تباين حول النظام الانتخابي في أولى جلسات الحوار الوطني المصري

تسعى المعارضة المصرية للاستفادة من الحوار الوطني بتغيير النظام الانتخابي لمجلس النواب الذي يصعب فيه فوز الأحزاب الصغيرة، وهو ما ترفضه أحزاب الموالاة.
القاهرة - انطلقت الجلسات النقاشية للحوار الوطني في مصر الأحد، بالنظر في قضية النظام الانتخابي لمجلس النواب، والتي شهدت تباينا واسعا بين الموالاة والمعارضة، حيث دعمت الأولى الاستمرار في إجراء الانتخابات وفقًا للقائمة المغلقة المطلقة، فيما ذهبت الثانية إلى ضرورة إجراء تعديل في النظام الحالي والانتقال نحو إجراء الانتخابات وفقًا للقائمة النسبية المغلقة.
وخصص مجلس الأمناء اجتماع الأحد لمناقشة بعض قضايا المحور السياسي من خلال أربع جلسات خُصصت جلستان منها لمناقشة النظام الانتخابي لمجلس النواب، والأخريين لمناقشة قضيتين، الأولى تتناول القضاء على كافة أشكال التمييز وهي من ضمن الموضوعات المدرجة على جدول أعمال لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة، والثانية تتعلق بتحدي التعاونيات، وهي من القضايا المدرجة على جدول أعمال لجنة النقابات والمجتمع الأهلي.
وعمدت إدارة الحوار الوطني إلى اتخاذ جملة من الإجراءات التي تجعل له شرعية شعبية تمنح قدرا من القوة لما سيخرج عنه من توصيات، وتحدث المنسق العام بأنه لا إلزامية لما سيخرج عنه الحوار، معولا في الوقت ذاته على الإرادة السياسية لنجاحه والالتفات الشعبي إليه في ظل حالة من العزوف عن المشاركة، والتي أدت إلى عزوف شعبي عن كل ما له علاقة بتطورات العمل السياسي والحزبي.
وحظيت الجلسة النقاشية الأولى بتغطية إعلامية محلية واسعة، وبدا من الواضح أن هناك رغبة في إحداث حالة من الحراك في الإعلام كأحد أبرز الأهداف المنشودة من الحوار العام، بما يدعم الانتقال إلى مرحلة جديدة قد تكون فيها القضايا السياسية حاضرة بعد سنوات من الغياب، ما يمنح المعارضة فرصة لم تتوفر لها للتعبير عن رؤيتها.
وتشير حالة الزخم التي أحاطت بالجلسة الافتتاحية وتكرار ذلك في الجلسة النقاشية الأولى إلى أن هناك جهات رسمية تسعى لمنح قوة دفع للحوار تجعله قادراً على السير في مساراته المحددة دون أن يتأثر بمواقف أطراف تريد عرقلته، وهي خطوة تخدم عملية رواج النقاش داخله، انتظاراً لما سيتم إقراره من توصيات نهائية.
وقال القيادي في حزب الوفد الليبرالي فؤاد بدراوي إن البدء بمناقشة الملف السياسي منح الحوار زخما، وثمة قناعة لدى الأحزاب بأن هذا الملف يعج بمجموعة من العيوب والمخاطر التي تؤثر سلبًا على الملفين الاجتماعي والاقتصادي، ما ينعكس على الاهتمام السياسي والشعبي بالجلسات النقاشية التي تعد مقدمة لمسار الحوار.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن النظام الانتخابي لا يرتبط فقط بمجلس النواب، فمن المقرر الاتجاه للنقاش حول نظام انتخابات المجالس المحلية والدفع نحو منح أعضاء المجالس عقب انتخاباتها نفس الأدوات الرقابية الممنوحة لنواب البرلمان، وأن فرص التفاهم قائمة في ظل إمكانية تبني حلول توافقية تُرضي الحكومة والمعارضة.
ويدعم حزب الوفد، وهو أقدم الأحزاب المصرية الموجودة على الساحة حاليا، إجراء انتخابات البرلمان بالقائمة النسبية المغلقة بجانب النظام الفردي، وهو موقف يتقارب فيه مع أحزاب معارضة تدعم الرؤية ذاتها.
وقدم حزب مستقبل وطن صاحب الأغلبية في البرلمان المصري، وعدد من أحزاب الموالاة المتحالفة معه ما يفيد بالرغبة في الإبقاء على النظام الانتخابي الحالي الذي يجد معارضة واسعة بعد أن تسبب في هيمنة الأحزاب القريبة من الحكومة على البرلمان بغرفتيه، مجلسي النواب والشيوخ.
وأوضح المتحدث باسم الحركة المدنية الديمقراطية (معارضة) خالد داوود لـ”العرب” أن إصرار أحزاب الموالاة على استمرار النظام الانتخابي الحالي يخدم مجموعة بعينها من الأحزاب التي تستفيد من المال السياسي، ولديها وفرة مادية تجعلها قادرة على تشكيل قوائم تضم مرشحين من مناطق مترامية “ما يجعلنا نثق كمعارضة أن نصف مقاعد البرلمان جرى حسمها لصالح طرف يعينه من دون الدخول في تفاصيل إجراءات الانتخابات على المقاعد الفردية”.
أي من أحزاب الموالاة أو المعارضة لم يقنعوا في النهاية الرأي العام بوجود ممارسة سياسية جدية في البرلمان
وأشار إلى أن فئات التمييز الإيجابي (ذوي الاحتياجات الخاصة والمرأة والأقباط والشباب والمصريين بالخارج) يمكن إيجاد حلول وسط بشأن تمثيلهم في القوائم النسبية دون الاضطرار للإبقاء على القائمة المغلقة المطلقة التي أدت إلى برلمانات ضعيفة في عامي 2015 و2020، بجانب تعديل الدوائر الانتخابية.
ولفت إلى أن المعارضة ترى أن ملف النظام الانتخابي سيحظى بنقاشات مطولة في الحوار الوطني، والتعويل قائم على الخروج بتوصيات إيجابية قابلة للتنفيذ، وأن الانفتاح على آراء الحركة المدنية سيمنح المزيد من الثقة على إحداث تحولات مهمة في الملفات المطروحة للنقاش في المحاور السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وجرى إدخال تعديلات على قانون انتخابات مجلس النواب في العام 2020 يشكل بموجبها مناصفة بين النظام الفردي والقوائم المغلقة المطلقة، بواقع 284 مقعداً لكل منهما، ويحق للأحزاب والمستقلين الترشح في كل منهما.
وتواجه الأحزاب الصغيرة، وجميعها محسوبة على المعارضة، صعوبة في الوصول إلى مقاعد البرلمان لأن القائمة المطلقة المغلقة تدعم فوز القائمة بأكملها إذا حصلت على إجمالي أصوات 50 في المئة زائدا 1، ولا تستطيع المنافسة في الدوائر الانتخابية المترامية التي حددها القانون بأربع دوائر للانتخابات بنظام القائمة، دائرتان منها لكل قائمة 42 مقعدًا، ودائرتان لكل قائمة 100 مقعد.
ودخلت أحزاب المعارضة انتخابات البرلمان السابق في تحالفات مع أخرى محسوبة على الموالاة لضمان حجز مقاعد لها في مجلس النواب، وسط انتقادات عديدة واجهتها لعدم توافقها مع البرامج السياسية التي تطرحها أحزاب الحكومة.
ولم يقنع أي من أحزاب الموالاة أو المعارضة في النهاية الرأي العام بوجود ممارسة سياسية جدية في البرلمان الذي جاء تشكيله وسط غضب شعبي في المرتين السابقتين.