تأخر تونس في استقدام لقاحات كورونا يعكس خللا حكوميا في إدارة الأزمات

ضعف السياسة الاتصالية يُصعّب مهمة إقناع المواطنين بجدوى التطعيم.
السبت 2021/02/13
الاستعداد لمرحلة ما بعد الوباء مازال بعيدا

في ظل انتقال ديمقراطي هش يعكسه السجال السياسي والدستوري المحتدم بين الرئاسات الثلاث، لا تزال تونس تكتفي بمعاينة الآثار السلبية التي خلفتها الجائحة وتداعياتها الاجتماعية المدمّرة فحسب. فقد تعرضت البلاد للأزمة الصحية في فترة كان الجميع ينظر بعين التفاؤل للخروج من التقلبات الاقتصادية، بيد أن طريقة تعاطي صناع القرار مع خطط جلب اللقاحات، سلّط الضوء على القيود التي تعيق عمل الحكومة، وتظهر في الوقت نفسه مؤشرات على ضعف الدولة في مواجهة الأزمات الحرجة.

تونس – ألقى ارتباك السلطات التونسية في إدارة ملف جلب لقاحات كورونا بظلال قاتمة على المواطنين الذين انتابتهم الشكوك من جدوى التطعيم في ظل ضعف السياسة الاتصالية الحكومية التي لم تقدم إجابات مطمئنة حتى الآن بخصوص الموعد النهائي لوصول اللقاحات من جهة، ومدى نجاعتها الصحية من جهة ثانية.

ويربط المراقبون هذه الوضع بعدم الاستقرار السياسي الذي تفاقم منذ استقالة رئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ لتدخل البلاد في جدل دستوري منذ أكثر من أسبوعين نتيجة رفض الرئيس قيس سعيد قبول أداء اليمين الدستورية لأربعة وزراء تتعلق بهم شبهات فساد أو تضارب مصالح، ضمن تعديل وزاري واسع قام به رئيس الحكومة هشام المشيشي، ونال على إثره ثقة البرلمان.

ورغم إطلاق الأوساط الطبية صفارات الإنذار خشية اتساع رقعة الوباء، حيث شهدت تونس موجة ثانية قاسية، لكنها لم تجد صدى من الحكومة التي لم تفلح في الحد من انتشار الفايروس على النحو المطلوب، وذلك بسبب عدم قدرتها على التطبيق الصارم لبروتوكولات الوقاية الصحية.

حياة عمري: الضبابية تكتنف شركات سبر الآراء التي ستدير حملات التوعية
حياة عمري: الضبابية تكتنف شركات سبر الآراء التي ستدير حملات التوعية

لا حماسة بين التونسيين

كشف استطلاع للرأي محلي نشر مؤخرا عن تدني نسبة قبول التونسيين للقيام باللقاحات إلى 41 في المئة، ويرجع ذلك إلى وجود مخاوف من وجود آثار سلبية محتملة للتطعيم، فيما يقول متابعون إن غياب حملات التوعية ساهم في ارتفاع منسوب القلق، ولم يحفز المواطنين على الإقبال على اللقاح بهدف الحد من انتشار الفايروس.

واقتصر عدد المسجلين في الحملة الوطنية للقاح ضد كورونا إلى غاية السبت الماضي، على قرابة 388.5 ألف تونسي من إجمالي أكثر من ثلاثة ملايين شخص معنيين بأول حملة تطعيم قد تدخلها البلاد في المرحلة الأولى. وحدّدت وزارة الصحة نصف عدد سكان البلاد ليكونوا ضمن هذه الدائرة، أي نحو ستة ملايين شخص.

وسبق أن أوضح الهاشمي الوزير، مدير معهد باستور، وهو مستشفى ومركز دراسات وأبحاث طبية تأسس في العام 1893 في تصريحات صحافية، أن “40 في المئة من التونسيين يرغبون في تلقي اللقاح مقابل 30 في المئة يرفضونه، في حين لم يحسم البقية قرارهم بعد”.

ويلاحظ المتابعون أن انشغال الحكومة بالخصومات السياسية وسط تصاعد الأزمة الدستورية، كان له تداعيات وخيمة على إدارة ملف اللقاحات وحملات التوعية، كما ألقت التعديلات الحكومية المتواترة من فترة إلى أخرى بظلال سلبية على مهام الإدارات السيادية ومن ضمنها وزارة الصحة.

وعلى الرغم من موافقة مجلس نواب الشعب (البرلمان) الثلاثاء الماضي، بالأغلبية على مشروع قانون يتيح للحكومة الانضمام إلى المبادرة العالمية “كوفاكس” لتسهيل إتاحة اللقاحات ضد كورونا، إلا أن هناك تضاربا كبيرا في التصريحات بشأن الموعد النهائي لوصول اللقاحات إلى البلاد.

وستحصل تونس بموجب الانضمام إلى مبادرة كوفاكس، وهو برنامج تشرف عليه منظمة الصحة العالمية لتطعيم السكان في البلدان الفقيرة ومتوسطة الدخل التي لا تمتلك القدرة على توقيع اتفاقيات ثنائية للشراء المسبق للقاح، على نحو 4.8 ملايين جرعة من لقاحات كورونا، وفق ما صرح به ممثل منظمة الصحة العالمية في تونس، إيف سوتيران.

وفي الوقت الذي رجّحت فيه الحكومة التونسية وصول الدفعة الأولى هذا الشهر، إلا أن خبراء الصحة يستبعدون ذلك، فيما يتساءل التونسيون عن مدى سلامة وفاعلية اللقاحات المنتظرة؟

وأوضح سهيل العلويني، الرئيس السابق للجنة الصحة في البرلمان في تصريح لـ”العرب”، أن “موعد وصول اللقاحات يجب أن يحدد بشكل نهائي حتى تنطلق الحكومة في حملتها الدعائية.”

