تاورغاء الليبية ترفض قرار الدبيبة بضمها إلى مصراتة

أثار قرار رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة بضم بلديات إلى أخرى جدلا واسعا في ليبيا، وأعلنت مدينة تاورغاء عن رفض قرار ضمها إلى بلدية مصراتة، معتبرة أن الخطوة لا تخلو من خلفيات سياسية، وأنها إمعان في المظالم التي تعاني منها المدينة.
طرابلس - في الوقت الذي استبشر فيه الليبيون بنجاح الانتخابات البلدية التي أجريت السبت الماضي، أصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة قرارا مفاجئا بضم بلديات إلى أخرى في غرب ووسط وشرق وجنوب البلاد.
ورفض المجلس المحلي في تاورغاء قرار ضم المدينة كفرع بلدي إلى بلدية مصراتة، معلنا عن دعمه لأهالي وأعيان تاورغاء ومنظمات المجتمع المدني في التصدي لهذا القرار.
ونص قرار الدبيبة أيضا على ضم فروع بلدية أخرى إلى مصراتة، وشمل القرار بلديات سلوق وغريان وبنغازي وسبها والزنتان ويفرن ومسلاتة.
وأوضح عضو المجلس البلدي تاورغاء، إسماعيل شعبان، أن “قرار رئيس حكومة الوحدة بضم تاورغاء كفرع لبلدية لمصراتة غير صائب قانونيا واجتماعيا،” وقال في تصريحات إن “القرار جاء بعد انتخابات بلدية مصراتة، فعند ضم تاورغاء لها تكون قد حرمت مواطنيها من حقهم الانتخابي.”
وأعلن أهالي تاورغاء في بيان لهم الثلاثاء، رفضهم القاطع لقرار الدبيبة، بضم مدينتهم كفرع بلدي تحت مظلة بلدية مصراتة، وشددوا على أن مدينتهم تستحق الاستقلال الإداري كحق غير قابل للتفاوض.
قرار الدبيبة نص على ضم فروع بلدية أخرى إلى مصراتة، وشمل القرار بلديات سلوق وغريان وبنغازي وسبها والزنتان
وأشاروا إلى أن قرار الدمج ينتهك إرادة أهالي المدينة التي لم تشارك في الانتخابات الماضية كجزء من بلدية مصراتة، ما يعكس تطلعاتهم للانفصال الإداري والسياسي عنها.
كما أكد البيان أن مطالب تاورغاء لا تقتصر على الاستقلال الإداري فقط، بل تمتد إلى قضايا أكثر عمقًا، منها: إعادة إعمار المدينة التي تعرضت للدمار خلال سنوات النزاع، وتعويض أهلها عن الأضرار النفسية والمادية التي لحقت بهم، وتحسين المعيشة لضمان حياة كريمة للسكان بعد سنوات من التهجير والحرمان.
ودعا أهالي تاوراغاء إلى احترام إرادة الجماهير وتحقيق تطلعاتهم، كما شددوا على ضرورة تدخل البعثة الأممية لدعم هذه المطالب وضمان تطبيقها على أرض الواقع، مؤكدين تمسكهم بالتعايش السلمي مع كافة المدن المجاورة، بما في ذلك مصراتة. غير أن هذا التعايش، بحسب البيان، يجب ألا يتعارض مع حقهم في أن تبقى مدينتهم مستقلة إداريًا، على غرار المدن الليبية الأخرى.
وتعرضت تاورغاء لأبشع جرائم الإبادة والتهجير الجماعيين، والقتل على الهوية والإخفاء القسري والتعذيب الممنهج في السجون السرية بعد الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي في العام 2011، وهي المدينة التي كانت مأهولة بـ40 ألفا من ذوي البشرة السمراء تم التنكيل بهم من قبل ميلشيات مسلحة من مدينة مصراتة بدعوى دعمهم للنظام السابق.
في صيف 2011 القائظ، وخلال شهر رمضان تم تهجير سكان تاورغاء من مدينتهم وهدم مساكنهم وقتل المئات منهم واعتقال عدد كبير من التاورغيين في سجون الميلشيات، وتم نشر شائعات عن اغتصاب مجندين من تاورغاء لنساء من مصراتة، غير أن لجنة تحقيق محايدة أكدت عدم صحة تلك المزاعم.
قرار رئيس حكومة الوحدة بدمج تاورغاء في مصراتة يعيد الأزمة إلى بداياتها ويفتح الجرح من جديد
ويرى مراقبون أن قرار رئيس حكومة الوحدة بدمج تاورغاء في مصراتة يعيد الأزمة إلى بداياتها ويفتح الجرح من جديد.
