذا العام تتطلب تدخلاً من جانب الجهات المسؤولة عن تنظيم المشهد الإعلامي لضبط محتوى الإعلانات ومنع الإسراف فيها، ويتم تدشين حملات بما لا يثير انزعاج المواطنين وتحقيق الهدف الدعائي في الوقت ذاته، ومطلوب البحث عن وسائل تسويقية متوازنة لإعلانات المنتجعات التي تستهدف نسبة محدودة من جمهور الفضائيات”.

وأوضحت أن هناك مشكلة تتمثل في غياب الأطر العامة التي تحدد طبيعة الجمهور المستهدف، وقد لا تكون هناك نتائج مرجوة للحملات الإعلانية غير أن قوة المنافسة بين الشركات تؤدي إلى جذب الناس نحو الفضائيات، ومن الخطورة أن يتم اللجوء إلى الإعلانات بطرق وأساليب تراعي أبعاد التنافس التجاري بين الشركات العقارية فقط دون أن تراعي الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية لشريحة عريضة من المواطنين.

ويتفق العديد من خبراء الإعلام على ضرورة أن تقوم الجهات المسؤولة عن ضبط المشهد الإعلامي عموما بدورها في هذا التوقيت، وأن لا تضرب المؤسسات المعلنة والقنوات الفضائية بقوانينها عرض الحائط.

ومن وجهة نظر هؤلاء تسعى تلك الجهات لإحداث حالة من السيولة الاقتصادية تنعكس إيجاباً على الحصيلة الواردة لوسائل الإعلان التي تعرضت لخسائر جسيمة مؤخرا بسبب الركود في مجال الإعلان الذي تزامن مع انتشار فايروس كورونا، ولذلك هناك حاجة اقتصادية إلى زيادة الحصيلة الإعلانية.

ورفعت القنوات الفضائية المصرية أسعار باقات الإعلانات لتعويض خسائرها، وهو ما واجه اعتراضات من جانب بعض شركات الاستثمار العقاري، والتي لم تستطع وقف تنفيذ حملاتها.

وثمة قناعة لدى القائمين على إدارة القنوات المصرية بأنه يمكن الاعتماد فقط على عوائد موسم رمضان لمواجهة التقلبات والخسائر التي تتعرض لها على مدار العام، خاصة أنها تخشى أن تسحب منها المنصات بساط الإعلانات وتستهدف خدمة المعلن بشكل يمكن أن يفوق اهتمامها بالمتلقين.

إعلانات التبرعات والمنتجعات تستهدف جمهوراً واحداً لديه سمة مشتركة تتمثل في كونه يتجه نحو اتخاذ قرار التبرع أو الشراء

وتشير بعض المؤشرات إلى أن الإعلانات المصاحبة للمسلسلات والبرامج الجماهيرية الرئيسية فى شهر رمضان تزيد مع مساحة المادة البرامجية والدرامية، وهي نسب قابلة للتكرار هذا العام مع الاعتماد على نظام الباقات ذات الدقائق الإعلانية المرتفعة وعودة الجمعيات المهتمة بالتبرعات إلى السوق الدعائي بثقلها هذا العام.

وأكد رئيس جمعية حماية المشاهدين حسن علي أن ضعف المحتوى الإعلامي الذي تقدمه بعض الفضائيات يضاعف من أزماتها الاقتصادية جراء عزوف الجمهور عن متابعتها، وتوظف موسم رمضان لتحقيق أكبر مكسب ممكن عبر الإعلانات التي تتدفق إليها بفعل حالة التنافس بين الشركات المعلنة وليس لتحقيق عوائد تضاهي ما يتم صرفه على الإعلانات، في حين أن تحسين المحتوى وعدم فرض محاذير صارمة على توجهاتها يجعلان هناك حالة من التوازن الدعائي على مدار العام.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “النتائج الإيجابية التي حققتها إعلانات التبرعات على مدار السنوات الماضية تؤدي إلى التمسك بالاستمرار فيها بنفس الأساليب والأدوات الدعائية، غير أن إساءتها إلى الصورة العامة للدولة تفرض ضرورة التفكير في أساليب تسويق عبر الاتصال المباشر مع الجمهور دون الحاجة إلى وسائل الإعلام”.

وتابع “الأمر ذاته بالنسبة إلى إعلانات المنتجعات التي يمكن أن تحقق نتائج جيدة أكبر عبر التواصل مع الطبقات التي تستطيع الحصول على وحدات سكنية مرتفعة الثمن دون أن تكون سبباً في تغذية عوامل السخط ضد الحكومة”.

ويرى عاملون في مجال الإعلانات أن إعلانات التبرعات والمنتجعات تستهدف جمهوراً واحداً لديه سمة مشتركة تتمثل في كونه يتجه نحو اتخاذ قرار التبرع أو الشراء عبر الحملات الدعائية الضخمة التي تقنعه وتتماشى مع تصوراته وقناعاته، ما يجعل دوائر حكومية تدعم الاستمرار في الوضعية الحالية حتى وإن تعرضت لبعض الانتقادات التي يمّحي أثرها غالبا بعد انتهاء موسم رمضان.

16