تأخر التعاون في تصدير الغاز بين مصر وإسرائيل: سياسي أم تقني

أثار قرار الحكومة الإسرائيلية تأجيل تطوير صادرات الغاز إلى مصر للعام المقبل موجة من التساؤلات، حيث ذهب البعض إلى اعتبار الخطوة سياسية بامتياز، بينما رجح آخرون أن الأسباب التقنية تحول دون ذلك.
القاهرة - استبعدت مصادر عربية أن تكون العلاقات السياسية بين مصر وإسرائيل دخلت حالة كبيرة من الجمود على خلفية تصعيد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية، بما ينعكس سلبا على مستوى تنسيق القاهرة مع تل أبيب في مجالات مختلفة، أبرزها تصدير الغاز المسال إلى أوروبا من خلال مصر.
وأشارت تقديرات اقتصادية إلى أن تأجيل الحكومة الإسرائيلية تطوير صادرات الغاز لمصر لا يخلو من دوافع سياسية، وإن جاء مغلفا بأسباب تقنية، فقد كانت هناك تفاهمات وحماس للاستثمار في مشروعات الغاز المشتركة بدلا من المنافسة فيها.
وقال موقع “بيزبورتال” الاقتصادي الإسرائيلي المتخصص في أخبار الطاقة، الأربعاء، إن إسرائيل أجلت جميع خطط تطوير صادرات الغاز لمصر إلى أبريل من العام المقبل بسبب خلل فني في المشروع المرتقب الذي أعلنت عنه من قبل، مع استمرار الشركات في التصدير من خلال البنية التحتية الحالية عبر الأردن.
وكان من المفترض البدء في تطوير مسارات تصدير الغاز من خلال خط أنابيب يربط بين مدينتي أشدود وعسقلان قبل توصيله إلى مصر، وتبلغ تكلفته 650 مليون شيكل (نحو 200 مليون دولار)، وتتحمل الحكومة الإسرائيلية تكلفة أقل من النصف، بينما يمول الشركاء في الخزان حوالي 360 مليون شيكل (نحو 110 ملايين دولار).
وجاءت الخطوة بعد أيام على لقاء مشترك جمع وزير البترول المصري طارق المُلا ووزير الطاقة الإسرائيلي يسرائيل كاتز، بمشاركة مفوضة الطاقة والمناخ بالاتحاد الأوروبي كادري سيمسون، لمراجعة تقدم العمل بشأن مذكرة التفاهم الثلاثية الموقع عليها في يونيو الماضي لنقل الغاز إلى أوروبا باستخدام البنية التحتية المصرية.
وألمح المُلا إلى أهمية ترجمة التعاون الثلاثي إلى نتائج ملموسة، وعبّر عن أمله في أن يتم تحريك الملف خلال الاجتماع القادم لمنتدى غاز شرق المتوسط، الذي ترأسه مصر ويضم إسرائيل والسلطة الفلسطينية وعددا من الدول الأوروبية.
وقال مصدر مصري لـ”العرب” إن التباين بين القاهرة وتل أبيب له علاقة بالتوسع في إجراءات الاستيطان في الأراضي المحتلة، بما لا يخدم التفاهمات المشتركة بشأن إسالة الغاز في المحطات المصرية وإعادة تصديره، وإن الأهداف التجارية تبرز كعامل رئيسي، وإن حديث إسرائيل عن إرجاء تطوير طرق التصدير للعام المقبل يرجع أيضا إلى موقف القاهرة التي تمنح أولوية لتصدير الغاز المحلي.
وأوضح المصدر ذاته أن التقارب السياسي بين البلدين يفتح مجالات كبيرة للتعاون المشترك، ويقود تباعد وجهات النظر إلى فتور مؤقت قد لا يظهر في العلن بشكل مباشر، لكن تبرز تأثيراته عبر تباطؤ تنفيذ الاتفاقات المشتركة، وأن الحديث عن وجود خلل في خطط التطوير ليس مقنعا، والأرجح أن هناك عوامل أخرى أسهمت في عرقلة تطوير التعاون المشترك لتصدير الغاز إلى أوروبا.
وأعلنت شركات الغاز الإسرائيلي أن الأعطال في أعمال البنية التحتية هي السبب الرئيسي في تعطيل خطة التطوير، وسيتم تأجيل تصدير الغاز في خط أنابيب من شأنه تقصير المدة الزمنية، وكان من المقرر أن يمر مباشرة عبر مصر وليس الأردن.
