تباينات عميقة تحول دون إعادة تشغيل المصفاة الوحيدة في المغرب

تجد السلطات المغربية صعوبة في فتح نافذة لإعادة تشغيل مصفاة سامير، وهي الوحيدة في السوق المحلية، لدواع قضائية ومالية رغم الضغوط المستمرة من أوساط قطاع الطاقة وتجار المحروقات للإسراع في حل المشكلة، مما يعكس التباينات العميقة في طريقة إنهاء أزمة قد تطول أكثر.
الرباط - تدرك الحكومة المغربية ضرورة الحفاظ على أصول وعمال شركة سامير لتكرير النفط رغم أنها متوقفة عن العمل منذ سنوات باعتبارها أحد مكتسبات القطاع، لكنها في الوقت ذاته غير متحمسة لتشغيلها بتعلة عدم امتلاكها للأموال لتشغيلها كما أنها محل نزاع قضائي.
وفي وقت سابق هذا الشهر، جدّدت الحكومة نيتها في عدم التدخل في هذا الملف، حيث أكدت ليلى بنعلي وزيرة انتقال الطاقة والتنمية المستدامة، في تصريحات صحافية، أن بلادها “اليوم لا تحتاج إلى أي مصفاة وإن كان هذا الكلام لن يعجب البعض”.
وأكدت أن ملف شركة سامير معروض أمام القضاء الدولي، مشيرة إلى أن القضية استثمارية أكثر من أنها تمس قطاع المحروقات، رغم إقرارها بأن قطاع التكرير هذا العام عرف تغييرات كثيرة لم يعد كما هو عليه في 1970.

ليلى بنعلي: قضية سامير استثمارية أكثر من أنها تمس قطاع الوقود
وشددت بنعلي على أن موضوع تشغيل سامير غير مرتبط بالارتفاع الكبير لأسعار النفط والمواد البترولية منذ أن لاح في الأفق عقب اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
ويتمحور التصور الحالي للوزارة حول حماية مصالح ثلاث فئات، وهي اليد العاملة وإيجاد حلول تقنية ومالية واقتصادية، ثم مصالح الحكومة التي لديها أصول وديون على الشركة، ومصالح سكان مدينة المحمدية التي تشتكي من التلوث بسبب هذه المنشأة.
وذهب الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان مصطفى بايتاس في نفس اتجاه بنعلي، بالتأكيد على أن الحكومة “ليست لها مشكلة في إعادة تشغيل سامير”، لكنه تساءل عمن “سيُعطينا 45 مليار درهم (4.4 مليار دولار)”، أي مبلغ المديونية على كاهل الشركة.
وأكد أنه حتى لو عادت المصفاة إلى الإنتاج فإنها ستحل جزءا من مشكلة توفير المشتقات النفطية وليس مئة في المئة كما يعتقد البعض.
وكانت المصفاة، التي تأسست بداية ستينات القرن الماضي، قد توقفت عن العمل منذ سنوات بعد قرار قضائي بتصفيتها في 2016، بعدما أصبحت عاجزة عن سداد الديون المستحقة عليها لصالح الدولة والمزودين.
واستغربت نقابة الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل في بيان حصلت “العرب” على نسخة منه “التصريحات الحكومية التي تعتبر أن المغرب ليس في حاجة إلى مصفاة، في تناقض تام مع ما تفرضه الأزمة والمتطلبات المستقبلية في تكرير النفط”.
ودعت النقابة الحكومة لتحمل مسؤوليتها على ما اعتبرته لامبالاة الحكومة وتجاهلها تداعيات ارتفاع أسعار المحروقات، محذرة إلى “ما يمكن أن يترتب عن الاستمرار في هذا المنحى من توترات اجتماعية”.
ويقدر خبراء طاقة إنتاج سامير قد تصل إلى 10 مليون طن فيما المغرب يستهلك 11.5 مليون طن سنويا مع بنية التي التخزين تصل إلى مليوني طن أي ما يعادل شهرين ونصف الشهر من الاستهلاك المحلي.