واعتبر عضو مجلس النواب جاب الله الشيباني أن “قرار الدبيبة المشبوه القاضي بتحويل بعض البلديات إلى فروع تتبع بلديات أخرى جاء في وقت إجراء الانتخابات وهذا يطرح إشارة استفهام وتعجب، أنه أمر دبر بليل بعد أن علم بمحاولاتنا الجادة لإجراء انتخابات بلدية تاورغاء.”
وأضاف الشيباني “أن الدبيبة يعلم أنه لا سلطة له على البلديات التي أدرجها في قراره مثل بنغازي فهي فقط للتمويه والمخادعة والغرض منه بلا شك تاورغاء، يماطل الدبيبة في إعمار تاورغاء وتعويض أهلها فقرر ضمها لبلديته وقائمته الفائزة بالانتخابات الأخيرة.”
وتابع “يتوفر لتاورغاء المعيار السكاني والجغرافي وكذلك الظرف الاستثنائي والتراكم التاريخي الذي يجعل من الحكمة استقلاليتها وتدبير أمرها بنفسها بعيدا عن الاحتكاك المباشر الذي يجعل ضمها ظلم فادح وتوطئة لنتائج غير إيجابية،” مستطردا “أمامنا مشوار من المقاومة والممانعة وطرق الأبواب ذات العلاقة ولأهل ونشطاء تاورغاء دور في هذه المرحلة للمعارضة بالطرق المناسبة. وإن غدا لناظره قريب.”
قرار الدبيبة غير قابل للتطبيق في البلديات الخارجة عن نفوذ حكومته، مثل بنغازي وسلوق في شرق البلاد وسبها في جنوبها
واعتبر الناشط الحقوقي، حسام القماطي، أن قرار الدبيبة، القاضي بإلغاء عدد من البلديات والحاقها ببلديات أخرى محاولة للانقلاب على الانتخابات البلدية، وقال إن إنشاء وإلغاء البلديات من اختصاص الحكومة بموجب قانون الإدارة المحلية ولكن مع وجود انتخابات بلدية كان يجب احترامها وعدم التدخل حاليا.
وبحسب مراقبين، فإن قرار الدبيبة غير قابل للتطبيق في البلديات الخارجة عن نفوذ حكومته، مثل بنغازي وسلوق في شرق البلاد وسبها في جنوبها، وأن الهدف من القرار هو توسعة مجالات نفوذ بلدية مصراتة التي يسعى في السيطرة عليها بعد فوز لائحته في انتخابات المجلس البلدي السبت الماضي.
ورأى وكيل وزارة الخارجية الأسبق حسن الصغير أن دافع الدبيبة من القرار هو إلغاء بلدية زمزم بعد خسارة القائمة التي دعمها في انتخاباتها، للهيمنة على المناطق التي معظم سكانها من ورفلة، معللًا ذلك بأن البلديات الأخرى كـبنغازي وسبها خارج سلطته مما يجعل الهدف من هذا القرار هو زمزم فحسب، لضمّها إلى مصراتة وفق قوله.
ووصف المترشح الرئاسي سليمان البيوضي سياسة حكومة الدبيبة بأنها تعتمد على “حافة الهاوية والتصعيد الممنهج” في ردود أفعالها حتى الوصول إلى تسويات، وقال إنها لجأت إلى ضم عدد من البلديات كفروع بلدية إلى مصراتة، بعد الجدل الدائر حول نتائج الانتخابات البلدية فيها.
واعتبر البيوضي أن “ما أقدمت عليه الحكومة من تصعيد يستدعي مواجهة على نفس المستوى، لانتزاع الحقوق وإنهاء التغول السياسي والخدمي تحت عناوين مختلفة،” مؤكدًا أن معركة الحصول على تقسيم إداري ليست مجرد مطلب محلي، بل خطوة لتحقيق العدالة في توزيع الخدمات وتوفير فرص العمل، وإنهاء استخدام البلديات كأدوات سياسية.
وفي 25 أبريل الماضي، نظم عدد من أهالي تاورغاء وقفة احتجاجية أعلنوا فيها رفض التبعية للمجلس البلدي لمصراتة، مستنكرين اجتماعات عقدها المجلس ومجلس أعيان مصراتة مع أشخاص من تاورغاء لمطالبتهم بالتوقيع على أن تكون المدينة فرعا بلديا من مصراتة.
وذكّروا أن بلدية تاورغاء وردت بالجدول الصادر عن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات رقم (3) الخاص بتوزيع المقاعد للدوائر الانتخابية بالمنطقة الغربية، والذي تقرر فيه أن تاورغاء بلدية من البلديات المعنية بالعملية الانتخابية.