وحسب شركة شيفرون المالكة للخزانات، فإن عطلا في السفينة التي من المفترض أن تمد خط الأنابيب على الخط بين مدينتي أشدود وعسقلان سيؤدي إلى تأخير المشروع.
وتتعارض المصالح المصرية والإسرائيلية بشأن الاستفادة من عوائد الغاز، إذ تطمح القاهرة لتصبح مركزا إقليميا لتصدير الطاقة إلى أوروبا، في الوقت الذي تتوسع فيه تل أبيب في مشروعات تطوير محطة غاز عائمة لإنتاج الغاز المسال مباشرة وتصديره إلى أوروبا، بجانب توسعها في حقل “ليفاثيان” في البحر المتوسط.
وتسير الحكومة الإسرائيلية في اتجاه معاكس لما تم من اتفاقات سابقة منذ نحو عامين مع مصر، تضمنت ربط حقل “ليفاثيان” بوحدات إسالة في مدينتي إدكو ودمياط على البحر المتوسط بشمال مصر عن طريق خط أنابيب بحري.
وذهبت تقارير إسرائيلية مؤخرا إلى أن القرار الاستثماري النهائي بشأن تدفق الغاز إلى محطات الغاز المسال المصرية، لن يحدث قبل ثلاث سنوات.
وأكد رئيس برنامج دراسات الطاقة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أحمد قنديل أن مزاعم إسرائيل بإرجاء خطط التطوير لا تعود إلى أسباب فنية، لكن الأمر يتعلق بزيادة صادرات الغاز المصري المسال إلى الخارج، ما أدى إلى عمل المرافق المصرية بكامل طاقتها، ولا يوجد فائض لاستقبال الغاز الإسرائيلي، في وقت تعطي فيه القاهرة أولوية لتصدير إنتاجها المحلي للحصول على عملات صعبة.
وأشار في تصريح خاص لـ”العرب” إلى أن الطلب الأوروبي على الغاز الطبيعي من المتوقع أن يتراجع الفترة المقبلة، وربما تكون الأسواق الغربية ليست المكان المناسب لتصدير الغاز الإسرائيلي مع قدرة الكثير من الدول على التغلب على وقف صادرات الغاز الروسي وقرب انتهاء فصل الشتاء، كما باتت مرافق التخزين شبه مكتملة، وبالتالي تتجه الأنظار الإسرائيلية نحو الأسواق الآسيوية من خلال ميناء العقبة في الأردن.
ولفت إلى وجود توتر في العلاقات السياسية بين الجانبين نتيجة لممارسات ترتكبها الحكومة اليمينية المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو، تفتقر إلى الأفق السياسي لحل القضية الفلسطينية، لكن هناك حرصا من الطرفين على فصل التعاون في مجال الغاز وعدم تسييسه لتجنب إقحامه في مجالات أخرى، وما يعزز ذلك أن الاتفاق المشترك يتم من خلال شركات خاصة وليست حكومية في البلدين.
ووجهت وزارة الخارجية المصرية رسائل تحذير مستمرة من عواقب التصرفات التي وصفتها بأنها “استفزازية” للجانب الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، واسخدمت القاهرة خطابا خشنا عند تشكيل حكومة نتنياهو، وحاولت لعب دور الوسيط بينها وبين الفصائل الفلسطينية من دون تجاوب حقيقي من جانب إسرائيل، التي تعمل بدأب على شرعنة بناء مستوطنات جديدة في الأراضي المحتلة.
وشدد وزير الخارجية المصري الأسبق محمد العرابي على أن أحاديث إسرائيل عن تأجيل خطط تطوير توصيل الغاز إلى مصر يحمل أبعادا تجارية في إطار التنافس لتصديره إلى أوروبا والاستفادة من زيادة أسعاره، وأن حالة الشد والجذب السياسي تحدث بشكل مستمر، وتبدو القيادة الإسرائيلية معتادة على ممارساتها السيئة بحق الشعب الفلسطيني ولا تستمع جيدا إلى آراء التهدئة.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن إسرائيل يصعب أن تستغني عن العلاقة مع مصر، وتدرك أنها تمسك بالعديد من الأوراق المهمة في الملف الفلسطيني، وقد تكون أكثر تقاربا مع القاهرة إذا كانت هناك تفاهمات على نحو أكبر بشأن الذهاب إلى التهدئة.