تأسيس مفوضية للاستفتاء والاستعلام في ليبيا بصلاحيات واسعة

أعلن رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي عن إنشاء المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني في العاصمة طرابلس، بحزمة واسعة من الصلاحيات تتعلق بالانتخابات والرقابة عليها وتنظيم التغطية الإعلامية ونشر الاستفتاءات، بينما ظهرت مخاوف من تحول هذه المفوضية إلى أداة بيد الحكومة للسيطرة على المعلومات بشأن الانتخابات.
وبحسب نص القرار الذي صدر الأحد، فإن الهدف من تأسيس المفوضية هو تنفيذ الاستفتاءات والاستعلامات الوطنية، من الإعداد والتحضير إلى الإشراف على التصويت وفرز النتائج، بالإضافة إلى تسجيل المواطنين الراغبين في المشاركة في الاستفتاءات وفقا للقوانين الانتخابية وتوزيع مراكز الاستفتاء بحسب الدوائر الانتخابية المعتمدة.
ورغم أن القرار لم يقدم توضيحا يذكر بشأن مفهوم الاستعلام الوطني، إلا أن تأسيس مفوضية وطنية للاستفتاء من قبل السلطة التنفيذية يشكك في الاستقلالية التي يمكن أن تتمتع بها لإنجاز مهامها في رصد توجهات الرأي العام بخصوص القضايا والملفات الكبرى سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية.
وتعتبر أوساط ليبية مطلعة أن الاستفتاءات جزء من صلاحيات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وأية محاولة للسطو عليها ستعتبر اعتداء على مؤسسات الدولة، وخلطا للأوراق من طرف ليس له حق في الاستحواذ على صلاحيات المؤسسة التشريعية. وكشفت أوساط ليبية أن إنشاء المفوضية الجديدة جاء باقتراح من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة الذي سبق وأن تحدث في مناسبات عدة عن ضرورة استفتاء الشعب حول بعض الملفات المهمة من بينها رفع الدعم عن أسعار المحروقات.
◙ تأسيس مفوضية وطنية للاستفتاء من قبل السلطة التنفيذية يشكك في استقلاليتها حيال رصد توجهات الرأي العام
كما سبق للدبيبة أن اقترح استفتاء الشعب إلكترونيا على الخلاف السياسي الحاصل بدلا من أي وساطة، قائلا إن “هذا سيجعل العالم يحترمنا”. وأكد في حلقة نقاش، حول مدى جاهزية القطاعات المعنية من الناحية الفنية للتصويت الإلكتروني، أن “التصويت سيكون هل أنت مع فترة انتقالية جديدة أم إجراء الانتخابات، على أن يكون التصويت بنعم أو لا”، كاشفا أنه ستكون هناك جهات رقابية دولية لمراقبة التصويت الإلكتروني وإعطاء الثقة لليبيين.
وشدد على ضرورة طرح الدستور على الليبيين عن طريق التصويت الإلكتروني لتسهيل العمليات الأمنية وقطع المسافات والإجراءات المعقدة. ورأى الدبيبة أن الانتخابات والاستفتاء على الدستور موضوعان يحتاجان إلى المزيد من الدقة لوصول صوت المواطن دون تزوير، مضيفا أنه “لا توجد إمكانية لحل المشكلة الليبية إلا بالتصويت الإلكتروني لأن التكنولوجيا أصبحت السائدة في الحياة”. واعتبر أن “الليبيين مستعدون للتعامل مع التكنولوجيا وأن على المسؤولين مساعدتهم ومخاطبتهم لرسم الصورة بشكل عام وواضح”، لافتا إلى أن الشعب الليبي دائما يشكك في مصداقية التصويت.
ونص قرار رئيس المجلس الرئاسي رقم 79 في مادته الأولى على مهام المفوضية المنشأة بعرض أحد الموضوعات التشريعية أو السياسية أو الإدارية على الشعب للاستفتاء وأخذ الرأي بشأنه، على أن يتم اعتبار نتائج الاستفتاء ملزمة لكافة الأطراف والجهات في الدولة على اعتبار أنه مصدر السلطات بالتأييد والموافقة أو الرفض بأي موضوع يعرض عليه، فيما يعد الاستعلام الوطني استطلاع رأي الشعب في موضوع بشكل محايد قبل المباشرة بإجراء عملية الاستفتاء بموجبه أو على قرار يرتكز عليه.