الحسين اليماني: بيع المصفاة دون أعباء حل لفض مشكلة ديونها القديمة
وترى النقابات ومهنيون أن سامير مازالت قادرة على استئناف نشاطها بشكل طبيعي إذا عولجت المشاكل في غضون ثمانية أشهر وبتمويلات لن تتعدى ملياري درهم (200 مليون دولار) منها 300 مليون درهم (29.6 مليون دولار) مخصصة لتهيئة المخازن.
وأوضح الحسين اليماني الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز أن المحكمة التجارية يمكن أن تحكم ببيع أصول الشركة لفض مشكلة الديون بحيث يتولى المستحوذ الجديد بما فيها الدولة إن رغبت في ذلك دفع قيمة سامير دون تحمل أعباء ما عليها من مستحقات.
كما اقترحت النقابة إيجاد أرضية لإقامة شراكة فعلية بين القطاعين العام والخاص لإعادة تشغيلها كون 60 في المئة من المديونية هي لمؤسسات عمومية.
في المقابل تقترح الحكومة حلولا بديلة وتفعيل ما تراه مناسبا، منها ضرورة بناء مصفاة جديدة لتكرير النفط في انتظار تسوية وضعية ملف سامير.
وترى أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار مصالح عمال ومستخدمي المصفاة ومصالح الدولة، والمؤسسات الدائنة ومصالح سكان المحمدية بالإضافة إلى مصالح شركات مرتبط نشاطها بالمصفاة.
وتعتقد بنعلي أن إنشاء مصفاة جديدة يستوجب القيام بدراسة حول جدوى وتأثيرها على منظومة الطاقة المحلية، وذلك من حيث الأثر الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، وانعكاساتها على الاقتصاد، مع تجسيد أفضل الخيارات في إطار السياسة المتبعة لمجال الطاقة.
لكن رجاء كساب عضو الجبهة الاجتماعية والقيادية بالكنفيدرالية الديمقراطية للشغل ترى أن بلدها ليس بحاجة إلى مصفاة جديدة طالما أن هناك إمكانية لإعادة تشغيل مصفاة المحمدية، التي تتوفر على وسائل لوجستية عالية.

رجاء كساب: لا نحتاج لمصفاة جديدة طالما يمكن تشغيل المنشأة المتوقفة
وأكد الخبير نجيب أقصبي أن ثمة خياريْن أمام الدولة لإعادة الحياة إلى شركة سامير، أولهما أن تدخل كمساهم في رأسمال الشركة، والثاني يتمثل في تأميمها، بتحويل ديونها إلى أسهم، على اعتبار أن الدولة هي أكبر الدائنين.
وكانت الحكومة قد رفضت مقترحي قانونين تقدمت بهما مجموعة الكونفيدرالية الديمقراطية للشغل بمجلس المستشارين، الأول يتعلق بتأميم الشركة، والثاني يهم تسقيف أسعار المحروقات.
واحتج عمال مصفاة سامير قبل أيام، مع استمرار وضع المصفاة وارتفاع أسعار الوقود في السوق المحلية، وذلك من أجل وقف موجة الغلاء التي تسببت فيها الأزمة في شرق أوروبا وإنقاذ الشركة من الإغلاق النهائي.
ورفضت الجبهة المحلية للمحمدية لمتابعة أزمة سامير، المكونة من تنظيمات سياسية ونقابية وجمعياتية، الموقف الذي تتبناه الحكومة إزاء قضية مصفاة سامير، مطالبة إياها بالكف عما سمّته “التبريرات الواهية أمام النزيف المستمر والخسران المبين للثروة الوطنية”.
ويقول اليماني إن المصفاة كانت تساعد في رفع المخزون والضغط أكثر على الأسعار في السوق المغربية، خصوصا بتوفر مشتقات التكرير، معتبرا أن المغرب متضرر من غياب هذه العملية، ما يضطره لقبول السعر المقترح لشراء النفط الخام.