تبا لك أيتها الفاتنة

لولا الشتائم لاصطدم الناس فيما بينهم وتكلمت لغة العضلات، حتى لدى السياسيين منهم والدبلوماسيين الذين نظنهم يؤدون وظائفهم والابتسامات منحوتة على محياهم.
الثلاثاء 2023/06/06
الشتيمة أداة تنفيس لا بد منها

الشتائم والعبارات النابية تحقق نوعا من التوازن النفسي لدى مستعمليها بل وتستخدم العنف اللفظي بديلا عن البدني في مواقف كثيرة.

هذا ما أثبتته دراسة أميركية حديثة مدعّمة بالتجارب والأبحاث مؤكدة أن عمر الشتيمة يعود إلى إنسان الكهوف في تعبيره عن حالات الغضب والاحتجاج، وتقليده للحيوانات التي تصدر صوتا هادرا في حالة الشعور بالتهديد.

هذا الصوت هو مرحلة أولية وقائية تقدم رسالة تخويف نحو المهاجم، وإذا تسبب هذا الصوت في إخافة الخصم، فإن الحيوان سيوفّر على نفسه تكاليف باهظة للاشتباك الجسدي، لكن هناك ميزة إضافية للسباب إلى جانب دوره الدفاعي، وهو أنه يعمل أيضا على تهدئة الحيوان نفسه، وهكذا بالنسبة إلى الإنسان أيضا.

الشتيمة إذن، لا تعلمنا إياها الكتب، ولا تمنعنا منها أيضا، ذلك أنها تنشأ معنا فنلفظها في السر وفي العلن بحسب الرتبة الاجتماعية والمقام الذي نحن فيه، لكنها أداة تنفيس لا بد منها.. ويا لتعاسة من حُرم هذه “النعمة” على الملأ، بدافع الوقار والهيبة.

الجنوح نحو الألفاظ النابية في سن الطفولة والمراهقة يحركه الشعور بالاستقلالية والرغبة في بناء شخصية مختلفة عن الجموع ولا تخضع لما تسنّه المجتمعات من قوانين وأخلاقيات.

ولولا الشتائم لاصطدم الناس فيما بينهم وتكلمت لغة العضلات، حتى لدى السياسيين منهم والدبلوماسيين الذين نظنهم يؤدون وظائفهم والابتسامات منحوتة على محياهم.

لم يعد خافيا أن السباب صار يستخدم في معالجة الضغوطات والاضطرابات النفسية في المجتمعات الحديثة، أما في بيئاتنا الشعبية فلقد تعلمنا الكلمات النابية مع الفوتبول في الحارات، وحتى في باحات المدارس قبل الأناشيد والمحفوظات.

يطرب الواحد فينا ويبتهج أثناء قراءته لكتب تعج بالشتائم والكلمات النابية، وكذلك ما تتلفظه الشخصيات في تلك الأفلام الأميركية والإيطالية التي يكتفي الرقيب العربي بتعويضها بترجمة “تبا لك” في شريط الترجمة العربية.

وكان يطرب أكثر، رواد المرابع الليلية في سوريا على أغاني تستخدم مثل هذه الكلمات النابية قبل أن تصدر نقابة الفنانين تعميما بمنع استخدام هذه العبارات التي زادت وانتشرت انتشار النار في الهشيم على السوشيال ميديا.

اللافت أن استخدام السباب والشتائم الجنسية يزداد أكثر في البلدان التي تهزها الحروب والأزمات كما حدث في الحرب الأهلية اللبنانية.

المؤكد أن الأمر يتعلق بـ”كتارسيز” أي تلك الحالة التطهيرية بالمفهومين الإغريقي والروماني لمسرح العنف الذي من شأنه أن يبعث في النفس البشرية نوعا من السعادة الغامضة والمنتجة لهرمونات الرضى والتوازن العاطفي.

أما عن معضلة التعبير عن الاندهاش والفتنة إزاء مشهد جمالي بألفاظ نابية تصل حد شتيمة صاحب ذلك الأثر الإبداعي، فمسألة مألوفة تبدأ بكيل عبارات الشتيمة لفاتنة حسناء تمر أمام حشد من الذكور.. واسأل من كان عليها شاهدا ومشاركا هذا الصباح، وقبل أن أخط هذه السطور.

18