تخبط اتصالي حكومي

40 في المئة من التونسيين يرغبون في تلقي اللقاح مقابل 30 في المئة يرفضونه، فيما لم يحسم البقية قرارهم بعد
40 في المئة من التونسيين يرغبون في تلقي اللقاح مقابل 30 في المئة يرفضونه، فيما لم يحسم البقية قرارهم بعد

يستنج المتابعون أن التخبط الحكومي في إدارة ملف كورونا واللقاحات هو انعكاس للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحادة التي ترزح تحت وطأتها البلاد في أعقاب ثورة يناير 2011. وبرأي هؤلاء تحتاج الحكومة إلى استرجاع ثقة التونسيين ومراجعة سياستها الاتصالية حتى تنجح في الإقناع ببرامجها وخططها على جميع الأصعدة.

لكن كل ذلك لا يعكس حقيقة الأزمة، فتغيير الحقائب الوزارية بشكل متواتر هو سبب آخر للمشكلة، فقد تولى فوزي مهدي وزارة الصحة في سبتمبر الماضي ضمن حكومة المشيشي، خلفا لعبداللطيف المكي الذي كان في حكومة الفخفاخ قبل أن يتم تغييره في التعديل الوزاري الأخير في منتصف يناير الماضي، ويفترض أن يحل محله الهادي خيري، الذي لم يتسلّم مهامه حتى الآن.

وتحمّل الأوساط السياسة مسؤولية تردد التونسيين في تناول اللقاح إلى ضعف السياسية الاتصالية الحكومية وإلى التقصير في حملات التوعية.

وانتقد نواب في جلسة برلمانية الثلاثاء، ضعف السياسة الاتصالية لوزارة الصحة في إقناع التونسيين بالتلقيح ضد فايروس كورونا في ظل وجود تخوف لدى البعض من التأثيرات الجانبية لأصناف من اللقاحات، متسائلين عن مدى قدرة الدولة على التعويض عن الأضرار الصحية المحتملة؟

كما تساءل نواب عن موعد استقدام اللقاحات بالتحديد بالنظر إلى تضارب التصريحات من قبل مسؤولين حول تاريخ موعد الدفعة الأولى للتطعيم، فيما استفسر نواب آخرون عن خطة وزارة الصحة لإتاحة للقاحات للفئات الفقيرة والمناطق الداخلية.

هشام عجبوني: مع كل تعديل وزاري تتعطل الدولة ويؤثر على خطط جلب اللقاح
هشام عجبوني: مع كل تعديل وزاري تتعطل الدولة ويؤثر على خطط جلب اللقاح

وعبّر النواب عن استغرابهم من اقتصار وزارة الصحة على التعاقد مع مخابر أدوية أميركية دون التوجه إلى روسيا أو الصين أو بريطانيا، بينما تساءل آخرون عن قيمة اللقاحات التي ستوفرها تونس وقيمة اللقاح بالنسبة إلى كل مواطن وكيفية التصرف في توزيع الجرعات الأولى، وهي مسائل عديدة مازالت غامضة وتحتاج إلى توضيحها للرأي العام.

وأقرت حياة عمري، نائبة رئيس لجنة الصحة في البرلمان خلال حديثها لـ”العرب”، بوجود تقصير في السياسة الاتصالية الحكومية. وقالت عمري إن “هناك خطة وطنية تقتضي التعامل مع شركات اتصال لأجل الدعاية والتحسيس، ومن خلال سبر آراء موضوعي”، مستدركة “لكن هذه الخطة مازالت غير واضحة”.

ورأت عمري أن “إجابات وزير الصحة خلال جلسة استماع في البرلمان بخصوص وجود ثلاث شركات سبر آراء تقدمت للعمل تطوعيا، غير واضحة، حيث لم يكشف عن أسماء بعينها، وهو ما يثير الشكوك حول مصداقيتها وسط تصاعد الحديث عن وجود تضارب المصالح صلب الوزارة في هذا الملف”.

وفي ضوء ذلك، تشكل انطباع لدى أغلب المتابعين بأن التعتيم الإعلامي من طرف وزارة الصحة بخصوص تفاصيل ملف اللقاحات يثير المزيد من الشكوك في قدرة الحكومة التي تعاني صعوبات على أكثر من صعيد على تأمينها.

وهذا القصور يعكس عدم حماسة التونسيين للقاحات، ويكشف نقاط ضعف وزارة الصحة، حيث تعتقد عمري أنه لا توجد معلومات من وزارة الصحة، وهي من المفروض أن تكون متاحة للجميع حتى تحفز المواطن على اللقاح.

وتذهب أوساط سياسة إلى الاعتقاد بأن الفتور تجاه اللقاحات ناجم عن خوف المواطن في حد ذاته من تبعات التطعيم، وليس فقط مسؤولية حكومية. ويشير هشام العجبوبي، النائب عن التيار الديمقراطي في حديثه لـ”العرب”، إلى أن عدد المسجلين في حملة التطعيم  ضعيف فيما تحتاج البلاد إلى تلقيح نصف سكانها.

وعزا العجبوني ذلك إلى الخوف من اللقاحات وتداعياتها الصحية، وأن هناك خشية من الآثار الجانبية في ظل غياب حملات إعلامية قوية إضافة إلى تداعيات حالة عدم الاستقرار الحكومي على عمل الوزارات السيادية. وقال إنه “مع كل تعديل حكومي يقع تعطيل مهام بقية الوزارات”.

7