وينص القرار على أن المفوضية هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة، وتتخذ من طرابلس مقرا لها مع إمكانية ممارسة مهامها في أي مدينة أخرى بموافقة رئيس المجلس الرئاسي. وتكون قراراتها علانية ولا يجوز التدخل في اختصاصها، كما ستكون لها فروع داخل ليبيا.
ويشكل مجلس إدارة المفوضية من شخصيات بارزة من مختلف المجالات، بمن في ذلك مستشار قانوني مشهود له بالخبرة والكفاءة، يشغل منصب رئيس مجلس إدارة المفوضية، إضافة إلى ممثلين عن نقابة المحامين، والجامعات الليبية، وشركات الاتصالات، والهيئة العامة للمعلومات، ومصلحة الإحصاء والتعداد. ويحق للمفوضية اعتماد المراقبين المحليين والدوليين، وكذلك اعتماد الإعلاميين المحليين والدوليين لضمان التغطية الشاملة والشفافية في العرض المباشر أو غير المباشر للعملية الانتخابية.
ووفق القرار، فإن رئيس المجلس الرئاسي هو من يحدد الموضوعات التي تتطلب إجراء عملية الاستفتاء والموافقة على نتائجها، مع ضمان حياد المفوضية والتزامها بشفافية العملية التي تجرى تحت إشرافها، وهو ما يؤكد أن استقلالية المفوضية تبقى محل شك، باعتبارها مطالبة بتنفيذ قرارات المجلس الرئاسي، من دون أن يكون لها حق المبادرة في تحديد برامج عملها.
◙ المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني التي أعلن عن تأسيسها ستشكل نقطة خلاف جديدة مع مجلس النواب
وحدد القرار اختصاصات المفوضية في تنفيذ الاستفتاء والاستعلام الوطني والإعداد له والإشراف عليه وفرز نتائجه والإعلان عنها ولها سلطة إصدار اللوائح التنفيذية والإجراءات اللازمة لتنفيذ عملية الاستفتاء وفق الدوائر الانتخابية المعتمدة حسب التشريعات النافذة. واعتبر رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا أحمد حمزة أن قرار إنشاء المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني معدوم ولا أثر له، وقال إن هذا القرار ليس من اختصاصات المنفي طبقا لما جاء في خارطة الطريق المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي.
وتابع حمزة أن القرار ذو صبغة تنفيذية، وهذه ليست من اختصاصات عمل المجلس التشريعي ولا التنفيذي وقد أوكلت المهام التنفيذية إلى الحكومة، مردفا أن “هذا القرار وإن سلمنا جدلاً بأنه من صلاحيات المجلس فإنه لا يصدر منفرداً من قبل رئيس المجلس وإنما بالعرض على كامل أعضائه وموافقتهم ويصدر باسم المجلس مجتمعاً وليس باسم رئيسه”.
وأشار حمزة إلى أن ما يتعلق بإجراء العمليات الانتخابية والاستفتاء من اختصاصات المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، لكونها جهة مستقلة ينظم عملها قانون وليس قرارا من غير ذي اختصاص، وليس من اختصاصات جهات تنفيذية تابعة للحكومة، وهذا ما يفقدها الحياد والمصداقية في نتائج أعمالها وستكون قابلة للطعن في مصداقيتها ومهنيتها وحياديتها.
وانتقد وكيل وزارة الخارجية الأسبق حسن الصغير المبادرة التي أقدم عليها المنفي، لافتا إلى أنها ليست من اختصاصه، وقال إن القرار وراءه الدبيبة ومن يعتقدون بإمكانية إجراء استفتاء إلكتروني على مشروع الدستور أو إجراء انتخابات إلكترونية كوسيلة لعرقلة أي جهد لتغييرهم، وفق تقديره.
ويرى مراقبون أن المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني التي أعلن عن تأسيسها ستشكل نقطة خلاف جديدة مع مجلس النواب، كما ستفسح المجال أمام حالة انقسام أخرى في ظل التباينات السياسية والاجتماعية والثقافية في مختلف مناطق البلاد.